أعتقد أن وقفة الصمود الرائعة لشعب مصر علي مدي الأيام الأخيرة لتأكيد الرفض وإعلان الإدانة لحادث كنيسة الإسكندرية ينبغي أن تمثل دعوة لكل فصائل العمل السياسي في مصر للوقوف مع الذات والتصالح مع النفس. وبدء صفحة جديدة من الإحساس بالمسئولية الوطنية التي تعلو فوق الأحزاب وفوق الخلافات! ولعلنا بداية نتفق علي أن الأمة التي تتمكن من التصالح مع نفسها هي الأمة التي تتوافر فيها كل ضمانات الحرية المسئولة وتحترم فيها حقوق الإنسان التي كفلتها الأديان والشرائع السماوية وينظر إلي أدمية الإنسان علي أنها من المقدسات التي لا يجوز الجور عليها... ثم لعلنا نتفق أيضا علي أن الأمة التي تتمكن من التصالح مع نفسها هي الأمة التي تتكافأ فيها الحقوق مع الواجبات ويسبق فيها الإحساس بالواجب والمسئولية والرغبة في العطاء والتضحية علي أي مطالب أو استحقاقات في ظل شعور صادق بأن العائد والمردود سوف يلقي بفضائله وخيراته علي الجميع دون استثناء! والحقيقة أننا عندما نتكلم عن التصالح مع النفس فإننا لا نتكلم عن أمور تجئ طوعا وحسب اجتهاد كل فرد أو جماعة علي حدة وإنما يتحقق التصالح المنشود من خلال نظام عام يحكمه قانون واضح المعالم يجري تطبيقه علي الجميع دون تمييز أو استثناء... فالقانون هو الفيصل والحكم وهو الخط الفاصل بين الحلال والحرام وبين المسموح به والمحظور الاقتراب منه! أريد أن أقول بوضوح: إن سلام النفس هو حجر الأساس في بنيان الوحدة الوطنية لأي أمة, والذي تنكسر عليه كل محاولات الفتنة دون حاجة إلي إجراءات صارمة أو بيانات متبادلة... والأمم العظيمة هي التي تدرك أن قوتها في وحدتها, وأن وحدتها لا تتحقق في غيبة من تصالح مع النفس بروح الإيمان بوحدة الهدف ووحدة المصير! وليس أخطر علي مستقبل أي أمة من أولئك الذين يلعبون بالنار ويحولون بعض أوراق الصحف وشاشات الفضائيات إلي منشورات طائفية أو إقليمية أو عرقية... فمثل هؤلاء لا يمكن اعتبار ما يرتكبونه نوعا من الخطأ غير المقصود وإنما هو- بكل المعايير والمقاييس جرم مغطي بسوء النية, ويجري ارتكابه عمدا! وليس هناك ما يهدد مسيرة أي أمة سوي ابتعادها عن المصالحة مع النفس وإلقاء تبعة الصراعات الذاتية التي تمزقها والمخاطر التي تهددها علي طرف دون آخر مع أن الأزمة في جوهرها أزمة صراعات مكتومة في الداخل... وهذه الصراعات المكتومة هي التي تعطل قدرة الرؤية السليمة للقضايا والأحداث! ثم أقول في النهاية: إن الحديث عن المصالحة مع النفس ليس نوعا من الرومانسية السياسية, كما يعتقد البعض وإنما هو قراءة موضوعية لدروس التاريخ, وتجارب الأمم, وكل هذه الدروس والتجارب تؤكد بما لا يدع مجالا لأي شك أن نقطة البداية الحقيقية نحو الانطلاق والتقدم ارتكزت علي قدرة الشعب والدولة علي بلوغ مرحلة المصالحة مع النفس... وهي مرحلة لا تتحقق بالإكراه وإنما تنشأ بالتراضي والاقتناع! فلنبدأ بالمصالحة الذاتية مع النفس لكي نضمن توفير القدرة علي درء الفتن وإفشال مخططات الإرهاب اللعينة! وغدا نواصل الحديث. *** خير الكلام: ** تعامل برقة مع العين والصديق لأن أقل شئ يكفي لجرحهما! [email protected]