وفضلنا صايمين عن الشَّكَل لحد ما جه يوم الجلسة، وبالصدفة اللي زي القندلة (75) كان القاضي اللي حكم لي بالبراءة أول مرة، هو الريس بتاع المحكمة. ساعتها يا خِلَّي (76).. قلت: يا داهية دقي، والله لازم محبوس، محبوس. شوية ونده لاعوق (77) المحكمة، اسمي واسم «بلحة». وقفنا في القفص، بص لي القاضي وهرش في رأسه، وقال لي: - مش أنت برْدُه، (78) اللي كنت قدامي من قيمة كام يوم متهم في قضية خناق وضرب. قلت له: -ايوه يا جناب سعادة البيه. ربنا يخليك. لكن الحكاية دي زور. قال لي: -ادعاء زور إيه يا واد البعيد (79)، مادام الغفير والعسكر شاهدين علي أنك أنت و«بلحة» ضاربين، وفيه شهود كمان شاهدين عليكم من الحتة (80)؟ قلت: يا حضرة جناب البيه. الغفير والعسكر واكلين. (81). أما الشهود دول، قاعدين تمللي للشهادة الزور، بقي بزمتك (82) يخش عقلك الكبير ده، إن احنا اللي ضاربين، نكته (83) بقي يا سعادة البيه، إتنين يضربوا خمسين؟!. عجايب. دول يا عم كانوا أكلوهم أكل. وعلي فرض اننا أحنا اللي ضربناهم كلهم، بقي ما كانشي فيهم واد جدع يعشق النبي وضرب واحد منا وخلاَّ فيه أثر للضرب يثبت أنه حصل خناء. (84) ولكن الحمد لله، ساعة العسكر ما قبضت علي أنا «وبلحه» طاوعناهم، لأننا عارفين أن القضاء عادل. وعلي كل حال المسألة في ايدك، والأمر أمرك. قلت الكلام ده ورحت ساكت، فبص لي القاضي وقال لي: - طيب اتركن نده «بلحه» وقال له: - وأنت يا «بلحة» رد «بلحة» وقال له - إنما بزعيق: هيه إيه الحكاية يا سعادة البيه؟. بقي بمجرد ما يدِّعي فلان علي فلان، إنه ضربه تسبت(85) عليه التهمة. قال له: - تسبت التهمة. بشهادة الشهود. رد «بلحة» وقال: - شهود إيه يا سعادة البيه.. دول مقاطيع سبح (86). وريني مين فيهم له صنعة. ولا مين فيهم بيجيب قرشه بعرق جبينه. قال كده وراح مخبَّط علي الحاجز بتاع القفص خبطة لاكين (87) مُكن (88) وقال: - وعلي ذالوك (89) أنا طالب التأجيل لحين التحري عن الشهود دول، فإن كانوا ناس لهم مقام وصفه أنا من غير تحقيق ولا تدقيق، مستعد للحبس سبع سنين بالأشغال الشاقة. قال له القاضي: - طيب.. وإيه رأيك في شهادة العسكر والغفير؟ رد «بلحة» وقال له إنما بشكل بَسْتَفَه (90) - يعني العسكري والغفير دول شهادتهم أُنزلت (91) فقال له القاضي: - وتقول إيه إنهم قبضوا عليكم وأنتم جوّا الفرح. قال له «بلحة»: - أيوه يا سعادة البيه... دا صحيح.. لأن «الصُّرفي» صاحبنا. ولا حناش واخدين منه خوانة. جه علي «قهوة البيومي» وعزمنا. وفي يومها رحنا بنيه سليمة. ويادوب دخلنا. وأعدنا شوية إلا والضرب دار. الله. والبوليس كبس، ومسكونا إحنا الاتنين بس، بقا ما فيش حد كان موجود غيرنا؟. أيوه كانوا يصلحوا الحكاية شوية. ويمسكوا لهم تلاتة أربعة كمان ولكن المسألة يا سعادة البيه مِدَّبرة (92) وأنت سيد العارفين وعلي كلاَّ (93).. سلمت الأمر لله ولك. زي ما تحكم عليه ماشي. فما كان من القاضي، إلا أن قال: الحكم بعد المداولة. قعدنا في القفص تحرسنا أربع ألواح ميري (94). ونده القاضي علي كام قضية كَعْبلهم (95) وكله بعد المداولة. وبعد ما انتهي. راح داخل هو وصاحبنا بتاع النيابة وسابوا الكاتب يرّن (96) وبعد ما شربوا القهوة وهما جوه، اتفتح الباب بتاع الوسط وراح مزعق لاعوق المحكمة وقال: - محكمة. الباب اتفتح. وراحوا داخلين بسلامتهم وقاعدين مطرح (97) ما كانوا. وصاحبنا القاضي مسك ورقة في إيده، وراح ناده علي كل أصحاب القضايا، وهو عمَال يقول: «تلات أشهر» «خمس أشهر». «سبع أشهر». «سنتين» (98) قلت: نصيبتنا (99) سودة. شوية وراح ناده اسمي، واسم «بلحة». وحكمت المحكمة علي كل واحد من الاتنين بالحبس شهر مع الشغل. والمصاريف قال علي جناب الحكومة (100) غمزت «بلحة»، وقلت له: - ينصر دينك يا «بلحة». قال لي: - ديهده (101) يا عم.. هية الفتونة بلاش.. دا الحبس للجدعان. الغرض دخلنا علي أودة التنفيذ يحرسنا بسلامته عسكري ومعاه «صورة الحكم» (102) وأخيرًا رحلونا علي «سجن أرميدان» (103). دخلت السجن أنا والواد «بلحة». وعنها راحوا مقلَّعينا هدومنا ووزنونا علي الطورناطة (104) تقلشي (105) إحنا خرفان، أو إذا نقص وزننا نحاسبهم علي فرق الميزان. بعد كدا جابولنا الأوسطي المزين. حلق لنا شعرنا خلانا جَلْط (106). وجه الحكيم (107) كشف علينا. ودخلونا الحمام تقولشي جوازة. وسلموا لكل واحد منا قميص ولباس خيش بلدي. وحطوا (108) لكل واحد منا نمرة علي صدره. وقعَّدوا كل اتنين من إيراد اليوم (109) في زنزانة. وصادف أن «بلحة» راح مع واحد غيري. وجه زميلي واد بأْف (110) ابن كلب رزل (111). قعدت أنا وهوه سُكُمَاً بُكْمًا (112). وجابوا لكل واحد منا رغيف عيش لونه زي الأرض وطورتين (113) فول مدمس، فوقهم ولا أربعين سوسة، وخمسة وعشرين زلطه. بصيت للأكل المؤرف (114) ده وحبيت أضرب عن الأكل. ولكن الجوع كافر. نهايته، أكلتهم وأنا مغمض. وفي تاني يوم جاني واحد سجان بأْف. وقال في عقل باله آدي مسجون جديد تنبْح (115) استبلخه (116) واتأنصل عليه (117). عنها وراح خابطني رزّة (118) علي قفايه وقال: - أنت يا وله يا مجرم. قلت له: - بتقول إيه يا ابن اللبوه؟ (119) يا جَلَنْف (120). قال لي: - أنا ابن لبوة يا بن الفرطوس (121). رحت مناوله كف لكن دُبْل. راح راقعني كف تاني. رحت مناوله 15 كف زيه، راح مزّعق. جات السجانة علي زعيقه، وجروني علي أودة (122) المأمور دخلت عليه هوِّشته (123) وقلت له: - هَوه بقي فيه عدل، هوه بقي فيه آنون (124) هو القاضي لما حكم علي بالحبس قال: شهر مع الشغل والإهانة؟ أبدًا ما قلشي كده. فما كان من حضرة المأمور إلا أنه قام وراح ناتشني (125) حتة شلَّوت (126) حبيت أناوله أخوه، بّس يا خسارة كنت حافي ومجرم زي ما بيقولوا قلت له: - بقي أنت كمان يا حضرة المأمور، ياللي مترَّبي بتعمل زي الجَلَنْفات، دول. قال لي: - حقيقي إنك واد ابن كلب مجرم. قلت له: - وأنت الصادق يا سعادة البيه.. يصح برضو لأنك مانلتش الوظيفة ديه إلا بالقباحة (127). فقال المأمور للكاتب: - ناولني دفتر المحاضر. والله يابن البعيد الكلب لأسجنك وأوديك الانفرادي (128). مسك الدفتر، وفضل يكتب. ويزوم ويكتب. ومحسوبكم واقف قدامه لا هو عارف السمام العام (129) بعد ما شفت (130) المحضر بعتني (131) علي الزنزانة. وأمر أني أقعد فيها لوحدي: يعني حبس انفرادي، آكل عيش ومية. وقعدت علي هاذوها (132) الحالة زي خمستاشر يوم، منهم سبعة علي المية والعيش (133) والباقي بالفول والسوس. ولكن من غير شغل (134). لحد يوم أبص وألقي المأمور طالبني أروح جلسة التهمة الزور. أخدني واحد عسكري وفي إيدي الكَلَبْش (135) طبعاً. وتَنّتْنا ماشين لحد «القلعة». أخذنا الترمواي وعلي المحافظة (136). دخلنا علي أودة المحكمة. قعدت مع المتهمين، لحدّ ماندَه الحاجب اسمي. وقفت جوَّا القفص، وبصيت للقاضي لقيته جدع حليوة، عمره يجيي عشرين سنة، يعني من دوري (137). بص لي وقال لي: اسمك. - فلان. وعمرك كام.والسين؟ والجيم، اللي أنتم عارفينها. ودخلنا في الجد، قال لي: - أنت ليه يا وِلْد البعيد بتضرب السجان، وتهين المأمور؟ قلت له: - أبدًا يا سعادة البيه، لا ضرب حصل ولا إهانة، وغايته أن السجان من دول عاوز المسجون يعبده، ويقرّ إن مافيش إلا غيره، والمأمور مساعدهم علي كده، وراخر (138) أسخم منهم، وأنا حعاديهم علي إيه، مش بزيادة ذل السجن. قال لي: - يعني بقي ما حصلش منك لا ضرب ولا إهانة ولا عدم اتباع القوانين. قلت: - يا خبر أسود هَّي القضية يا جناب البيه، ولْدت قضية اسمها عدم اتباع القوانين. أقول لك يا سعادة البيه.. أنا دماغي بتوجعني.. ومادام العبارة ظلم في ظلم: ضربت وأهنت وخالفت وعملت كل حاجة في الدنيا.. دانتوا كفرتونا يا عالم.. هو حياخد الروح إلا اللي خلقها. وطبيت ساكت. فضل صاحبنا القاضي يكلم اللي علي شماله شوية. واللي علي يمينه شوية (139).. وكان كل دقيقة يطلع علية زُغَيرة (140) من جيبه معرفش فيها إيه، وافتكر إنه صاحب كيف، لأنه كان ياخد منها ويحط في بُقّه (141). وبعدها قال: - حكمت المحكمة علي المتهم فلان بالحبس تلات أشهر مع الشغل والمصاريف علي جناب (142) الحكومة برده بصيت (143) له بصة بنت كلب (144) وقلت له: - حقيقي.. يحق لك يا سعادة البيه تحكم بأكثر من كده، لأن الحق مش عليك، الحق علي المنزول (145) اللي بتاكله وأنت في وسط الجلسة. إخيه (146) علي كدا. وقربت ألبَّخ واياه (147) ولولا ماشدني (148) العسكري من دراعي، وراح واخدني علي بره (149)، وطلعني في العربية الملاكي بتاعة السجن، وسوق يا أوسطي علي «أَرَميدان». مشيت بينا العربية لحد السجن. ورحنا داخلين زي العادة: يعني التفتيش وما أدراك ومن ساعتها ياخللي (150) وكل واحد يكلمني أسب له رِمّة أبو جده (151) لغاية ما عبروني (152) من عسكري لشاويش لمأمور. وعنها عملت السجن ولا «سوق المؤيد» (153) في بيع السجاير. حلي المكسب. وعزمت بعد ما تنتهي المدة علي أني أقول: - يا نفس جددي حظك. لأن في السجن كل شيء بلاش. والمكسب زيادة. فات علي محسوبكم وهوه في السجن، شهر ونص من التلاث أشهر العلاوة (154) قاموا رقوني لدرجة «مخزنجي» (155) وده خوفا من سقالتي (156) ويادوب(157) استلمت مخزن الهدوم وبقيت أدفس(158) علب السجاير اللي جايه من التفليتة (159) بين الهدوم.. وآهي ماشية، فكنت كل ما يجي إيراد أسلم بعدد واستلم بعدد، وبقيت مش مسجون. لا العفو. موظف . بقيت اقضي النهار بطوله في نوم وأبيع سجاير للجماعة اللي بالعين (160) انصاص فرنكات قبل الحكم عليهم، علشان يصرفوا منها وهما في السجن. واهو ربك كريم أنا أبيع وأجمد (161) وادي للواد السجان صاحبي وهو يعمل لي التفليتة من الشباك بتاع الزنزانة لحد ما جمدت تلاتة جنيه، رحت مشيعهم (162) مع الواد السجان علي البيت وداهم (163) وجاب الأمارة (164). في يوم من ذات الأيام كنت قاعد عمال أعد السجاير. والغلّة. إلا والمأمور(165) طب علي محسوبكم، لكن أنا كنت واد حِدِقْ (166) رحت رامي الأمانة تحت الهدوم. وعملت أني بساويهم وأرصهم، وفاتت عليه الواحدة ، ولما وقف قدامي رحت رافع له حتة نِتْفِة (167) سلام ، فقال لي: - انته ليه منتش شايف شغلك تمام يا «يوسف»؟. قلت له: - أبدا سعادة البيه المأمور. لكن مين دا اللي قال لك كده؟.. هاتولي وأنا أدِّيله قدامك تلاتين بُلْغة. ضحك المأمور ومات علي نفسه.. وعنها وَزقّ عجله. ويغلب علي فكري أنه كان بيهزر بس. كوّعت لحد ماجه وقت صرف اليمك (168) رحت فرقته مع السجان. وعلي ذالوك راحت الأيام وجت الأيام ، وانتهت المدة فزعلت لأن يوم الإفراج جه علي سهوة (169) ولا كنتش عملت ترتيبي. نهايته سلمت الكام قرش اللي فاضلين معايه للسجان علشان يسلمهم لي برة. **** ولما جَتْ الساعة 12 الضهر حّمونا، ووزنونا، وإدُّونا هدومنا وهي مِتْأَنِدْلةَ من المبخرة. نهايته لبست هدومي ، بالطول والعرض، وأخذت بُلْغتي في رجلي (170) وخرجت مع المنصرف. لما وصلت للباب البراني ولقيت لك الست والدتي ومعاها ولا تلاتين مرة من الشَّلَق (171) اللي علي الكيف ، فراحت كعماني(172) وبايساني والحمد لله علي السلامة يا بني. قلت لها: الله يسلمك ولكن الأحسن أنك تزقي (173) أنتي وجوقتك (174) وأنا محصلكم. فمشيت هي ومظاهرتها، جه السجان إداني الأمانة، وأديته اللي فيه القسمة ، وساعتها بصيت لقيت «بلحة» جي هوه وخمسة ستة من الشلة (175) وأهلا وسهلا. وكفارة (176) وعنها وطلبنا تكس (177) وركبنا ومحسوبكم ركب في الوسط زي العريس ودارت السجاير المحشية بالحماس (178) وفضلنا نغني لحد ماوصلنا للحتة ، نزلنا ودفع «بلحة» أجرة التكس. وسابوني تني رايح علي البيت قابلوني بقي بالهوسة إياها بتاعة النسوان. قعدت اتغديت غدوة لكن مُكْن. ورحت داخل علي الحمام استحميت ولبست هدومي النضيفة وخدت لي تكويعة (179) لطيفة لحد المغرب. قمت لبست جلابيتي الجوخ واتعممت باللاسة ونزلت الشراريب علي عنيا (180) وأخذت ف إيدي حتة شومة علي الكيف. وتني نازل دخلت علي قهوة «عرابي» وقعدت جنب قصاري الزرع، وطلبت شيشة. وعملت «أبو علي» (181) جه «عرابي» وسلم عليه. وقال لي: - سيبك بقي منهم دول عيال مهما كانت الحالة. فقلت له: - عيب يا «عرابي» داحنا جدعان نعشق النبي. والرجالة ماتفوتش تارها(182) واحنا في الكلام ومثله وطب (183) علينا الواد «بلحة» وسلم عليه . بصيت له لقيت وشه مربط فقلت له: - جري إيه يا «بلحة» قال لي: - الواد «الصُّرفي» خلاني قاعد في «قهوة زغير» وراح مالي فيه (183) هو وشلته وعاوز ارفع عليهم قضية. فقلت ل «عرابي»: - عن أذنك دقيقتين. واخدت «بلحة» وتني قايم وفي السكة قلت له: - روح أنت وقابلني بكرة الصبح عند «عرابي». فقال لي: وجب.