ليس هو لاعب الكرة الشهير بالنادي الأهلي والمنتخب ونادي( مش عارف إيه) الإنجليزي, كما أنه ليس هو الممثل خفيف الدم الذي كنا نختلف بشدة ونحن صغار حول مدي قرابته من وحش الشاشة فريد شوقي. لا أعرف له وظيفة أو عنوانا, وإذا حدث وتقابلنا لن يعرفني ولن أعرفه, ولكني أبدا لن أنسي اسمه محمد شوقي. وجدت علي زجاج سيارتي ورقة مشبوكة في المساحة ممهورة باسمه ورقم تليفونه وكلاما هذا نصه: آسف جدا.. لقد صدمت سيارتك دون قصد أثناء ركن سيارتي.. أرجو منك حصر التلفيات والاتصال بي وسأتكفل بمصاريف الإصلاح.. وشكرا. للوهلة الأولي أصابتني الدهشة, إذ لم يعد من الطبيعي في زماننا هذا غير الطبيعي أن نسمع أو نقرأ كلمات من عينة أنا آسف جدا, ولقد صدمت, وأرجو منك, وسأتكفل بمصاريف الإصلاح.. ما هذا الكلام الذي أصبح غريبا جدا!! وقرأت الرسالة مرات كثيرة وكأني أتأكد من أنه ليس في الأمر خدعة.. إنها بخط اليد, وها هو الاسم واضح ورقم التليفون. إنها وثيقة يارجل.. وثيقة تثبت أنك كنت علي خطأ حين ظننت أن بلدك قد خلت من مثل هذه النوعية من البشر.. كنت علي خطأ حين تصورت أن التلف العام قد أصاب الجميع, بمن فيهم أنت نفسك.. فها هو نموذج لحالة رائعة من الناجين من التلف, ولابد أنهم كثرة, وأنهم موجودون من حولنا ولكننا لا نسمع لهم صوتا وسط هذا الضجيج, هم موجودون يتابعون ما نفعل, ويرثون لحالنا. يتفرجون علينا ونحن نتبادل الصياح, والسباب, وقلة الذوق, ونتفنن في الكذب, والتملص من المسئولية, والتبجح, ونتباري في الجشع, والأنانية, وإطفاء نور الضمير. هل تتصور يا محمد أني سأهتم بإلقاء نظرة واحدة علي ما قد يكون قد حاق بسيارتي من تلفيات بعد أن قرأت رسالتك؟ عن أي تلفيات سنتحدث ياصاحبي بعد كل هذا الإصلاح الذي أشاعته رسالتك في نفسي؟!! وطلبت الرجل علي رقم تليفونه.. عرفته بأني صاحب السيارة إياها فأسرع يكرر الاعتذار واستعداده للإصلاح, فقلت له: لقد تم الإصلاح ياصاحبي.. لقد تم.. قال: والمصاريف؟ قلت: وصلتني وزيادة.. شكرا.. مع السلامة.