«أباي ماكنت شقي وعفريت من دون كل الولادات، كنت مخالف برّاوي.. وكنت مخبي في عينيك السحراوي تمللي حاجات، زي الحداية.. تخوي ع الحاجة وتطير.. من صغرك بضوافر واعرة.. ومناقير بس ما كنتش كداب». هكذا وصفت «يامنة» بمنتهي البراءة والعفوية ابن أخيها «رمان» كما كانت تناديه أو كما نعرفه نحن بعبدالرحمن الأبنودي، وسجل هو ما وصفته به في إحدي زياراته لها بقريتهما القباعة في عمق الصعيد «أبنود» بمحافظة قنا في قصيدة «يامنة» لتظل عمته واسمها خالدين في الشعر العربي إلي الأبد. ولتخلد القصيدة وشاعرها في وجدان الجماهير التي أخلص لها والتصق بها وبذائقتها فعبر عن أحزانها وانكساراتها وأفراحها وانتصاراتها ليصبح من الشعراء القليلين الذين سطر الناس أسماءهم في قلوبهم. عبدالرحمن الأبنودي الذي أجري جراحة بالقلب مؤخرًِا لتركيب «أربع دعامات» بالشرايين حيث تبين أن شرايين الشاعر الكبير تعاني انسدادًا وصل إلي مرحلة متأخرة، مما ترتب عليه إجراء هذه الجراحة علي وجه السرعة. الأبنودي شاعر استثنائي بكل ما في الكلمة من معني، فرغم أن كلماته مغرقة في محليتها والتي لا يتقنها كثيرون فإنها لاقت ومازالت قبولاً جماهيريًا كبيرًا في أنحاء الوطن العربي، حيث المعني العميق سبق المفردة التي تسبق موسيقاها المعني. للأبنودي طلة وأداء بالغي الروعة ينتشي لهما كل من يشاهده مستمتعًا بالاستماع إليه، استطاع الأبنودي أن ينقل تفاصيل الحياة في صعيد مصر بكلمات بسطية إلا أنها بالغة العمق والدلالة، كما أنه جسد عبر قصائده بسطاء قريته والمطحونين فيها والشقيانين سعيًا لطلب القوت ليحولهم أبطالاً - إن لم يكونوا كذلك - في ذاكرة الشعر العربي وجماهيره، فمن منا لا يذكر «حراجي القط» أو «أحمد سماعين» وغيرهما من أبطال قصائد عبدالرحمن الأبنودي الذي جاء في حقبة ثرية من تاريخ مصر، محملة بتحديات مرحلة بناء السد العالي وتأميم القناة، وعبّر عن المشروع الوطني بكلمات عن الناس البسطاء وأحلامهم وآمالهم العريضة في مزيد من الانفتاح علي الحرية والمساواة وسيادة منطق القانون، فبعد ديوانه الأول «عن الأرض والعيال» الذي صدر في الستينيات، توالت أشعاره لينقل الأغنية المصرية من حال لآخر أفضل وأكثر روعة. فكانت أغنية «عدوية» التي كتبها ولحنها بليغ حمدي وغناها محمد رشدي، تمثل الانقلاب الجارف الذي دشّن مرحلة مختلفة وجديدة تمامًا في نهر الأغنية وانتقالها من عالم الدموع والبكاء إلي كلمات الثقة في المحُب، لتبدأ رحلته مع الشعر والأغنية معًا ليعبر عن موجة انتصار الشعر العامي وليصبح واحدًا من أهم الشعراء في مصر والوطن العربي.