قبل انطلاقها غدا في 148 مدرسة.. محافظ بني سويف يراجع مع "التعليم" الترتيبات النهائية لبدء الدراسة    مدرسة بالإسماعيلية تستعد لاستقبال طلابها بالهدايا والحلوى (فيديو وصور)    الأنبا مكسيموس يترأس مؤتمر خدام إيبارشية بنها    بث مباشر ل نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد مصر بالعاصمة الإدارية الجديدة    أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    مصر تدعو إلى شبكة عربية موحدة للرعاية الصحية خلال مؤتمر الهيئات الصحية العربية    وكالة الطاقة الذرية تعتمد قرار مصر بتطبيق ضمانات على الطاقة النووية بالمنطقة    برلماني: زيارة ملك إسبانيا تعزز الشراكة الاستراتيجية وترسخ البعد الثقافي والإنساني    هيئة المعابر الفلسطينية: إسرائيل تغلق معبر الكرامة لليوم الثاني    برشلونة يعلن الملعب المستضيف لمواجهة باريس سان جيرمان في دوري الأبطال    مجدي عبدالغني: سأظل وفيًّا للأهلي مهما كانت حدة الانتقادات    الداخلية تضبط 98 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    نائب وزير الصحة: مهلة 7 أيام لتطوير سكن الأطباء في مستشفى قلين التخصصي    انخفاض أسعار النفط رغم خفض الفائدة الأمريكية.. وبرنت يصل إلى 67.29 دولار    ألمانيا تجلي آلاف الأشخاص في برلين بسبب قنبلة من الحرب العالمية الثانية    ضبط متهم بالمنوفية لغسله 12 مليون جنيه متحصلة من نشاط الهجرة غير الشرعية    الداخلية: ضبط 98665 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    سائق يرفع الأجرة ويتلاعب بخط السير فى البحيرة.. والأمن يتدخل    مصدر أمني ينفي صلة "الداخلية" بجمعية عقارية في دمياط    مهرجان بورسعيد السينمائى يفتتح فعالياته بتكريم الراحل محمود ياسين.. صور    صالون نفرتيتي يطلق فعالية ميراث النهر والبحر في دمياط ضمن مبادرة البشر حراس الأثر    بعد تماثلها للشفاء.. أول ظهور للفنانة الشابة رنا رئيس    وزير النقل يعلن فتحا جزئيا للطريق الدائري الإقليمي غدًا السبت    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفيات كفر الشيخ ويوجه بإصلاحات عاجلة    مع اقتراب الخريف.. ما هو الاضطراب العاطفي الموسمي وأعراضه وطرق العلاج؟    فيديو - أمين الفتوى يكشف عن دعاء فك الكرب وكيف تجعله مستجاباً    أستاذ بالأزهر يوضح حكم استخدام السبحة: إظهارها حرام شرعًا في هذه الحالة    مصادرة 1100 علبة سجائر أجنبية مجهولة المصدر في حملة ل «تموين العامرية» (صورة)    ربيع الغفير خطيبًا.. نقل شعائر صلاة الجمعة بعد قليل من الجامع الأزهر    أميرة أديب تطلق أغنية "أحمد" من ألبومها الجديد    غلق كلى لشواطئ الإسكندرية بسبب اضطراب حالة البحر    نجم الزمالك السابق يكشف سر تصدر الفريق للدوري    تشجيعاً لممارسة الرياضة.. نائب محافظ سوهاج يُطلق ماراثون "دراجو سوهاج" بمشاركة 200 شاب وفتاة    دونجا: عبدالقادر مناسب للزمالك.. وإمام عاشور يمثل نصف قوة الأهلي    أسعار المستلزمات المدرسية في قنا 2025: الكراسات واللانش بوكس تتصدر قائمة احتياجات الطلاب    افتتاح الملتقى الدولي التاسع لفنون ذوي القدرات الخاصة بحضور 3 وزراء    صحة غزة: 800 ألف مواطن في القطاع يواجهون ظروفا كارثية    ملك وملكة إسبانيا يفتتحان إضاءة معبد حتشبسوت فى الأقصر.. صور    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    وزير الخارجية: نسعى لتعزيز التعاون المصري-السعودي لمواجهة التحديات الإقليمية    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    الاتحاد الأوروبى يسعى للحصول على أغلبية لتوسيع العقوبات على إسرائيل    %56 منهم طالبات.. وزير التعليم العالي: المنظومة تضم حاليًا ما يقرب من 4 ملايين طالب    قبل ساعات من انطلاق العام الجامعي.. جامعة القاهرة تتزين لاستقبال طلابها (صور)    أفكار تسالي للمدرسة.. اعملي الباتون ساليه بمكونات على قد الإيد    عمرو يوسف: مؤلف «درويش» عرض عليّ الفكرة ليعطيها لممثل آخر فتمسكت بها    التعليم: حملة موجهة من مراكز الدروس الخصوصية لإبعاد الطلاب عن اختيار البكالوريا    زلزال بقوة 7.8 درجة يهز منطقة كامتشاتكا الروسية    أسعار الذهب اليوم الجمعة 19 سبتمبر في بداية التعاملات    طريقة عمل الناجتس في البيت، صحي وآمن في لانش بوكس المدرسة    سعر الموز والتفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 19 سبتمبر 2025    أمينة عرفي تتأهل إلى نهائي بطولة مصر الدولية للإسكواش    واشنطن تجهز مقبرة «حل الدولتين»| أمريكا تبيع الدم الفلسطيني في سوق السلاح!    حي علي الصلاة..موعد صلاة الجمعة اليوم 19-9-2025 في المنيا    بعد رباعية مالية كفر الزيات.. الترسانة يقيل عطية السيد ويعين مؤمن عبد الغفار مدربا    رحيل أحمد سامى وخصم 10%من عقود اللاعبين وإيقاف المستحقات فى الاتحاد السكندري    الدفعة «1» إناث طب القوات المسلحة.. ميلاد الأمل وتعزيز القدرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة نجاح محمد علي في تصنيع مصر
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 12 - 2010

كتب القنصل البريطاني بورنج‏Bowring‏ في عهد محمد علي يقول في تقرير له إن الوالي قال له‏:‏ كان لكم أنتم‏(‏ إنجلترا‏)‏ بداياتكم مثلما كان لي‏,‏ وكانت مكلفة بالنسبة لكم مثلما هي بالنسبة لي‏.‏ وأنا لا أتوقع أن أبدأ بالكثير من النجاح‏,‏ لكني سوف أنجح شيئا فشيئا‏.‏ والواقع أن مشروع محمد علي لتصنيع مصر كان سبقا حقيقيا‏,‏ حين لم تكن الصناعة الآلية والبخار معروفة علي نطاق واسع في أوروبا‏,‏ إلا في بريطانيا وحدها تقريبا‏,‏ أو بريطانيا وفرنسا‏,‏ بينما تأخرت في بقية أوروبا إلي أواسط وأواخر القرن‏,‏ كما أوجز جمال حمدان‏.‏
وكان الكثير من مصانع محمد علي باشا علي مستوي أرقي الصناعات المماثلة في أوروبا‏,‏ وكان المراقبون الأوروبيون يدهشون لتفوق الصناعة المصرية الآلية الكبيرة‏,‏ التي أسسها محمد علي‏.‏ فقد كانت محاولة تصنيع مصر آنذاك طفرة حقيقية اتسعت لعديد من خطوط الصناعة الحديثة‏,‏ الآلية واليدوية‏,‏ العسكرية والمدنية‏,‏ واعتمدت علي قوة البخار كما علي القوي المحركة التقليدية‏,‏ بل وأنتجت أدوات الصناعة وحتي الآلات البخارية نفسها‏,‏ وانتشرت انتشارا واسعا عريضا في الأقاليم والمدن الإقليمية‏,‏ ولم تقتصر علي العاصمة أو العاصمتين‏,‏ القاهرة والإسكندرية‏.‏
وتبين عفاف مارسو في بحثها الرصين المنشور في كتابها مصر في عهد محمد علي‏,‏ أن محمد علي بمشروعه لتصنيع مصر‏,‏ وبتطوير الري‏,‏ والتوسع في إنتاج محاصيل التصدير‏,‏ وتمصير الجهاز الإداري‏,‏ قد رسم الخطوط العريضة للدولة الحديثة في مصر‏.‏ وكانت المصانع الجديدة التي ذكرها الجبرتي عام‏1816‏ تمثل أولي المحاولات لنشاط الأعمال‏(‏ البيزنيس‏)‏ واسع النطاق‏.‏ وكان الهدف من إقامته للصناعة الحديثة توفير بديل للسلع المستوردة‏,‏ وانتاج سلع جديدة مصنعة من مواد أولية محلية يمكن بيعها محليا أو تصديرها علي السواء‏.‏ ورغم هذا فقد كانت أول سلع يتم تصنيعها هي تلك التي لها إمكانيات تصديرية‏,‏ إن لم يكن في اتجاه أوروبا‏,‏ ففي اتجاه الامبراطورية العثمانية علي الأقل لتحقيق فائض في الميزان التجاري‏.‏
وجاء التوسع في المنسوجات القطنية في وقت حدوث توسع مشابه في انجلترا‏,‏ حيث تفجرت الثورة الصناعية علي أساس هذه السلعة ذاتها‏.‏ وكان الخبراء والتجار الأجانب في مصر قلقين إزاء المنافسة المصرية للمنتجات الاوروبية‏,‏ وقد أقر روسيل‏Roussel‏ بأن محمد علي أراد أن ينشئ مصانع في بلده حتي يتمكن ذات يوم من أن يستغني عن المنتجات الأجنبية‏,‏ وأنه خلال سنوات قلائل سوف توجه مصانع الحرير التي أنشئت في مصر ضربة مميتة إلي مصانع إيطاليا‏,‏ وحتي إلي مصانعنا نحن‏.‏
واستهزأ القنصل الفرنسي دروفيتي من هذا المشروع غير المعقول الذي يريد أن يحول إلي الصناعة أمة تكمن مصالحها الأساسية في الزراعة‏.‏ وكانت دعواه أنه من خلال التصنيع‏,‏ إما أن ينتج الباشا منسوجات بصورة أكثر تكلفة من النوعيات الأوروبية لأنه سيحتاج إلي خبراء أجانب ليشرفوا علي المصانع‏,‏ وإما أن يعتمد علي الوطنيين الذين لن يكونوا إلا مقلدين‏,‏ ولن يصبحوا أبدا أكفاء للمنافسة الأوروبية التي سوف تجد وسائل جديدة لتقدم الأكثر جمالا بالأسعار الأرخص‏.‏
وقد تناسي دروفيتي أن كل الأقطان الأوروبية قد نسخت التصميمات الشرقية‏,‏ وبذلك تكون أوروبا هي المقلدة‏.‏ وكانت التكنولوجيا آنذاك بسيطة‏,‏ وكان يمكن نسخها بسهولة واستخدامها بواسطة عمال غير شديدي المهارة‏,‏ كما كان الحال بالنسبة لعمال المصانع البريطانية ونظرائهم المصريين‏.‏ وقد تجاهل دروفيتي أن كلا من فرنسا وبريطانيا قد استخدمتا تعريفات حمائية لإعانة صناعاتيهما الوليدتين‏,‏ وهو ما أدركه وطبقه محمد علي‏,‏ بأن فرض إجراءات حظر تبقي صناعاته قادرة علي المنافسة‏.‏ وعلي العكس من بريطانيا التي لم تكن تملك المادة الخام‏,‏ كانت مصر تملكها‏,‏ وكان لدي مصر كذلك عمالة رخيصة وسوق مقيدة‏.‏
وفي المحصلة اضطر القنصل البريطاني بورنج‏Bowring‏ للاعتراف بأن مصانع الأقمشة القطنية المصرية قد أضرت بالصادرات البريطانية المثيلة‏.‏ وفي حين ذكر القنصل البريطاني كامبل أن محمد علي سوف يربح كثيرا بتدميرها‏(‏ المصانع‏)‏ واستيراد كل المصنوعات من أوروبا‏,‏ فقد كتب في عام‏1830‏ إلي وزير خارجيته‏,‏ قائلا إن الصادرات المصرية تزيد أربعة أضعاف عن الواردات‏,‏ مضيفا أن الاحتكارات كانت ثقيلة‏,‏ علي المصدرين وحدهم‏,‏ الذين لم يكن في استطاعتهم تحقيق ربح نتيجة لاحتكار الحكومة‏.‏
وعندما رفضت الدول الأوروبية بيع السفن والأسلحة اللازمة‏,‏ شجع محمد علي أصدقاءه وأقاربه للاستثمار في الأسلحة والسفن لحسابه‏,‏ وما إن كانت المدافع والبنادق ومدافع الميدان والقذائف تشتري حتي يتم نسخها علي الفور‏.‏ وكان محمد علي يأمل‏,‏ كما يقول دروفيتي أن يكون لهذا البلد أقل احتياج ممكن للمنتجات الأجنبية‏,‏ وأن يصبح قادرا علي إمداد جيرانه بمثل هذه المنتجات‏.‏ وعلي الرغم من أن البضائع المصنعة في مصر ربما كانت ذات جودة منخفضة مقارنة بتلك المصنعة في فرنسا وانجلترا‏-‏ وهو أمر ليس مؤكدا بأي حال من الأحوال‏-‏ إلا أنها كانت تتمتع بأسواق ضخمة في مصر وفي الأقاليم المفتوحة في الحجاز والسودان‏,‏ ثم في سوريا‏,‏ بعد ذلك‏.‏
وسجل بورنج أن محمد علي قد أبلغه أنه كان يقيم مصانعه من أجل أن يتعود الناس علي الصناعة‏,‏ أكثر من كونها من أجل أي ربح مباشر متوقع‏.‏ كما برر إجراءات الحظر الحمائية التي اتبعها بأن أشار إلي أن هذا النظام نفسه كان متبعا في انجلترا وفرنسا‏.‏ وذكر بورنج أن بعض مصانع الباشا ذات أثر ضار علي مبيعات المصنوعات القطنية الانجليزية‏.‏
وقد تدافع علي مصر‏,‏ بعد عام‏1815,‏ عدد من الفرنسيين الذين كانوا يعملون في الجيش أو كانت لهم ميول بونابرتية بحثا عن عمل يتعيشون منه‏,‏ وتم استخدامهم ليعلموا المصريين التكنولوجيا‏,‏ وليقوموا بتدريب الجيش علي الأساليب الغربية‏,‏ وليديروا وينشئوا المصانع‏.‏ وقد رفض محمد علي في البداية أن يصدق أن المصريين يمكنهم أن يكونوا أي شئ إلا فلاحين أو عمالا صناعيين‏,‏ ولهذا فقد كانت أول مجموعة من الطلبة أرسلت للدراسة في الخارج من الأتراك‏,‏ مثل عثمان نور الدين‏,‏ الذي بعث في عام‏1809‏ الي بيزا وليفورنو‏,‏ بناء علي اقتراح بوكتي‏,‏ لدراسة العلوم العسكرية وبناء السفن والطباعة والهندسة‏.‏
وفي عام‏1815,‏ كما سجل الجبرتي‏,‏ قام مصري هو حسين شلبي عجوة باختراع آلة لضرب الأرز بسطت كثيرا من هذه العملية‏,‏ فقال محمد علي يبدو أن لدي المصريين استعدادا للعلوم‏.‏ وهكذا فان المصريين‏,‏ الذين كانوا يشغلون المراكز الثانية في القيادة‏,‏ صاروا يدربون ليحلوا محل الأجانب‏.‏ وأمر محمد علي بأن يجمع عدد من المصريين وبعض من مماليكه في مدرسة سميت المهندسخانة‏,‏ أي مدرسة الهندسة‏,‏ وهنا تلقوا العلم علي أيدي عدد من الأوروبيين‏.‏ وفي عام‏1828‏ أرسل عشرة مصريين إلي أوروبا لتعلم الميكانيكا‏.‏ وفي عام‏1831‏ أنشئت مدرسة للخيالة والمدفعية والمشاة والعلوم البحرية‏,‏ ثم إنشئت مدارس فنية للذخائر الحربية والتعدين والهندسة والكيمياء التطبيقية وفنون وحرف الإشارة والري والترجمة والزراعة واللغات والطب والصيدلة ورعاية الأمومة والطب البيطري‏,‏ وفي هذه وغيرها من المدارس جري تعليم وتدريب النخبة الوطنية‏,‏ المدنية والعسكرية‏,‏ للأمة المصرية الحديثة‏.
[email protected]

المزيد من مقالات د‏.‏ طه عبد العليم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.