كنا في مطار دبي عائدين إلي القاهرة, حين رأيتهم, أسرة صغيرة مكونة من أم وطفلتيها يرتدين ثيابا جيدة توحي بوضع مادي جيد, عرفت أنهم مصريون, من كراكيبهم.. فنحن شعب يعشق الكراكيب, نذهب إلي آخر الدنيا ونشتري كل ما قل ثمنه وزاد حجمه, الأم تحمل عربة أطفال وبطانية أو أكثر ولحاف وسيارة كهربية لركوب الأطفال وحقائب ظهر كثيرة ربما أربعة أو خمسة.. هذا ما ستصعد به الطائرة عدا حقائب السفر الكبيرة المخزنة في بطن الطائرة.. وبسبب كراكيبها احتلت الأم وطفلاها كامل العربة التي تنقل الأفراد داخل ساحات المطار لمن لا يستطيع السير رغم أن هذه العربة كانت تتسع لها ولنا لولا الكراكيب. عند اتخاذ مقاعدنا في الطائرة فوجئت بنفس الأسرة تجلس خلفي تماما كما احتلت كراكيبهم الأرفف العلوية أعلي مقاعدهم وأعلي مقعدي أنا أيضا!!.. كان صوت الطفلة5 سنوات عال, تحادث أمها بتحد وتهددها يا مامي اسكتي وإلا حاجيب لك البوليس والأم لا تحرك ساكنا ولا الطفلة.. بينما الطفل الصغير منخرط في البكاء.. فتمنيت من أعماقي أن ينام الطفلان لمدة ثلاث ساعات هي مدة الرحلة وإلا ستكون رحلة العذاب والضنا! قبل إقلاع الطائرة أخذت الطفلة تحادث اباها الذي يبدو أنه يعمل في دبي وقد تخلف عن صحبتهم بسبب عمله أيوه يا بابي.. مامي قاعدة جنبي بس أنا حاجيب لها البوليس لو ما سمعتش الكلام وأخذت تحكي له التفاصيل وتفاصيل التفاصيل منذ أن تركوه وحتي استقروا علي مقاعدهم وبين وقت وآخر تعود لتهديد أمها بالبوليس وهي علي التليفون مع أبيها أيضا. أصابني الصداع.. كل هذا والطائرة لم تقلع بعد.. نظرات علي الطفلة من بين المقاعد, فأشرت إليها بالتزام الهدوء فما كان منها إلا أن أكملت مكالمتها مع أبيها وقالت: وطنط اللي قاعدة قدام بتقول لي هشش. سمعت راكب يعلق لزوجته: مفيش حد يقول لها عيب ولا أم تقول لها اقعدي كويس. كان صاحب التعليق رجل وقور فضي الشعر. عند وصول الطائرة أعلن قائدها عبر المذياع أنه حضرات السادة الركاب حمدا لله علي السلامة ويجب الالتزام بالجلوس في المقاعد حتي تمام توقف الطائرة منعا للحوادث, لكن تقول لمين؟ الكل قام من مقاعده والكل بدأ بفتح الرفوف العليا لالتقاط حقائبه وحاجياته, والكل وقف في الممرات بين المقاعد لينتصر في المعركة ويكون أول من ينزل من الطائرة.. صاح الرجل ذو الشعر الفضي: مفيش فايدة... شعب برضه أخرق... ثقافة القفز إلي قارب النجاة!. أما قائد الطائرة ففقد صوابه وتخلي عن الحديث باللغة الفصحي وأخذ يصيح في المذياع: يا جماعة أرجوكم مش كده أرجوكم نقعد في أماكنا منعا للحوادث!!!