مازال مسلسل التهميش والطمس والمحو والإبادة مستمر في عرض حلقاته ضد النوبة والنوبيين وما حدث بالأمس القريب هو قمة البطش والاحتقار والظلم وهو عنوان الحكومة الأبرز منذ عشرات العقود والأعوام وخصوصا بعد إلغاء مجلس الشورى المصري دائرة النوبة من الانتخابات التشريعية ، ليدخل بنا الحكومة في نفق مظلم ، أليست النوبة جزء من مجتمع مصر أم نحن من كوكب أخر ؟ أليست النوبة هي نواة الحضارة الفرعونية أم ماذا ؟ وهل تصر الدولة علي محو النوبة من خارطة مصر وتعلن لها شهادة وفاة ؟ ما يدور للنوبة من مؤامرات وظلم وقسوة وجحود هي حرب إبادة باردة تسلكها الدولة لعزل وقهر وشتات وحصار مشين بكل الأعراف الدولية والقانونية والدستورية لشعب أعزل ويعشق مصر حتى النخاع وضحي بالغالي والنفيس من اجل مصر ومصر بريئة من هؤلاء كل البراءة ولكن ؟!!! قدرنا أن نكون تحت حكم مجموعة لا تعرف للرحمة مكان ولا للضمير عنوان ولا للعدل إنصاف ولا للدين عقيدة أو إيمان ، لماذا يحاصرون النوبة ويقومون بنزع الحق المدني والدستوري والاجتماعي والأدبي والنيابي لمجتمع وشريحة مصرية تصل إلي 5 مليون نوبي داخل مصر إلا يكفي الظلم القائم منذ أكثر من 60 عام لقلب النوبة الصابرة والمسلوبة والمظلومة والمقهورة من عبث الساسة في مصر . وهنا أطرح السؤال الأهم لكل الشعب المصري لماذا يهاجمنا الأغلبية بالانفصال عندما نصرخ صرخة استغاثة أو نطالب بحق دستوري ، نتهم بدعاة حرب وتمرد أو نهاجم حين نطالب بشرعية حقوقنا المكتسبة كمجتمع مصري ، وللأسف الكثير منا يهاجم النوبة لمجرد قراءة عنوان أو أسم النوبة دون معرفة للب الموضوع أو القضية أو النداء ، نحن كأي مجتمع مصري يعيش داخل مصر ولكن لنا حقوق أولية تجاه الدولة ووعود وعقود والتزامات جوهرية وميثاق ونص جمهوري وقانون وزاري لصالح النوبة لم تري النور وما ضاع حق وراءه مطالب . أو ليس من حقنا وفاء الحكومة للنوبة بعد 60 عام من الضياع والتشرد والجراح والظلم وتحقيق الوعود والاتفاقيات الملزمة بقوة القانون والدستور المصري . يا شعب مصر الأصيل التاريخ النوبي والحضارة النوبية هي نواة الحضارة المصرية الحضارة ترعرعت في مصر العليا في جنوب وادي النيل وشيدت المعابد والقلاع الحصون والآثار منذ عشرات الآلف قبل الميلاد لتحتل ثلث آثار العالم جميعاً في تلك البقعة الخالدة والحاضرة والباقية إلي الآن . الكثير يعتقد أن التاريخ مجرد سر وقصص لأشخاص وقبائل ومجموعات تتصارع من أجل البقاء ، وتروي حكايات بطولات دارت برحاها فوق هذه الأرض في زمن وعصر ما ، وقام بنقله الرحالة في كتابات كثيرة ومتنوعة ملئت الدنيا بقصصها الصادقة تارة والكاذبة تارة أخري عبر نسج الفكر والعقل والخيال معاً لطرح فكرة معينة بتناقلها الناس من زمن إلي أزمان ومن جيل إلي أجيال ، لان أهم ملامح علم تدوين التاريخ وتفسيره يميل إلي البحث وإيجاد تطابق تام مع أحداث الماضي . أن مشكلة بدء التاريخ ملازمة دائما لحياة الإنسان برغم الأفكار العلمية والمعرفة الإنسانية في هذه الأيام قد غير من نظرتنا إلي العالم وبدل بشكل مادي مفهوم التطور الخالق ، فان مفهوم الخالق والاعتقاد الشائع بأن للعالم بداية قد فقد شيء من قدرته علي أثارة الخيال لدي عامة الناس ، أما الإنسان البدائي كان يهتم بمعرفة الأصول بقدر ما تؤثر هذه المعرفة علي حاجاته الدائمة وقلقه وملاحظاته ملاحظة سيطرة الإنسان علي محيطه في تزايد وأن دائرة عقله تتسع . قال فليسوف صيني ( أن الناس حين يتكاثر لديهم السلاح فان الظلام والشر يعمان علي الأسرة والدولة ، كل ما زادت المهارة لدي الناس أصبحت اختراعاتهم أشد ) ، وعلي كل فقد تأخرنا كثيراً حتى بات من المعتذر علينا ترك الذهب في الجبال والآلي في البحار والمعادن داخل الأرض . أن معني التاريخ بالنسبة لهذه الفلسفة موجودة في الحوادث كما تجري والناس ينالون ما يستحقون والغضب والحسد هما الجحيم الذي يحرق الناس أنفسهم فيه ، أما الشخص الطيب فهو الذي يسلط نور العقل علي رغباته ويستمتع بذلك حتى أنه لينسي جوعه ومشاعره ، والحكيم الذي يؤدي واجبه مهما كان وصفه ، إنما يشارك في الانسجام الأخلاقي بين القوة والعالم ، أما بشأن التاريخ فان ( الزمن يترك آثاره لنتخذها عظة لنا ) ومع ذلك فيجب أن نقبل الأمر الواقع بأن التاريخ هو كل ما نملك والحياة هي الحياة في هذا العالم فقط ولم يتكلم الفلاسفة إلا عما يعرفونه خوفاً من أن يبتدعوا عن العالم الأخر شيء وراء معرفتهم . أما وجهة نظر المسلمين للتاريخ فأنها نظرة بناءة وثاقبة وحكيمة أكثر مما سبق لكونها اعتقاد وعقيدة وقرآن وسنة راسخة في الوجدان وتطابق الواقع تاماً وأن كل شيء بإرادة الله عز وجل والإيمان بالحسنة والسيئة والثواب والعقاب والجنة والنار والعمل والعبادة ومن يعصي أوامر الله له جنهم والعياذ بالله ، وأن صفات المؤمن الصبر والقناعة والدعاء والرضا بحكم الله وقدره . التاريخ يصبح أكثر جمالاً عندما نعي ونفهم وندرك حسناته ونبتعد عن سيئاته ونفكر بالعقل قبل القلب وبالمنطق قبل الارتجالية وبالحكمة قبل العنف وبالصبر قبل اليأس في أطار الشمولية والعقلانية لنأخذ العبرة والتجربة من صفحات التاريخ والدروس من السابقين ، المجتمع أو الحضارة هو الوجه الأخر لعملة التاريخ فلا حضارة بدون تاريخ ولا مجتمع بلا تاريخ ولا سيادة أو ريادة بدون تاريخ ، أذن ندرك الآن أن التاريخ هي اللبنة الأولي والجذور الثابتة في أعماق الأرض ويمتد مع مرور الأيام لتتشعب وتكون أكثر قوة وتماسك من ذي قبل . لو نظرنا إلي التاريخ النوبي في عجالة نعرف مدي عراقة ومتانة التاريخ النوبي والمضيء برغم مرور ألاف السنين والقراءة عبر صفحاته نجد عظمة هؤلاء الرجال العظماء الذين صاغوا كتابة التاريخ بحروف من ذهب ودون سطو أو قتل أو استيلاء عشقوا الأرض والأصل والكيان ورسموا مجد وتراث عريق ونثروا بذور سلام صوب شريان وادي النيل ، ودافعوا عن أرضهم بقوة وجسارة وصبر أذهلوا كل الذين مروا بالقرب من أرضهم بالطيبة والكرم والبساطة والسماحة والفطرة التي ما زالت موجودة إلي هذا الزمان . رحال النوبة جمال القرشاوي [email protected]