أبدأ مقالي بتهنئة حارة بثورة انتظرتها مصر طويلا وتحققت لها بفضل من الله ثم رغبة الشعب الشعب الذي عاني وتألم وظلم وسرق وأهين حتي ظن المحيطون والمتغطرسون والمتألهون أن هذا حاله, وسيظل كذلك إلي ما لا نهاية. ولكن حدث أمر الله, تحقق وعد الله, وأراد لهذه الأمة أن تحيا بعد ممات, فحمدا لله علي فضله, وشكرا لشبابنا علي تضحيته والذي أريد توصيله لأهل وطني هو عدم اختزال هذه الثورة الشجاعة والبناءة بإذن الله في أنها ثورة ضد الشرطة, علي اعتبار أن الظلم والطغيان والفساد والرشوة والمحسوبية, وثروات الحكام, كلها مشاكل أوجدتها الشرطة المصرية, وأن أجهزة الدولة الأخري كانت تسير علي الخط المستقيم تراعي ربها, وتؤدي عملها, بالذمة والصدق. أقول لشبابنا وكل المصريين لا تختزلوا ثورتكم المباركة في هدم جهاز الشرطة, فالشرطة كمؤسسة في منظومة الدولة بها أخطاء, كما أن بباقي مؤسسات الدولة أخطاء. وأخطاء الشرطة يا سادة لم تكن في الجهاز بأكمله ولا في أحد هياكله عامة, إنما كانت ببعض تلك الهياكل وبعض العناصر البشرية التي يمكن حصرها, ومحاسبتها, وإعادة هيكلتها بما يخدم قضيتنا, ولا يهدم جهازا يناط به حفظ الأمن. فعمل رجال الشرطة هو إنفاذ القانون, ومن يناط به إنفاذ القانون غالبا ما ينظر إليه علي أنه يسير عكس التيار, فهب أن عليك حكما واجب النفاذ, أو صدر قرار بإزالة عقار تملكه, فجاءك رجل الأمن للتنفيذ فإنك تنظر إليه نظرة الخصم, فالصورة الذهنية لرجل الشرطة تبدو غير جيدة. ولا تختزلوا كل جهاز الشرطة في قيادات أصبحت قيد الحبس, والشرفاء من الضباط أكثر ما يسعدهم هو محاسبة هؤلاء, ولا تختزلوا كل جهاز الشرطة في هيكلين من هياكله هما الأمن المركزي وأمن الدولة, مع الاعتراف الكامل بأهميتهما لأمن الوطن, ولكن الأمر الآن أصبح يحتاج إلي إعادة هيكلة, وتحديد اختصاصات كل منهما أكثر مما يحتاج للهدم الكامل. فإدارة مكافحة المخدرات التي أنتمي إليها والتي أثرت إيجابيا في الرأي العام في السنة الماضية نتيجة جهودها الواضحة في المواجهة لم تكن لتتم دون الدعم الكامل من قطاع الأمن المركزي, وكذلك معظم الادارات العاملة في مواجهة الأنشطة الإجرامية كمباحث الأموال العامة ومباحث الآداب والأمن العام,. فالإجرام أصبح منظما ومسلحا بصورة تتطلب أن تكون المواجهة معلوماتية وبشرية, كما أن جهاز أمن الدولة مع إيماننا بضرورة إعادة هيكلته واختصاصاته, بذل جهودا في مكافحة الإرهاب في التسعينيات, لا نستطيع إنكارها, وبه من الإدارات الداخلية كمتابعة النشاط الأجنبي والصهيوني والتعاون الدولي, ما لا يمكن الاستغناء عنه. كما لا يمكن اختزال جهاز الشرطة في عدد قليل من بعض رؤساء وحدات البحث الجنائي بالأقسام وبعض معاونيهم من الضباط, وبعض مساعديهم من الأمناء الذين استحلوا لأنفسهم أفعالا حرمها الشرع وجرمها القانون, بل يجب محاسبتهم مثل ما تم مع القيادات التي تسببت في الفساد والإفساد دون أن يمس ذلك الشرفاء من باقي الضباط. وإني لأتساءل, ماذا يقول الشرفاء من الضباط لأهليهم والهيئة الاجتماعية التي ينتمون إليها أمام هذا القدر الرهيب من النقد الذي وصل لحد السب والشتم واللعن لكل ما هو شرطي, لماذا حرمتم جهاز الشرطة من الفرحة بالثورة مثل باقي أفراد المجتمع وهم يعملون دائما بناء علي تعليمات تصدر من الرؤساء. أليس في هذا ظلم لمن جعل عمله تكليفا وليس تشريفا, رسالة نبيلة وليس وسيلة للثراء الفاحش والاستبداد. أليس في كل بيت من مصرنا رجل شرطة سواء ضابط أو صف أو مجند؟! وإني أتوجه لكل مصري أسألكم من الذي يؤمن السياح زائري مصر وروادها؟!. من الذي ينفذ ما تصدره المحاكم من أحكام؟!. من الذي يتصدي لتجار السموم والمخدرات والمتاجرين بأقوات الشعب؟!. - كيف كان حالنا جميعا يوم حدث الفراغ الأمني, أليست كل هذه الأمور وقبلها قول رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله سببا في أن نراجع أنفسنا من داخلنا وعلي فضائياتنا وجرائدنا في العلاقة بيننا. ألم نشكر اللجان الشعبية علي أسبوع قضوه لحماية أمن مصر, فما بالنا بمن يفني نفسه في هذا العمل الشاق. - ألم يكن من الأجدر بنا أن نركز في هذه الآونة علي محاسبة رموز الفساد ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه أن يخدع هذه الأمة مرة أخري, ثم نركز علي السعي لتغيير ثقافتنا تجاه الكثير من الأمور بدستور شعبي قبل الدستور الرسمي الذي يتأهل المتخصصون لإعلانه. - ألم يحن الوقت لنساعد رجل المرور علي تنظيم الشوارع, والبعد عن ممارسة القيادة الخاطئة والمتهورة بالسرعة الجنونية والتخطي الخاطيء. - ألم يحن الوقت لاستغلال الحالة الثورية لمراجعة أخلاق الشارع, ومساعدة رجال الشرطة بالإبلاغ عن أية مخالفة تمس ذلك الكيان المجتمعي حتي لا يسود الخلاف بيننا, فالدولة الضعيفة أمنيا تزداد فيها الجريمة بكل صورها, فلا تضعفوا جهاز الأمن حتي لا تنهار قيم المجتمع. - ألم يحن الوقت للتفكير في مصر جديدة! بعمل جاد وحرية لا يشوبها عدم المشروعية. وإعلاء للقيم وإيثار للجماعة. وأمن وأمان للمواطن ورجل الأمن( لأن فاقد الشيء لا يعطيه). وأختتم بقول المولي عز وجل وما أريد أن أخالفكم إلي ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب, الآية88] من سورة هود.