انتهت الانتخابات البرلمانية بكل ما لها وما عليها, وراحت سكرتها, والآن علينا تدبر فكرتها تدبرا يعيد النظر في الأمر برمته من أجل مصر والمكانة والمكان. مصر التي علمت العالم منذ فجر التاريخ معني الدولة, ونظم الحكم ورشادها.. مصر التي أهدت الحضارة الإنسانية أولي لبناتها في كيفية بناء المجتمعات الإنسانية علي قيم الحب والخير والعدل والجمال.. مصر التي أهدت الإنسانية قيم التوحيد والإيمان المطلق بالخالق المعبود.. مصر التي تعلمت وعلمت الآخرين معني الاستقرار البشري, وحب الخير والنماء من نيلها الممتد في أعماق الجغرافيا والتاريخ السحيق.. مصر التي كانت دائما مهبط الديانات, وملجأ المضطهدين في دينهم وعقائدهم.. مصر التي كانت دائما همزة الوصل بين الشعوب والأعراف والبلدان.. مصر التي تتوسط جغرافيتها قارات العالم القديم والحديث وكأنها رسالة وتكليف ممن يسر لها مكانها هذا بأن تظل شعلة ومنارة لكل الباحثين عن نور الأمل للنجاة من وهاد الظلمة, وسوء المصير, مصر بكل تاريخها الممتد, وبأهلها الطيبين الصابرين المثابرين تستحق منا جميعا من فاز في انتخاباتها الأخيرة, ومن لم يفز الكثير والكثير. مصر تستحق منا أن نعيد النظر في التجربة الأخيرة لنستخلص منها الأسباب وراء تدهور القيم والمعايير الإنسانية لدي عامة المصريين علي النحو الذي تجلي في الممارسات البغيضة التي شهدتها تلك الانتخابات.. مصر تستحق منها وقفة حاسمة وضرورية للبحث في أسباب تشوه العقل والضمير الجمعي للمجتمع المصري علي هذا النحو الذي ينذر بأوخم العواقب ما لم نتدارك الأمر.. مصر تستحق منا نظرة ووقفة وموقفا جديا لدراسة مدي سلامة حزمة القيم, ومنظومة الأخلاق الإنسانية التي تزرع في أجيالنا من خلال البيت والمدرسة والشارع, وأجهزة الإعلام بجميع أنواعها.. مصر في حاجة إلي جلاء القشرة المعتمة عن درها المكنون في أعماق أعماق شعبها القديم قدم التاريخ نفسه.. شعبها الذي أصقلته تجارب آلاف السنين, وصنوف الدهر, ومكائد الطامعين.. شعبها المطيع في حب, والراضي في قناعة, والثائر في عزة حين يجد الجد.. شعبها الذي جبل علي حب الكرامة, وشموخ النفس لا يقبل الضيم من عدو.. شعبها الذي تكسرت علي صدور أبنائه رماح الغزاة عبر التاريخ. هذا الشعب يستحق منا أن نأخذ بيده ليعود لسابق مجده التليد قائدا لمسيرة النهضة الإنسانية نحو غد أفضل لأبنائه وأشقائه في عالمنا العربي الذي فاته الكثير, ولن يتأتي ذلك إلا بالتفافنا جميعا بصدق حول خطة إصلاح سياسي وثقافي واجتماعي مصرية 100%. خطة يبلورها الشعب المصري بكل أطيافه وليس الحزب الوطني فقط.. خطة تبدأ بالتعليم ولا تنتهي به.. خطة تعيد لقوميتنا بهاءها, وللغتنا مكانتها, ولثقافتنا عزتها.. خطة تتبني مفهوم أن التعليم المصري بكل مراحله يجب أن يكون مصري الطابع والسمات والشخصية.. تعليم لا يعرف التغريب ولا التشريق.. تعليم يستطيعه الغني والفقير والمعدم في فرص متساوية للجميع.. تعليم يقوم علي مفهوم أن العدل والحرية صنوان لا ينفصمان.. تعليم لا تمييز فيه بين من يستطيع ماليا ومن لا يستطيع. يا أهلنا التعليم هو المنطلق, وهو الهدف, وهو الوسيلة والغاية.. التعليم إذا انصلح.. انصلح حال كل شيء, وإذا فسد.. فسد كل شيء, والتجربة ماثلة أمامنا منذ أن ضربه الانفتاح السداح مداح في مقتل وإلي يومنا هذا. د. أحمد الجيوشي وكيل كلية التعليم الصناعي جامعة حلوان