أمام عبد الرحمن الأبنودي تسقط كل المفردات, وتصبح الكلمات بليدة وعاجزة, فمن يملك توصيفا لهذا الرجل الشامخ, الصلب, الفنان, الشاعر, المؤرخ لحياة البسطاء وعمال السد العالي. الاسطورة التي صنعت عالم الفلكور الشعبي وأدخلت الزناتي خليفة إلي عالمنا, الأبنودي عنوان البهجة في أغاني الفرحة والشجن في أمسيات الحزن والأسي, تاريخ يمتد من عبد الناصر وحراجي القط إلي شباب ثورة التحرير, كان معهم مشاركا بالقلب والروح التي ستظل متقدة ونابضة مهما حاولت الأمراض ان تتسلل إلي الجسد, هو خال المثقفين المصريين الذين منحوه هذا اللقب جيلا وراء جيل, كان شاهدا علي المجد القومي مع ثورة يوليو وتجرع مرارة النكسة وارتوي بفرحة انتصار أكتوبر وسقانا جميعا شهدا مصفي بكلماته واغانيه, والله عشت وشفت يا عبد الرحمان, والآن كيف يرانا الخال الأبنودي ؟ كيف ينظر إلي ثورة25 يناير.. سألناه فأجاب بكرم معهود في هذا الحوار: كيف تري الحركة الثقافيه بعد ثورة25 يناير ؟ بصوته الحنون ورصانته أجاب.. أولا قبل أن نحل مشكلات الحركة الثقافية بعد الثورة علينا أن نتصدي للمشكلات المتعلقه بهذه الثورة نفسها, لأنها مكبله من عدة جهات وواقعه تحت ضغوط وكأنها سمكه نهر تسبح في مياه البحر بكل ما في ذلك من غرابه وعدم موائمه طبيعية فليس من المعقول التحدث عن ثقافة تتحقق داخل نظام الدوله القديم نفسه الذي جلب علينا الويلات وعاد بمصر عقودا وعقود الي الوراء, أي أن الثورة هي مجموعة أفكار تتحقق برجالها وليس باعدائها فهناك أفكار تقدميه, سلفيه, وطنيه ورومانسيه ولكل منها قواتها ورجالها ولا يمكن أن ينخرط الجميع في سياق واحد إلا بالحوار والعمل المشترك ما رأيك في وزير ثقافة الحكومة الانتقاليه ؟ ليست القضيه في شخص بعينه مؤهلا او غير مؤهل فنحن بهذا الشكل نقلل من قيمه القضيه ونضعفها, ولابد من نظرة أوسع وأعم للنوايا التي تحكم الآن والاجهزة التي تدير, والحركة الثقافية بقدر ما هي فاعله هي ايضا مرآة تستقبل حقيقة الصورة وهي لا تخفي علي أحد فما بالك بالمثقفين ووزارة الثقافة ليست هي مقر الثورة, اما الثقافة هي أمر أشمل من وزارة الثقافة, فماذا يفيدنا اذا ما جئنا بمثقف جيد يعكس كل طموحاتنا واشواقنا لغد جميل بينما يقف ضده كل من حوله من الوزراء والمدراء وعناصر الادارة والمناخ العام, فالقضية لابد أن تتجاوز الخلاف علي وزير الثقافة ولابد من الانتباه الي الهوة الضخمة التي ثغرت فاها فجأه بعد ثورة25 يناير ولم تجد من يملأها, ولا يعني ذلك اننا سعداء بوزير البترول مثلا أو الصحة وغيرهما, الأمر كله يسوده الاضطراب ن ومازالت الفردية والتآمر الخاص يعبث بمقدرات هذه الثورة ويجب أن نتنبه لذلك علي نحو أفضل مما نحن عليه الآن كيف مرت عليك أيام الثورة منذ25 وحتي جمعه الرحيل واسقاط النظام ؟ بحه أسي أطلت من صوته وهو يقول ا يا سيدتي أنا لي أكثر من عامين أقيم في قريه علي أطراف مدينه الاسماعيلية قسرا, بسبب عله في الرئه تحرمني من مغادرة المكان الذي أقيم فيه جبرا بأوامر من أطبائي, ومع ذلك لم يحرمني مرضي من تفقد ومتابعه كل الأحداث من أو لحظة, وربما كانت قصيدتي ا الميدان ا من أكثر الأقوال المعبرة التي صدرت احتفاءا بثورة يناير, وقد كتبتها في الايام الأولي للثورة لم أنتظر رحيل من رحل وسجن من سجن في تقديرك وتوقعك من تراه مناسبا لرئاسه الجمهورية في المرحلة القادمة ؟ بخفه ظله المعهودة أجاب.. أمي اذا كانت عايشه لعلنا نهرب بمليارات كهذه وبعد ضحكات طويله تبادلنها معا انتقلت بحة صوته الي الجد مرة أخري قائلا.. لا زلنا للأسف نفكر بنفس الطريقة الفرعونية التي تبحث عن ملك وتظل تنفخ به ليصبح الها فيحكم ويسيطر ويستبد كيفما يشاء, وعندما نتذوق مرار الذل ندعو الله ان يخلصنا منه, لنحتفي بمن بعده ونعانيه ايضا, ولكننا الآن نحتاج الي صيغه مخالفة عما مارسناه من قبل والبحث عن رئاسه جماعيه وعن اتجاهات متباينه في جهاز الحكم ولا نريد أن نظلم فئه لصالح أخري, نريد اعادة احياء مصر وليس ترميمها, فرئيس الجمهورية القادم لابد أن يكون عصارة قلوبنا وضمائرنا وخوفنا علي المستقبل ماذا تقصد بالرئاسه الجماعية ؟ بالطبع لا أقصد اعادة فكرة مجلس قيادة الثورة لأنه في النهاية ايضا سوف ينفرد أحدهم بالسلطة كما حدث من قبل, فكرة الجماعية أعني بها التكاتف دوما كما حدث في ثورة الشباب وحققوا النصر بترابطهم ليس في الكم وانما في الفكر اولا, ولا ندع التفاهات الفكرية تسوقنا الي الهاوية شأن صورة سالي التي يحاولون نزع روعه استشهادها منها برفع صورة لها وهي محجبه يا سلااااااام, هذا ما نخشاه من تلك التفريعات الفكريه وقيسي عليه ما شئت من هذه الأمور التي تسلب المؤمن أهم حقوقه وكأن الجنه قد هانت ليستولي أي من كان علي تذاكرها في رأيك ما هي أسس اعادة بناء مصر ؟ أولا نحن مدينون بحل مشاكل نهر النيل حلا جذريا, وثانيا كل ما يتعلق بالطاقة الذرية, وأمور الزراعة المنهكة المتهالكة فقد كادت الآراضي أن تأكل نفسها من القضايا الهامة ايضا بيع القطاع العام ونهب ثورة مصر فماذا سيجد القادمون اذا كان اللصوص الشريهون قد استولوا علي الأخضر واليابس, ثم يجب أن يحيا القادمون حياه جادة ولا ندمر أجيالنا بالاعلام الحقير السخيف, ولابد من التنبه الي المخططات الصهيونيه التي تحاول العبث في تراثنا المصري العربي وفي شخصيتنا التي كادت تذوب والتي يأسنا من العثور عليها لولا ثورة25 يناير بعد نجاح الثورة ظهرت بعض العناصر لتسرق عبيرها فكيف نحفظ لها كيانها وعناصرها ؟ بلهجة مطمئنه أجاب.. لدي احساس عميق بأنه مهما حاولت بعض القوي سرقه الثورة الا أن الوضع سيفرض نفسه وسرعان ما يتم التكاتف بالمحبه وليس بالاجبار لنضع نصب أعيننا ضمير الوطن وحده ومصلحته لكي لا نسمح لأحد بالتلاعب معنا في الظلام ونعمل سويا تحت شمس واضحة رغبه في رفعه مصر واذا لم يحدث ذلك( فكأنك يا ابو زيت ما غزيت) هل لديك تخوفات من انفراد فصيل بعينه علي السلطة ؟ بالطبع لدي هذه التخوفات لأن أي فصيل سياسي سوف يخلق التناقضات والصدامات بينه وبين الفصائل الأخري, وهو ما يجعل مصر تنحدر بأقصي سرعم من أعلي قمه جبل وتدخل في صراعات لا حدود لها تقضي علي البقيه الباقية من الوطن, كما أخشي من عودة فصيل الجهاد القديم ولصوص الماضي, أما فكرة الديمقراطية في حد ذاتها لا تزعجني بل أنها تحتاج الي وقت طويل فهي الحل الوحيد للمجتمع الذي نحيا به الآن والذي لم يتذوق الديمقراطيه يوما الي أي حزب سوف تنتمي بعد طول انفصالك عن الاحزاب ؟ أحلم كثيرا بتأسيس حزب ثورة25 يناير الذي يضم أكبر قدر ممكن من قوي الثورة والمتحالفين معها, ورغم أني لا أقوي علي ممارسة دور عملي الا أني أحلم بتأسيسه من أجل الاجيال القادمة لتوعيتهم بحقوقهم, و التطوير الفكري والثقافي, ومواصلة حب مصر والعمل لصالحها.