ماهي حقيقة القلق الاسرائيلي, بعد أحداث ثورة كل المصريين في25 يناير2011 ؟ تعبر عن هذا القلق أوصاف تخرج من هناك تتحدث عن هلع الاسرائيليين, وان حالة من عدم اليقين مما هو قادم, تسيطر عليهم. ونستطيع أن نلمس ذلك بصورة محددة, مما جاء علي لسان تسيبي مازل السفير الاسرائيلي السابق في القاهرة, نحن في مأزق كبير بعد نهاية عصر مبارك, وأمامنا الآن أزمة استراتيجية واسعة المدي. مع ذلك يجب ألا نغفل عن أن اسرائيل تحكمها ايديولوجية عدوانية, وهي جزء أصيل من بناء الدولة ومؤسساتها, وتفكير قادتها. والحقيقة ان اكثر ما يثير قلق الاسرائيليين, ليس الصراع العسكري, لكن ان تنتقل العلاقة العربية الاسرائيلية الي مرحلة صراع حضاري, وهو ما سيؤدي في تقديرهم الي انقلاب ميزان القوي لغير صالحهم. ويمكن قراءة هذا التوجس, في حسابات استراتيجية اسرائيلية منها علي سبيل المثال: سلسلة حوارات كان قد أجراها الكاتب الاسرائيلي ديفيد ماكوفسكي, عضو معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني( المرتبط بالايباك), مع إيهود باراك بعد فوزه رئيسا لحكومة اسرائيل عام9991, نقل فيها اطار تفكيره. وكان من أهم ما جاء فيه, ان ميزان القوي مع العرب لن يظل في صالح اسرائيل إلي الأبد بمعني ان هناك احتمالا في حدوث تطورات ستغيره. تفسيرات اكثر وضوحا لهذا المعني, جاءت في أوراق استراتيجية لخبراء, وفي أبحاث لمراكز مختصة بالدراسات الاستراتيجية في الجامعات الاسرائيلية, اتفقت علي ان تعديل ميزان القوي لصالح العرب, سوف يقع في حالتين: 1 ان تأخذ مصر والدول العربية بالديمقراطية, فكرا وتطبيقا. 2 ان تتحول مصر والدول العربية الي تطبيق مشروعات قومية لتنمية اقتصادية حقيقية, تنهض بالدولة وترتقي بالمواطن. .. وهذان التطوران سيحدثان اذا تم الانتقال من عصر أمن النظام, الذي يركز علي قوة أمن الدولة في الداخل, الي عصر الأمن القومي بمفهومه الصحيح, والذي تبني عليه سياسة خارجية, تعبر عن الشعب, وهويته, وكرامته, الوطنية, ومصالحه وطموحاته, وليس أمن النظام الذي يجعل السياسة الخارجية تنكفيء علي ذاتها, وتدور حول رأس النظام. ويلاحظ ان هذا التفكير الاسرائيلي, جاء بعد ان استقر في الفكر السياسي العالمي, مستخلصا من التجارب الحية للدول الصاعدة, ومن التحولات في النظام الدولي بعد زوال الاتحاد السوفييتي, ان القدرة الاقتصادية التنافسية بكل مكوناتها ( اقتصاد, وبحث علمي, وارتقاء بالبشر) قد صعدت الي قمة مكونات الأمن القومي للدولة, مقترنة بالديمقراطية. لهذا صدرت مقولات من شخصيات اسرائيلية بعد ثورة52 يناير, منها ما قاله البروفسورألون بن مائير استاذ العلاقات الدولة بجامعة نيويورك من أن استراتيجية المماطلة الاسرائيلية قد تحطمت, عند زوال عناصر استتباب ميزان القوي لصالح اسرائيل, وان علي اسرائيل ان تستعد الآن للتعامل مع منطقة تتغير. قول صحيفة هاآرتس أن الأحداث التي وقعت في مصر, تدعونا لإعادة النظر بسرعة في تفكيرنا الاستراتيجي, وان الثورة المصرية لم تقل كلمتها الأخيرة بعد, وسوف تطالب حكوماتها, بسياسة خارجية قوية. اتفاق مصادر أمنية اسرائيلية علي ان الشرق الأوسط, بما فيه اسرائيل, قد استيقظ علي عهد من عدم اليقين. ما كتبه المحلل العسكري رون بن يشاي: لا تعتقدوا ان مصر القديمة أيام مبارك, ستعود ثانية, وعليكم الاستعداد لمصر جديدة. ومن زاوية النظر الاسرائيلية للتغييرات التي يتوقعونها, فهي علي النحو التالي: (1) أن وضع مصر المحوري عربيا, سيحرك موجات من الاصلاح في المنطقة, وان ما حدث في مصر كان زلزالا, اجتاحت توابعه الشرق الأوسط كله. (2) احياء دور مصر الاقليمي, الذي كان قد تراجع, ليجذب من حوله دول المنطقة, ويستجيب لمطالب الشعوب, بإيجاد استراتيجية أمن قومي عربي, تحمي مصالح الدول وشعوبها, وتملأ الفراغ الاستراتيجي العربي, الذي كان مصدر اغراء لقوي اقليمية غير عربية, لاقتحام ساحة المصالح, الحيوية للعالم العربي, وادارة مصالحها الخاصة في داخلها, بينما العالم العربي أعزل من استراتيجية أمن قومي تحمي دولة وشعوبه. (3) ان اعجاب دول العالم بالثورة المصرية, وظهور شخصيات وزعامات دولية, في زيارات لميدان التحرير رمز الثورة والتغيير وعبارات الإشادة من زعماء العالم بمصر الجديدة, قد تقلب ميزان التعاطف مع اسرائيل, التي صورت نفسها في عيونهم علي انها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة, سوف يؤدي إلي تحول مواقف دول الغرب, نحو التشدد تجاه الاحتلال والتعنت الاسرائيليين في احلال السلام. مع ذلك ينبغي الحذر من سلوكيات الغريزة العدوانية لاسرائيل. فهي دولة مازالت تتحكم فيها اطماع طويلة الأجل في الأرض العربية, ولديها مخططات قديمة للتصرف تجاه أي مخاطر متوقعة من وجهة نظرها. ان اسرائيل الرسمية حرصت علي التزام الصمت الدبلوماسي تجاه ما يجري في مصر, إلا أن المعروف ان وضعا من الارتباك والقلق يسيطر علي المؤسسة الرسمية الاسرائيلية. مصدره الأساسي أن تنتقل حالة العلاقة العربية الاسرائيلية, إلي مرحلة الصراع الحضاري, إذا ما تحقق هدفا الديمقراطية, والتنمية الاقتصادية, ودفن مفهوم أمن النظام, لتبني علي اساسه استراتيجية أمن قومي لمصر. المزيد من مقالات عاطف الغمري