وقع المحظور بعد ان تبددت وتبخرت محاولات الخروج بالبحرين من أجواء الاحتقان والتوتر والشحن الطائفي التي عاشتها في الفترة الأخيرة, وما أثارته من مخاوف علي استقرار هذه الدولة الخلجية التي اتسمت عبر التاريخ بوداعتها وشعبها المسالم, ولم يعد هناك مفر من التدخل بالقوة لإنهاء الانفلات الأمني الذي عاشته البحرين الاسبوع الماضي, وشهدت خلاله أحداثا لم تشهدها طوال تاريخها, وهددت السلم الأهلي, وانزلقت بالبلاد إلي شفا الحرب الأهلية وهو ما لم يكن من الممكن الصمت حياله خاصة بعد الضغوط الشعبية والمطالبات التي وصلت حد نشر الاعلانات بالصحف, مطالبة عاهل البحرين الملك حمد بن عيسي آل خليفة باستخدام صلاحياته الدستورية وفرض الأحكام العرفية لانقاذ البحرين من المجهول الذي بدا أنها تتجه إليه بقوة لا تعترضها كوابح. ورغم إن كثيرين في البحرين كانوا يترقبون بمزيج من الأمل والحذر ما ستسفر عنه المبادرة التي أطلقها ولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة, ببدء الحوار الوطني بين مختلف القوي السياسية لمناقشة كافة المطالب, ليس للمعارضة وحدها, وانما لمختلف القوي والتيارات الأخري, ورأوا أن هذه المبادرة ربما تمثل ضوءا في نهاية النفق المظلم الذي دخلت فيه البحرين منذ14 فبراير الماضي ببدء التظاهرات والاعتصامات, فإن اصرار المعارضة الشيعية علي التمسك برفض الحوار أو فرض الشروط المسبقة للدخول بهذا الحوار, عصفت بهذا الأمل ولم تجعل هناك بديلا لتدخل الدولة لاعادة الامن المفتقد إلي الشارع وحفظ النظام ومنع الاقتتال الداخلي الطائفي الذي يمكن أن يلتهم في طريقه الأخضر واليابس. كانت الساعات الاخيرة قبل اعلان عاهل البحرين حالة السلامة الوطنية, وهي الحالة التي تعني عدم الوصول إلي حالة الخطر التي تستدعي فرض الاحكام العرفية, بالغة الحساسية, وبادر ولي عهد البحرين إلي طرح مرتكزات الحوار الوطني والتي بلغت في سقفها ما دعا البعض إلي انتقادها لما قدمته بما وصفوه بتنازلات ربما لم يكن يحلم بها المعارضون أنفسهم, وتضمنت هذه المرتكزات مجلس نواب كامل الصلاحيات, وحكومة تعبر عن إرادة الشعب, وتوزيع عادل للدوائر الانتخابية, وفتح ملفي التجنيس والفساد, فضلا عن معالجة الاحتقان الطائفي, وبرغم ذلك, فقد رفضت المعارضة الدخول في الحوار وتمسكت بتشكيل مجلس تأسيسي واستقالة الحكومة, وهو ما رفضه تجمع الوحدة الوطنية, الذي يمثل السنة والمسيحيين واليهود والبهرة البحرينيين, وقال إن هذا المطلب يذهب بالبحرين إلي المجهول. ذلك ما حدث قبل الاعلان عن بدء وصول قوات درع الجزيرة الخليجية المشتركة التي تشارك فيها دول مجلس التعاون الخليجي الست إلي البحرين, وما أعقب ذلك من اعلان عاهل البحرين حالة السلامة الوطنية, بعد ان قطع المتظاهرون أحد أهم الطرق الرئيسية في البحرين, وهو شارع الملك فيصل السريع, واعتصموا أمام المرفأ المالي في وسط العاصمة المنامة, فضلا عن سيطرتهم علي مدي شهر كامل علي ميدان دوار اللؤلؤة, وما ترتب علي ذلك من شل الحركة في الميدان والمنطقة المحيطة به والتي تضم إحدي كبري الاسواق المركزية ومجمعات تجارية. وسبق ذلك ممارسات أثارت قلق الجميع بانتقال الاعتصامات والمصادمات إلي المدارس وجامعة البحرين, بل حتي مستشفي السلمانية الطبي, وهو أكبر مستشفي حكومي في البحرين, وقد نصب فيه المعتصمون والمتظاهرون الخيام, وهو ما دعا التيار السني إلي تشكيل لجان شعبية تولت حماية مداخل ومخارج المناطق التي يقطنها السنة وغيرهم من المقيمين في البحرين, وبدا أن الظلام شديد الحلكة يخيم علي سماء البحرين التي لم تشهد مثل هذه الاحداث من قبل. والمثير أن الجمعيات المعارضة وفي مقدمتها جمعية الوفاق الشيعية وعدة جمعيات صغيرة متحالفة معها,أعلنت في توقيت متزامن مع صدور المرسوم الملكي باعلان حالة السلامة الوطنية, أنها مع الحوار لكنها تطالب بخطاب رسمي من ولي العهد يتضمن المرتكزات التي أعلنها في بيان عبر تليفزيون البحرين ووسائل الاعلام, رغم أنها ظلت ترفض حتي اللحظات الاخيرة الدخول في الحوار. وكانت هذه الجمعيات المعارضة قد رفضت في البداية الدخول في الحوار, ثم عادت لتربط قبولها الحوار بشروط ومبادئ, رأي مراقبون أنها مستحيلة, وأنه لا يمكن لأي طرف أن يطرح شروطا قبل الجلوس إلي طاولة الحوار, لا سيما وأن هذه الجمعيات لا تحتكر الحديث باسم الشارع, لوجود مكون أخر وهو تجمع الوحدة الوطنية, وهو التجمع الذي تمكن من الخروج بمظاهرات حاشدة تجاوز المشاركون فيها300 ألف في المرة الاولي و350 الفا في الثانية. وقد حرص ولي العهد البحريني علي التأكيد في أكثر من مناسبة أنه لا حل للأزمة التي تشهدها البحرين حاليا إلا بالجلوس إلي طاولة الحوار, وقال إن البحرين لن ترجع إلي الوضع الذي كانت عليه, لان سنة الحياة هي التغيير, ونحن بحاجة ماسة جدا لان نبادر بهذا التغيير, وأن نسبق المشاعر والفلتان الذي يمكن أن يحدث إذا لم تجلس الأطراف وتتحاور مع بعضها. كما قال ولي العهد أنه لا يوجد سقف للحوار, وأن هذا السقف لا يأتي إلا بالتوافق بعيدا عن الشحن الطائفي, فلا يجوز لطرف واحد أن يحدد سقفا أو هدفا للحوار قبل أن يبدأ, وأن الالتزام بشجاعة التعبير عن الرأي, لا بد أن يقترن بحق المواطن الآخر في حريته والحفاظ علي مصالحه وعدم الإضرار بها, لأن الاستبداد والتسلط يؤديان لتفاقم المشكلات. وقد شكل الدعم الدولي الذي حظيت به مبادرة ولي العهد للتهدئة والحوار, عاملا حاسما آخر في حركة الشارع, الذي أنهي التجمع الحاشد في ساحة جامع الفاتح بالمنامة, كما ذكرنا, محاولات أي طرف لاحتكار التحدث باسم هذا الشارع, فهناك أطياف عديدة, وهناك اختلافات وانقسامات بين مختلف التيارات, وهو ما ينسف ما كانت تردده بعض تيارات المعارضة وخاصة المتشددة منها بأنها تمثل الشعب. وقد توافق الموقف الأمريكي وغيره من المواقف الدولية والإقليمية الأخري مع الموقف البحريني الرسمي من ضرورة التهدئة والدخول إلي الحوار دون شروط مسبقة, وهو ما عبر عنه مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشرق الأدني جيفري فيلتمان بقوله: أنه ليس من الطبيعي أن نبدأ حوارا بشروط, ولا أن نبدأ بالنتائج, ولكن نبدأ بالحوار لنصل إلي النتائج, وان أي حوار يجب أن يكون فيه تنازلات من جميع الأطراف حتي ينجح, ويحقق نتائج ايجابية, ومن غير المناسب أن تفرض أي جهة أو دولة أجنبية أي شروط لتحديد نتائج الحوار. وبرغم أن الأحداث التي تشهدها البحرين حاليا والتي بلغت ذروتها باعلان حالة السلامة الوطنية, قد أعادت قضية الإصلاحات والمطالب بالتعديلات الدستورية إلي بؤرة الاهتمام, فإن هذه القضية لم تكن غائبة في السنوات الماضية, لكنها لم تصل إلي مستوي الازمة الحالية, فالجمعيات السياسية المعارضة كانت ومازالت تطالب بتعديلات دستورية تسمح بتداول السلطة من خلال تشكيل الحكومة, وتقصر التشريع علي مجلس النواب المنتخب دون الشوري المعين ووقف ما يسمونه بالتجنيس السياسي. والدولة تؤكد في المقابل أن أية تعديلات يجب أن تتم في الإطار القانوني الذي حدده الدستور, ومن خلال القنوات الشرعية, وهي السلطة التشريعية ممثلة في مجلسي الشوري والنواب, وليس عن طريق المسيرات والمظاهرات, وتقول إن ميثاق العمل الوطني الذي أقره شعب البحرين بجميع طوائفه في عام2001 بشبه إجماع, وصلت نسبته إلي98.4%, يعد المرتكز الذي انطلقت منه كافة الاصلاحات في السنوات العشر الماضية. كما تؤكد الحكومة أنه لا صحة لادعاءات المعارضة بوجود تجنيس سياسي أو جلب عرب وأجانب من الخارج ومنحهم الجنسية, وتشير إلي أن كل من حصلوا علي الجنسية البحرينية, حصلوا عليها في الإطار القانوني, الذي يتيح التقدم للحصول علي الجنسية, للعربي الذي أقام إقامة دائمة في البحرين لمدة15 سنة متصلة, والأجنبي الذي أقام25 سنة متصلة لكن شريطة أن يجيد اللغة العربية, وتقول الحكومة إن لجنة التحقيق البرلمانية في قانونية التجنيس التي شكلها مجلس النواب في الفصل التشريعي الأول ببرلمان2002, لم تجد ما يشير أو يؤيد الادعاءات بالتجنيس السياسي. وقد أتاحت الإصلاحات التي شهدتها البحرين في السنوات العشر الماضية, عودة الحياة النيابية في عام2002, بعد تجميدها وحل أول مجلس منتخب عقب الاستقلال في عام1975 حيث لم يكمل أكثر من عامين منذ انتخابه في عام1973, كما حققت مصالحة وطنية, وتم الإفراج عن كل المعتقلين والسماح بعودة المبعدين في الخارج, وتولي أحد أبرز قادة المعارضة المقيمين في الخارج وهو د. مجيد العلوي, منصبا وزاريا حيث كان وزيرا للعمل قبل أن يتولي في التعديل الوزاري الأخير منصب وزير الإسكان. ورغم أن جمعية الوفاق الشيعية المعارضة حصدت أكبر عدد من المقاعد النيابية في الانتخابات التي أجريت العام الماضي2010, حيث فاز جميع مرشحيها بالمقاعد الثمانية عشر التي تنافسوا عليها, وشكلوا أكبر كتلة نيابية من بين40 عضوا, هم مجموع أعضاء مجلس النواب, ويمكنها طرح مطالبها والجمعيات المتحالفة معها تحت قبة البرلمان, فإنها كثيرا ما تلجأ إلي الشارع وتفسر السبب بإنها تتعرض في أحيان كثيرة لضغوط من الشارع وللحركات المنشقة عنها, التي ترفض المشاركة في الحياة النيابية وترفع سقف مطالباتها, ولعل هذا ما أسهم في تعليق نواب الوفاق عضويتهم في مجلس النواب, ثم تقديم طلب استقالتهم من المجلس, وهو الطلب الذي علق مجلس النواب البت فيه لمدة شهرين. وكما يري مراقبون, فإن تجاوز الأزمة الحالية لن يتحقق إلا إذا أدركت جميع الأطراف الفاعلة في المعادلة السياسية بالبحرين أهمية ترسيخ التهدئة وتجاوز ما حدث, واللجوء إلي الحوار الهادئ والعقلاني بمساندة الحكماء من الجانبين, للخروج بالبحرين وأهلها من حالة الاحتقان والاصطفاف الطائفي, والعبور بها من هذا النفق الذي رغم ظلامه الحالك, مازال يلوح في نهايته ضوء يبعث, مهما كان خافتا حاليا, الامل في مستقبل أفضل, وفي التفاف جميع البحرينيين حول هدف واحد تدفعهم إليه روح المواطنة وليس الطائفية, في بلد اتسع عبر التاريخ لكل الاعراق والديانات, ويمارس فيه الجميع شعائرهم بكل حرية وتسامح.