بين يوم وليلة أصبحت تونس في قلب العاصفة وانطلقت تحليلات كثيرة تتحدث عن هذا البلد العربي والافريقي الذي يقع في الطرف الشرقي للمجتمع المغاربي الكبير. بعد أن أكدت انتفاضته الشعبية عدم صحة المقولة التي تتردد منذ سنوات في الإعلام العربي وتصف الأمة العربية بأنها رجل العالم المريض الذي يستعصي علي الشفاء. إن أهل تونس الخضراء الذين يتكلمون العربية ويدينون بالإسلام ويجيدون اللغة الفرنسية إجادة تامة دون أن يتخلوا عن استمساكهم الشديد باللغة المحلية يعرفون تماما قيمة وأهمية الموقع الفريد لوطنهم الذي يمثل أحد أقرب السواحل العربية للقارة الأوربية, حيث تبعد تونس138 كيلومترا فقط عن شاطئ جزيرة صقلية في إيطاليا التي كانت أول محطة تهبط فيها طائرة الرحيل الأخير للرئيس التونسي زين العابدين بن علي للتزود بالوقود قبل الاستقرار علي محطة المنفي الأخيرة في المملكة العربية السعودية. وتعتبر تونس أقل بلاد المغرب العربي ارتفاعا, كما تعتبر جبالها امتدادا للأطلسين' التلي' و' الصحراوي' اللذين يندمجان في تونس وينخفضان ولهذا تكثر السهول الخضراء في تونس بالمقارنة مع الجزائر والمملكة المغربية. وطبقا لنص الدستور التونسي فإن تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة... الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية هي نظام الحكم بها, وعلم الجمهورية التونسية أحمر اللون تتوسطه دائرة بيضاء بها نجم ذو خمسة أشعة يحيط بها هلال أحمر. والحقيقة أن الطبيعة السمحة للشعب التونسي هي التي جعلت منه شعبا حيا قادرا علي رفض الظلم منذ عهد الاستعمار الفرنسي وحتي اليوم دون الانزلاق إلي حمامات الدم والعنف والغموض التي خرجت تحليلات غير واعية تتحدث عنها وتبشر بأن مصير تونس لن يختلف كثيرا عن مصير العراق برغم الفارق الهائل في التركيبة السكانية والطبيعة السلوكية بين البلدين من ناحية ومشروعية التغيير الشعبي في تونس علي عكس عدم مشروعية الغزو الأجنبي في العراق من ناحية أخري. أريد أن أقول إن تونس لم تعرف حروب الطوائف ولم تعش علي ثقافة العنف, ومن ثم فإن بعض التداعيات اللحظية عقب سقوط نظام بن علي ليست مرشحة للاستدامة, كما تتحدث بعض التحليلات التي لا يدرك القائلون بها نفسية وطبيعة الشعب التونسي. إن الرهان علي فوضي تؤدي إلي مزيد من العنف وسفك الدماء رهان خاطئ... وبرغم أن أحدا لا يعرف إلي أين ستقود تطورات الأحداث لكن الأمر المؤكد أن الهبة الشعبية التي بدأت في شكل احتجاج حول غياب العدالة الاجتماعية وانتشار الفساد والبطالة لن تنحرف عن الحلم المشروع في إقامة مجتمع عادل ومتوازن وديمقراطي, يتجه نحو الحداثة والتقدم وبما يليق بشعب حي وعريق قال كلمته وسبق بخطوته كل الدكاكين السياسية والحزبية داخل وخارج تونس علي حد سواء! *** خير الكلام: ** ذهبت هموم حرت في أسمائها.. و أتت هموم ما لهن أسامي! [email protected]