مصابون وقتلي هنا وهناك.. شباب غاضب وثائر من المسلمين والأقباط.. لافتات وزجاجات مولوتوف وحريق يشتعل في البيوت والنفوس.. الواقع المأساوي الآن ينبئ عن وقوف مصر علي أعتاب كارثة ومن لا يدرك ذلك لا يعرف خطورة الحدث. الأحداث تحكي صورا متشابهة من أطفيح إلي القاهرة, حيث زرائب منشية ناصر وأحداث صلاح سالم والقلعة وكذلك مايقال بتظاهر سلفيين في التحرير. لا أحد يفكر بهدوء.. ولا أحد يطبق تعاليم الأديان السمحة سواء المسيحية أو الإسلامية.. الكل يعترف بأخوة المسلمين والمسيحيين بل هناك تعايش حقيقي في القري والمدن.. لكن أحدا لايفهم لماذا يشتعل الموقف ولماذا ندفع جميعا بمصر إلي نفق الفتنة الطائفية الأسود الذي لايعلم مداه إلا الله. حقيقة ما حدث في منشية ناصر وعلي طريق صلاح سالم والسيدة عائشة وما يسمي بمنطقة الخطابة( الواقعة خلف القلعة) أن هناك متظاهرين بدأوا من أقباط منطقة زرائب منشية ناصر ينددون بحرق كنيسة أطفيح ويقولون أنها كانت سلمية وهذا حقهم لكن الأطراف الأخري وبعض قيادات القوات المسلحة يقولون إنهم خرجوا إلي الطريق العام وقطعوه محاولين استفزاز المارة, والنتيجة خروج آلاف الشباب بالمناطق المقابلة للرد علي المظاهرة وتبادلت الأطراف كل وسائل العنف من الزجاجات الحارقة حتي الرصاص الحي وسقط قتلي وجرحي ودمرت وحرقت بعض السيارات والمنازل ووقفت القوات المسلحة حائرة فالطوفان يأتي علي حسب قول مصدر محايد من كل مكان بداية من أعلي منطقة منشية ناصر وجبل المقطم من جهة الشرق ومن الغرب خلف القلعة ومن الجنوب والشمال أيضا.. لا أحد يفهم ماذا يحدث ولمصلحة من كل هذا الخراب... الذين نظموا المظاهرة يتهمون القوات المسلحة بعدم حمايتهم, والشباب المسيحي غاضب وثائر, والطرف الآخر غير معروف, فالبعض يقول بأنها تجمعات مسلمين غير منظمة والبعض يقول إن هناك مؤامرة كما يقول وجيه أنور المحامي من أبناء المنطقة ويتفق معه يوسف عبده أيضا مؤكدا أنه يشم رائحة ثورة مضادة وبلطجية يخربون في مصر.. ومن هذا المنطلق راح يحكي لنا أبناء زرائب المنشية عن علاقتهم بالمسلمين في هذه المنطقة حيث إن الأغلبية الكاسحة في المكان للمسيحيين الذين يتجاوز عددهم09% من سكان المنطقة المقدرين بعشرات الآلاف والمكان به ثلاثة مساجد وكنيسة كبري ومستشفي تابع للكنيسة.. الحاج محمد صلاح جلس مع صديق عمره شحاتة يلملمان معا أزيال الحسرة علي المصنع الذي احترق كاملا معبرين عن حزنهم وأسفهم لما تدخل عليه البلاد.. رددوا في كلمة واحدة انقذوا مصر.. تجمع من حولي الحاج محمد صلاح وموسي راتب وسمير كامل مرزوق وشحاتة أنور وغيرهم كثير, كل واحد منهم أخذني من يدي ليريني بيتا محترقا أو يضع في يدي مخلفات الرصاص الحي الذي اطلق علي المكان, هناك من يتكلمون عن عماد عايد وشقيقه اللذين احترقت سيارتهما ولم يعرف والدهما مصيرهما وغرفة الكهرباء التي تحيط بها النيران ولايستطيع رجال الانقاذ الدخول إلي المكان. الناس في منشية ناصر يتحدثون حول250 مصابا ومايقرب من15 قتيلا بينهم مسلمون مصابون وشاب مسلم سقط بين المسيحيين قتيلا وبرغم المأساة وعمق الجراح يتحدث محمود ومحمد حسين عن علاقتهما الوطيدة بالأقباط في المكان وكيف يعيشون معا منذ عشرات السنين ربما يكون هذا الكلام تقليديا ومتكررا لكنه حقيقي يحدث فعلا وقد رواه لي عم محمد علي الذي فقد ابنه في الاحداث وحاول اسعافه الجيران المسيحيين.. الصورة في زرائب منشية ناصر لاتختلف كثيرا عما شاهدناه في أطفيح فالمسلمون في قرية صول بمركز أطفيح حموا المسيحيين في ديارهم والعكس في الزرائب لكن الذي يفشل فيه كل الناس كما يقول سمير مرزوق وعامر عبد الستار إن الجميع يخطئ والفتنة تكبر والجروح تتسع ولا أحد يدرك حجم الكارثة.. الناس يتساءلون كيف السبيل للخروج من الأزمة.. لماذا لايتدخل الجيش بقوة لحماية كل مناطق الخطر وفرض قوته علي المكان. الأب سمعان يجلس في الكنيسة رافضا الحديث طالبا القصاص للشهداء وإعادة إعمار المصانع والبيوت المحترقة وحماية المسيحيين والمسلمين يقولون هناك ممارسات استفزازية من كل الأطراف. الحقيقة الذي تؤكدها الاحداث ان المواطنين الذين قابلناهم في كل مكان من الأقباط والمسلمين لايعرفون التطرف ويرغبون في التعايش لكن هناك بعض الأفراد من الطرفين يعملون علي تأجيج الفتنة واذكاء مشاعر الغضب والحكماء يتراجع دورهم. مايحدث في مصر هذه الأيام يدعونا إلي إعادة قراءة تاريخ الأزمات بين المسلمين والأقباط بدءا من الزاوية الحمراء إلي الكشح وأبو قرقاص ودير مواس ووادي النطرون.. كلها متشابهة اما مشاكل عاطفية أو تصرفات رعناء تدفع إلي تمزيق التماسك الاجتماعي للبلاد وعلي حسب الدراسة التي اعدها اللواء المرحوم الدكتور أحمد جلال عز الدين خبير الإرهاب والعنف حول هذه الأحداث فإن الشعب المصري يعتبر من الشعوب البسيطة التي تملك القدرة علي الاندماج في ملامح وجنس واحد وصفات خلقية واحدة, بل إنه شعب يعاني من نفس الأمراض المزمنة, ويعيش تقاليد متطابقة, كما ان عاداته في الأفراح والأحزان والموت والنجاح والزواج لاترتبط بديانات افراده بل هي واحدة, وإذا كان هناك اختلاف بين الناس في العقيدة الدينية فليست هناك حواجز وتصنيفات بين الناس. وفي دراسة أخري, للكاتب شعبان خليفة يفسر مايحدث الآن أن هناك اتفاقا علي أن مصر مستهدفة لكن صور وأشكال هذا الاستهداف تتغير وتتبدل من وقت إلي آخر حسب التطورات التي تحدث في الحياة وما كان يصلح في وقت سابق كأساليب الاستعمار في التخريب والإفساد لم يعد يصلح لذلك في القرن الحادي والعشرين ومن هنا تتغير وتتبدل الاساليب ولا احد ينتبه لذلك,, فالمصريون الذين نحجوا في طرد الهكسوس بالوحدة وفي مقاومة الاختلال علي مدي التاريخ بالوحدة أيضا يخطئون هذه المرة ويفشلون في مواجهة انفسهم والحفاظ علي التماسك بذات الوحدة, في ذات الوقت يعترفون جميعا مسلمين وأقباطا أن قيم المسيحية السمحة وتعاليم الإسلام العظيمة ترفض كل أشكال الشطط والخلاف الطائفي. وفي تعليقه علي الكارثة التي يقول المفكر المسيحي جمال أسعد عبدالملاك عضو مجلس الشعب السابق لابد أن نعترف أن المناخ قبل52 يناير في مصر كان مناخا طائفيا وتوترا دينيا حقيقيا وما بعد هذا التاريخ توارت الخلافات الثانوية ولكنها لم تنتهي, حيث لم تنته الأسباب الموضوعية, ثم عادت الأحداث مع حادثة أطفيح بقوة وبنفس المواصفات والمعالجات القديمة وانتهازا لروح الثورة خرج الأقباط في مظاهرات يعبرون عن مشاكلهم وهذا حق طبيعي لهم ثم جاء بيان القوات المسلحة الذي وضع حلا صحيحا لبدايات صحيحة بإعلانه بناء الكنيسة ومحاسبة المتورطين وأن لا أحدا فوق القانون.. وكان من الواحب هنا أن تفض هذه التظاهرات تماما, خاصة أن رجال الدين المسيحي كانوا قيادات لهذه المظاهرات, الشيء الذي صبغها باللون الطائفي.. ولذلك لعدم فضها ظهرت مظاهرة مناهضة أمام مجلس الوزراء تطالب بتسليم كاميليا شحاتة وهذا يعني أن الشكل الطائفي لمظاهرة الأقباط استفز الطرف الآخر مما دعاه لعمل مظاهرة مقابلة.. وخروج متظاهرين في منشية ناصر والسيدة عائشة فهذه مقدمة طبيعية لتطور الأحداث وسقوط قتلي, خاصة أننا نعيش في حالة انفلات أمني. ولا أخفي عليكم والكلام لجمال أسعد هذه فرصة ذهبية لأذناب النظام الفاسد والبلطجية المستفيدين من الانفلات الأمني للدخول علي الخط بدفع ومساعدة من المتآمرين لزعزعة النسيج المصري.. وهؤلاء استغلوا التناقضات القائمة والموجودة, مما يهدد ثورة52 يناير ويؤدي إلي اسقاطها. سألته: من المدان في هذا التصعيد الآن؟ أجابني: دعني أعترف أولا بأنه من حق كل مصري التعبير عن قضيته ولكن بالطريقة السياسية التي تتفق مع الروح الوطنية وروح ثورة يناير.. وهنا أنا أدين كل من أصر علي استمرار التظاهر بعد بيان القوات المسلحة وكل من ساعد في إخراج مظاهرة طائفية في مواجهة مظاهرة أخري.. وهم المتاجرون بالقضية الطائفية من المسلمين والمسيحيين الذين يبحثون عن زعامات وهمية علي حساب مصر.. وسوف تبور تجارتهم.. والحل في تقديري أن يتضافر الجميع بالمطالبة والعمل علي تأسيس الدولة الديمقراطية المدنية التي تعلي شئون المواطن وأطالب القوات المسلحة بالمعاقبة الفورية لكل من يدعوا إلي تجمعات تؤدي إلي الفتنة. أخيرا هل ننتبه قبل أن يحترق الأخضر واليابس ؟.