يناير2011 وماتلاه من أيام حتي11 فبراير2011 حلم لايمكن ان يصدقه عقل, ولو فكر فيه احد لكاد ان يذهب عقله, لما كان من جهاز شرطي وحزب وطني وحكومة طاغية لها اليد الطولي بكل المقاييس. ماحدث في25 يناير ذلك اليوم الذي سطره التاريخ بحروف من ذهب ونور أعاد لنا ايماننا بأن الله أكبر من كل كبير وهو القادر علي كل شيء وهو ما ليس فيه شك فلحظة اعلان تنحي الرئيس مبارك عن رئاسة مصر وجدت نفسي اردد الله أكبر الله أكبر لابد من يوم ترد فيه المظالم أبيض لكل مظلوم اسود علي كل ظالم. لحظتها فقط تذكرت الخالة سكينة تلك المرأة الأمية التي عاشت في ريف مصر وبالتحديد في صعيده رأيتها ذات يوم تعمل في إحدي الحقول الزراعية عند احد افراد القرية التي تعيش فيها لفت نظري كبر سنها والشيب الذي علا رأسها والتجاعيد التي ملأت وجهها والحزن الذي اشجب لونها, كما لفت نظري إليها أيضا وجودها بين صبية صغار في سن الثانية عشرة إلي التاسعة عشرة فأخذتني الشفقة بها واقتربت منها وحدثتها لماذا يا أمي تعملين وسط هؤلاء الصبية ومع تلك الاولاد وهم صغار وانت كبيرة وحالتك الصحية لاتسمح بذلك. فقالت وهي ترفع رأسها بعزة وشموخ: لا إنني لااستطيع ان امد يدي لأحد ولا أقبل الإهانة من أحد حتي ولو كان قريبا لي. فأخذني أكثر الفضول فسألت: منذ متي وانت تعملين عند الناس؟ قالت: منذ ان اخذت مني ومن زوجي واولادي الأرض التي كنا نزرعها. فقد كان لدينا فدان أرض منذ سبعين عاما ومعنا عقد بذلك نقوم بسداد الايجار للمالك. ذلك المالك الذي يمتلك أكثر من420 فدانا موزعة علي الفلاحين في القرية مثلي بالايجار هذا بخلاف مايزرعه هو وأسرته والذي يتعدي ال100 فدان واستطردت الخالة سكينة في كلامها وقالت في عام1997 أخذ مني ومن غيري حوالي600 أسرة كانت تزرع في المتوسط فدانا ونصف الفدان فكنا نزرع12 قيراط قمح نأكله ونزرع12 قيراط برسيم للجاموسة التي عندنا. ومنذ ان أخذ الارض منا بعنا الجاموسة والاولاد هاجروا لمصر القاهرة ومات زوجي بالحسرة وانتشرت الأسر في القرية ولم يبق فيها إلا العواجيز أمثالنا. وفجأة وهي تتحدث إلي خلعت تلك السيدة غطاء رأسها الذي كشف عن شعر أبيض والتفت بسرعة متوجهة الي القبلة, رافعة يدها للسماء وهي تبكي بحرقة وتقول: يارب.. يارب شرد أسرتي وأمات زوجي بالحسرة وكسر نفسي.. يارب أكسر نفسه.. حسني مبارك.. اللي معرفش اسم أمه شرد أسرته, يارب, افضحه علي الملأ... يارب اطلب منك ألا أموت قبل ان اري هذا اليوم. كان هذا الحدث عام1991 وحدثت ثورة يناير عام2011 أي بعد20 عاما وحاليا انا لا أدري هل هذه السيدة ماتت أم علي قيد الحياة لأنني لم أذهب الي تلك القرية منذ سنوات طوال ولكني عندما جلست إلي التلفاز واستمعت إلي نبأ رحيل الرئيس مبارك تذكرت طلب الخالة سكينة الذي طلبته من الله منذ20 عاما حقا ان الله يمهل ولا يهمل سبحانه وتعالي. حقا لابد من يوم ترد فيه المظالم.