أسفرت الأحداث الأخيرة, التي وقعت في الإسكندرية, والتي اتخذت من بيوت العبادة هدفا للقتل والتدمير واختلطت فيها دماء القبطي بدماء المسلم عن إعلانها للعالم كله. أن مصر يتعايش علي ضفاف نيلها أصحاب الأديان السماوية تحت مظلة المواطنة كل آمن علي دينه وعقيدته. ولقد وقر في نفوس معظم الأقباط أن هذا الحدث الإجرامي لم تصنعه يد مسلمة بل يد آثمة لا تعرف من الدين شيئا, لقد رفض الخليفة عمر أن يصلي في كنيسة بيت المقدس في فلسطين خشية أن يحولها المسلمون إلي دور عبادة لهم, إننا نريد أن نبين ونوضح لإخواننا الأقباط أن الإسلام دين السلام والأمن والأمان ينبئ عن ذلك تاريخ عريق. إن الحضارة الإسلامية شيدت بيد المسلمين والأقباط وعلي سواعدهم قامت دولة المواطنة في مصر ولم يفرق رصاص الإنجليز سنة1919 بين مسلم وقبطي وانطلقت صيحات الجهاد من المسجد والكنيسة شعارهم مصر.. مصر. إن الشريعة التي يتعبد بها المسلمون تحرم عليهم قتل الأبرياء الآمنين الذين لم يقترفوا ذنبا ولا إثما. فلم يثور بعض إخواننا الأقباط قبل أن يتبينوا جلية الأمر وحقيقته والتي تشير الدلائل إلي براءة المسلمين منه.؟! إن الرسول صلي الله عليه وسلم حينما مرت جنازة وقف فقال له الصحابة رضوان الله عليهم إنها ليهودي فقال أوليست نفسا, إنه السمو الإنساني والرقي الذي يريد الرسول صلي الله عليه وسلم أن يعلمه للمسلمين في مجتمع المدينة. إن الذي يقف لجنازة رجل يخالفه في العقيدة لا يحض علي قتل الأبرياء. هذا هو الإسلام الذي يقول كتابه ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق. وعلينا أن نعلم أن الإسلام دين الأمن والأمان والسلم والسلام. إن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها ميتة لعن الله من أحياها. إن هذا الحدث الآثم أظهر لنا حقيقة واضحة وهي مدي تعايش المسلمين مع إخوانهم الأقباط في الملمات والأحداث. إن هناك جهات أجنبية يعز عليها أن تري مصر آمنة مستقرة تحت مظلة المواطنة فدبرت هذه المؤامرة الخسيسة لتحدث شرخا في جدار الوحدة الوطنية. منذ أن دخل الإسلام مصر لم تحدث حادثة كتلك لأن المسلم يفهم دينه الذي يحض علي السلم والسلام, فلنحذر القلة التي تلعب بالنار وتعكر صفو المواطنة التي أشرقت علي مصر منذ أن دخلها عمرو بن العاص وحتي يومنا هذا. إن المسلمين يجدون في دينهم القاسم المشترك بين الديانات كلها فهم يؤمنون بموسي وعيسي وهم يضمون إلي إيمانهم بهذين النبيين الكريمين إيمانا بمحمد صلي الله عليه وسلم. فالإسلام هو يهودية موسي ونصرانية عيسي معا وهدايات من قبلهم من الرسل الأكرمين جميعا قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسي وعيسي وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون( البقرة:136). إن المسلمين علي هذا النحو لا يمكن أن يفعلوا أمرا يخالف دينهم فمريم وعيسي في سويداء قلوبهم وكذلك أتباعهم من الأقباط إن الذي يؤذي قبطيا أو يتعرض لدور عبادته يكون مخالفا للقرآن والسنة. إن قضية المواطنة يجب أن تأتي في المقام الأول في إعلامنا في المؤسسات التعليمية التي تربي الناشئة علي القيم التي يجب أن تسود المجتمع لكن المؤسسة الإعلامية قد قصرت في تنمية الوعي بالمواطنة وأهميتها وأيضا المناهج التعليمية ليس فيها ما يحض علي المواطنة, الأمر الذي نتج عنه احتقان شديد لدي إخواننا الأقباط وهم معذورون في هذا لأنهم لم يجدوا في ثقافتهم الدينية ما يبين لهم أن الإسلام دين المواطنة والرحمة والأمن والأمان لكل من في المجتمع حينما تسود قيم الإسلام وتعاليمه السمحة في المجتمع, ومن أهم وأعظم وأجل هذه القيم قيمة الإخاء بين عنصري المجتمع, وأعتقد أن هناك جهات أجنبية تعمل علي تفتيت الوحدة الوطنية في مصر التي منذ دخلها الإسلام يتعايش فيها المسيحي مع المسلم ولو نظرنا بموضوعية إلي التاريخ الإسلامي القديم والمعاصر نجد أن إخواننا المسيحيين عاشوا في المجتمع الإسلامي مع إخوانهم المسلمين سواء بسواء وتقلدوا أهم المناصب السياسية فكانت الحقائب الوزارية لا تخلو منهم في القديم والحديث. * الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة