المكسب الأعظم لثورة25 يناير هو أنه أصبح باستطاعة الشعب المصري أن يختار من يحكمه من خلال صناديق الاقتراع. وفي رأيي أن أي تباطؤ في وضع هذا المكسب موضع التنفيذ يعرض البلاد للدخول في حالة من الفوضي ويتيح المجال لأصحاب المواقف المتطرفة. وانطلاقا من ذلك أري من الضروري فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية فور التصويت علي التعديلات الدستورية التي تضع قواعد جديدة وموضوعية لانتخاب رئيس الدولة. أما الذين يطالبون بإجراء انتخابات تشريعية لمجلسي الشعب والشوري قبل انتخاب رئيس للجمهورية والذين يطالبون بالتحول الفوري إلي نظام برلماني فهم فيما يبدو لا يعرفون عما يتكلمون. فالنظام البرلماني يقوم علي وجود أحزاب جماهيرية لها جذور في الشارع السياسي ولها برامج سياسية واقتصادية واجتماعية ورؤية لهوية البلاد ومستقبلها المنظور. وإذا جارينا هؤلاء في رأيهم وقمنا بفتح باب الترشيح لمجلس الشعب فعلي أي أساس سوف يختار الناخب مرشحيه؟ هل يعرف أحد بدقة ما هو برنامج حزب الوفد أو التجمع أو الغد أو غيرهم؟ ناهيك عن الحزب الوطني الذي كان برنامجه الوحيد هو الإذعان للسلطة والقيام بدور الخادم لصاحب السلطان. هل يعرف أحد بدقة ما هي رؤية هذه الأحزاب لمستقبل مصر وهل لديها خطة تنمية أو خطة للنهوض بالتعليم والثقافة والاقتصاد والبحث العلمي؟ هل يعرف الشعب قيادات هذه الأحزاب أو الشخصيات البارزة بها؟ لقد أغلقت الحياة السياسية في مصر بالضبة والمفتاح منذ نحو ستين عاما, وبالتالي فليس لدينا رجال سياسة ولا أحزاب بالمعني الحقيقي للكلمة حيث كان هناك حزب حاكم يعتمد علي شخص رئيس الجمهورية لبسط سيطرته وتزوير الانتخابات وكانت هناك أحزاب مخترقة من النظام ومن مباحث أمن الدولة ولا تملك حرية الحركة وكان لدينا وزراء ومسئولون يختارهم رئيس الدولة وليس للشعب أية علاقة بهم مما يجعل منهم رجال سلطة وليس رجال سياسة. المطمئن أن هناك في الأحزاب الموجودة حاليا كفاءات وخبرات كبيرة لكن هذه الأحزاب في حاجة إلي فسحة من الوقت لبناء هياكل حقيقية ووضع تصور وبرنامج انتخابي يتم علي أساسه المفاضلة فيما بينها. كما أنها في حاجة إلي الوصول لأكبر عدد من الناخبين في محاولة لإقناعهم بالتصويت لصالحهم حيث لم تعد صناديق الاقتراع تملأ سرا من قبل أذناب الحزب الوطني ومخبري مباحث أمن الدولة. أما أن نقفز في الفضاء المجهول ونبدأ بالانتخابات التشريعية فإننا نضرب الثورة العظيمة في مقتل ونؤجل العملية الديمقراطية لسنوات طويلة. ونحن بذلك نفتح الباب لنفس الممارسات السابقة. فالناخب سيختار بناء علي ضغوط تمارس عليه أو عصبيات وتضامنات أسرية وقبائليةب وستعود ممارسات البلطجية وعمليات شراء الأصوات. وفوق كل هذا سيكون أحد أهم معايير الاختيار هي الشعارات البراقة التي سوف يفجرها البعض, وعلي رأسها الشعارات الدينية نظرا لأن الشعب المصري مؤمن بطبعه وينجذب لمن يحدثه عن الدين حتي وإن كانت أغراضه لا علاقة لها بالإسلام. وقد دق الإعلام الموجه بالمطارق فوق رؤوسنا منذ أربعين عاما من خلال الشيوخ لإقناعنا بأهمية الدين في حياتنا وهي أهمية مؤكدة وتعترف بها الغالبية العظمي من المصريين. لكن المشكلة أن نسبة كبيرة من الشعب اقتنعت بضرورة سيطرة الدين علي السياسة وهو أمر مارسته كل الدول خلال العصور الماضية وتعداه الزمن بعد ظهور مباديء وأفكار الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتوازن بين السلطات والحياة البرلمانية. وليس غريبا أن كافة دول العالم باستثناء العالم العربي الإسلامي أصبح يلتزم بهذه القيم والمباديء فقطع شوطا ملموسا في التطور والرقي. أما في بلادنا فمازلنا نرزح تحت وطأة التخلف ولولا أموال البترول والغاز الطبيعي لكان حال الدول العربية يرثي له. وبالتالي فإذا فتحنا باب الانتخابات التشريعية الآن قبل أن تستعد لها الأحزاب السياسية وتنجح في التوغل في نسيج المجتمع, ويكون لها وجود علي أرض الواقع السياسي فإن الفائز الأكبر سيكون تيار الإخوان المسلمين. وطبقا للتكهنات فإن التيار الديني سيحصل ما بين30 و35% من الأصوات. لكنه لا يمكن استبعاد أية مفاجآت إذا تسرعنا في إجراء الانتخابات قبل أن تكون هناك ولو نواة لحياة سياسية في مصر. أما إذا تروينا وأعطينا الفرصة لكافة الأحزاب والقوي السياسية لخوض الانتخابات ثم ينجح بعد ذلك التيار الديني فستكون هذه إرادة الشعب الواعية, وعلي الجميع أن ينحني احتراما لها خاصة إذا نجح التيار الديني في مراجعة مواقفه كما فعل الاتجاه الديني في تركيا. وإذا كان الكل متفقا علي أنه من غير المفيد ترك الأمور علي ما هي عليه, وأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة نفسه يريد العودة إلي الثكنات فإن الحل هو انتخاب رئيس للجمهورية خلال الأشهر الخمسة القادمة لعودة الاستقرار وبدء عمليات البناء السياسي. وهذا الانتخاب سوف يحدث تغييرا ضخما لدي الشعب المصري حيث ستكون المرة الأولي التي يختار فيها الشعب من يحكمه منذ بدء قيام الدولة في عصر الفراعنة. بل إن مجرد البدء في الحملة الانتخابية والتي من الممكن أن تبدأ خلال أسبوعين سوف يعطي دفعة تنشيطية للمجتمع المصري ويؤدي إلي تغيير المعنويات والمناخ والسلوكيات, ويضع الثورة علي طريق جديد. وفي تقديري أن الرئيس القادم أيا كان لن يجرؤ علي الخروج علي الإجماع وعلي إغضاب الجماهير لأن الشعب المصري رفع رأسه ولن يخفضها أبدا بعد الآن وتعلم أن يقول( لا) وأن يفرض إرادته علي حكامه. فلا خوف إذ أن يأتي دكتاتور جديد خلال الحقبة القادمة. وليس معني هذا أن ننام علي آذاننا ونطمئن لأن الديمقراطية ليست وضعا مكتسبا إلي الأبد, لكنها حالة سياسية يجب الحفاظ عليها من خلال الممارسة والجهد المستمر. ولا شك عندي أن فتح باب الترشيح للرئاسة سيخلق مناخا جديدا لم تعرفه مصر منذ ستين عاما. فالمنافسة بين المرشحين والمناقشات العامة لبرامجهم الانتخابية والحوارات الإعلامية والميدانية التي سيخوضها المرشحون سوف يتمخض عنها ديناميكية من شأنها أن تفعل مكتسبات الثورة بأساليب ملموسة. وسوف ينتج عن المناخ الانتخابي حالة من الوعي السياسي التي افتقدتها كل الأجيال السابقة باستثناء من عاشوا قبل ثورة25 يناير. الشعب المصري خاصة الشباب متعطش لممارسة حقوقه الأساسية, وعلي رأسها حقه في اختيار من يحكمه من خلال صناديق الاقتراع. وكل تأخير به ضرر علي مستقبل مصر بعد الثورة. المزيد من مقالات شريف الشوباشي