لم يكن ممكنا لرئيس دولة سعي لتغيير شعبه, ان يستوعب أو يفهم أو يقبل أن ينتفض هذا الشعب للمطالبة بتغييره. ويعرف الليبيون ان دعواته المتكررة للرحيل عن ليبيا ربما بدأت منذ عقدين من الزمان, قائلا لهم في خطابات متكررة انه لم يقم بعمل علاقات صداقة مع الدول الافريقية الا من أجل أن يجدوا فيها مكانا لاستقرارهم, لان ليبيا التي أسماها سباخ الملح لا تصلح لاقامتهم, وعندما سمع ذات مرة صوتا يتساءل لماذا لا تكون الهجرة إلي اوروبا قال الجملة التي تحولت إلي لازمة ساخرة في افواه الليبيين وهي اصقع عليكمب أي انه يريد تجنيبهم البرد القارص في المهجر الاوروبي, كعلامة علي عطفه وحنانه وشفقته علي الليبيين, مضيفا بالحرف الواحد انهم في افريقيا سيتمكنون من العيش عراة لا يحتاجون إلي ارتداء أي ملابس, ولم يكن يكتفي بهذه النداءات وانما اتبعها بالتنفيذ, وذلك بان امر بعض بنوك التسليف بان تدفع مبلغا محدودا كقرض لمن يريد الهجرة إلي افريقيا, ويبدو أن عددا قليلا استفاد من هذا القرض دون نية حقيقية للالتزام بالغرض الذي وضع من أجله, وعمد القذافي إلي خطوة اخري اكثر خطورة وهو السعي لدي دولتين عربيتين هما المغرب ومصر لمساعدته في تهجير مليون عائلة من كل قطر, بما مجموعه عشرة ملايين نسمة لاحلالهم في ليبيا واستبدالهم بالشعب الليبي, وقدم حجة لهذين البلدين العربيين, انه يريد هذه الاعداد المليونية لتعمير المشاريع الزراعية الناتجة عن النهر الصناعي العظيم, وكان الرد واحدا من البلدين بان مثل هذا المشروع يقتضي ان تكون المزارع جاهزة, بواقع مزرعة لكل عائلة مكتملة التجهيزات, ولن تستطيع هذه الدول التفريط في جزء من عمالتها الزراعية, دون ضمانات أكيدة, وقد ضربت مصر مثلا بما حدث لمشاريع القري الزراعية التي أراد صدام تعميرها بعمالة مصرية,ثم بدأت هذه العمالة تعود إلي مصر في توابيت الموتي بسبب ما افتقر اليه هذا المشروع من ضمانات وتحصينات, وهي لاتريد ان تعيد التجربة مع ليبيا, وطبعا كانت مصر كما كانت المملكة المغربية تعلم انه ليس هناك نهر صناعي عظيم يستطيع توفير مياه لمثل هذه المشاريع الكاذبة التي لا وجود لها الا في ذهن الزعيم, لان المشروع لم يكن يكفي لسد مياه الشرب في ليبيا, ولكن الرجل كان معتمدا علي نهر النفط, وليس الماء ليشتري به جمهورا يدين له بالولاء, ولا يطالب باي حقوق كتلك التي يطالب بها الليبيون. بعض المعلقين السياسيين يقولون كتفسير لتشبث القذافي بالسلطة رغم ما نتح عن تصرفاته من دمار, وما سقط علي ايدي الجنود المرتزقة من قتلي, إن هذا يحدث بسبب ما يعانيه من انقطاع بينه وبين الواقع, ويندهش احيانا المذيعون الذين يحاورون هؤلاء الضيوف عن كيف لرجل حكم بلاده لمدة42 سنة أنه يكون بهذه الحالة المرضية التي تمنعه من أن يري الواقع, ويقولون انه اذا كان الحكم مغنما فيكفي أنه استفاد هو وأسرته من هذا المغنم لأكثر من أربعة عقود, وإذا كان غرما ومعاناة وتعبا فليتفضل بإعادة الأمور الي الشعب يختار من يدير شئونه, والحقيقة فأن ما يقوله أهل الاختصاص النفسي هو أن حالة الفصام مع الواقع جزء من طبيعة الشخصية السيكوباتية وهو ما يعرفه كل من درس شخصية الرئيس العراقي الذي يعيد الحاكم الليبي الأخطاء التي أدت الي هلاكه ودمار شعبه, مع فارق أن ليبيا انشاء الله لن تلقي ذلك المصير باعتبار أن العالم كله الآن يستنفر قواه لحفظ دماء شعبها والاسراع بحسم الموقف لصالح الشعب وصالح الوطن, فهو لم يتعظ من دروس الرئيس العراقي الذي كان يفتعل المعارك الضروس لمجرد أن يري جنازة تخرج من كل بيت عراقي ويستمد من ذلك متعة ترضي الأمراض السادية السيكوباتية التي تتلبسه, ولعل نظام القذافي لم يستطع أن يخوض مثل تلك الحروب التي خاضها العراق ولكنه حاول رغم فارق القوة في الآلة العسكرية وفارق الحجم في عدد أفراد الشعب أن يفتعل معارك من الهواء لإرضاء هذا الجانب السيكوباتي, كانت احداها حربا مبكرة اقحم فيها الجيش الليبي, وشيوخ المقاومة الشعبية, بل واطفال المدارس الإعدادية, للدفاع عن واحد من مجانين الحكم اسمه عيدي أمين, في بلد يبعد عنه آلاف الأميال, وحروب أخري عبثية قام بافتعالها مع تشاد ومصر وتونس, وازمات استخدم فيها الارهاب وانفق عليها الأموال بسفه وعبث الي حد جعل أهل المعارضة الوطنيين, يطالبون بالحجر عليه, إلا أن أحدا لم يكن يستجيب لهم علي مستوي المجتمع الدولي لأنه كان قادرا علي شراء الولاء والدعم والتأييد لكل ما كان يقترفه من ذنوب ضد شعبه أهمها أنه جعل هذا الشعب وعلي مدي سنوات حكمه يعيش في عوز وفقر واحتياج حاجبا عنه ثرواته, دون تفسير الا التفسير الذي يقدمه علماء النفس, فقط كان بإمكانه ان يستولي علي نصف موارد الشعب الليبي ويحجزها لنفسه وعائلته في يسر ورخاء لا أن تبقي مرتبات الموظفين بحكم قانون اسمه51 مجمدة لعدة عقود دون تغيير, ثم يلجأ لحيلة ماكرة لإفقار الشعب الليبي وهي تخفيض قيمة الدينار وكان صرفه يتجاوز بقليل ثلاثة دولارات الي أن يصل هذا الصرف ربع دولار بحجة الحصار, ومعني ذلك ان الموظف الذي كان يتقاضي300 دينار ويصل صرفها في البنك الي مايزيد عن الف دولار, تحول مرتبه فجأة الي مائة دولار, بضربة حكومية ذاعرة وبحجة الحصار الذي فرضته عليه الأممالمتحدة بعد جريمة اسقاط طائرة لوكيربي, وهو عذر كاذب لأن الحصار لم يتعرض لدخل البلاد من النفط, بل إن هذا الدخل ازداد قوة بفضل الحصار الذي منع عليه شراء السلاح, فكانت تتوافر في خزينة الدولة اموالا طائلة لاتصل الي حجم الأموال الموجودة في خزينة دولة صغيرة مجاورة هي مالطا, وقد ظلت عملتها الليرة تصرف بنفس القيمة التي كان يصرف بها الدينار, وظل الدينار الكويتي رغم المحنة التي مرت بها البلاد يصرف بنفس القيمة, ولكنها بالنسبة لليبيا حكومة تتحايل علي إفقار المواطن والسطو علي دخله البسيط الضئيل. ختاما أود التنبيه الي قضية مهمة هي ان الشعب المصري الثائر وشباب ميدان التحرير التحموا بثورة الشعب الليبي منذ أول يوم لقيامها, وسمعت أحد ممثلي هؤلاء الشباب وهو الأخ وائل قنديل يتصل منذ اللحظات الأولي بإحدي المحطات التليفزيونية معبرا عن مناصرة الشباب لاخوانهم شباب الشعب الليبي إلا أن اصواتا نشازا خرجت للأسف من مصر لا تعبر إلا عن نفسها قررت ربما بسبب علاقة قديمة مشبوهة مع النظام الليبي الاصطفاف ضد الشعب ومؤازرة النظام المنهار في جهوده, واشير الي ندوة نظمها أخ كان احد الراقصين الدائمين في اعراس اللجان الثورية هو عبدالعظيم المغربي وبيان صدر باسم مركز يافا لصاحبه السيد رفعت سيد احمد واستقطب للأسف اسماء معروفة تدافع عن النظام بينها الاعلامي المعروف حمدي قنديل, فكان لابد من تنبيه بقية الناس الشرفاء من مغبة الوقوع في هذه الفخاخ والشراك التي ينصبها أزلام النظام الليبي في مصر, وبقية اقطار العالم, ولم يبق إلا سطر واحد أخصصه لنداء الي الاخ العقيد, اسأله ان يرحل عن حكم البلاد فما زال في الوقت بقية لإنقاذ نفسه من مصير مأساوي وحقن الدماء التي تسيل علي أيدي جنوده المرتزقة. المزيد من مقالات أحمد ابراهيم الفقى