يتوقع المراقبون الدوليون أن تشهد اعمال قمة كانكون للمناخ اطلاق مجموعة من المبادرات والدعوات المنادية بالتحرك العالمي السريع للتوصل الي اتفاق دولي متوازن وملزم لمواجهة مضاعفات التغير المناخي ولحماية الارض. وتحاول الدول العربية والمجموعات الإفريقية الدفع بالمفاوضات الحالية للخروج بتصريحات يجري تطبيقها بالفعل علي أرض الواقع خاصة فيما يتعلق بالتمويل السريع قصير الأجل والتي تضمنتها' وثيقة كوبنهاجن' ديسمبر الماضي, والعمل علي تفعيل آلية من خلال برامج التكيف لمكافحة اندثار الغابات وتدهور البيئة في تقليل الانبعاثات الضارة. وهو ما عبر عنه وزير الخارجية أحمد أبوالغيط في تصريحات سابقة' ان افريقيا تتطلع للحصول علي حقها من التمويل اللازم لمكافحة تغير المناخ, وان جميع الدول المانحة تقربتأثر افريقيا الشديد وتبدي التعاطف معها'. في حين حذر لوك نياكادجا الأمين التنفيذي لاتفاقية الاممالمتحدة لمكافحة التصحر من' ان اللقاءات الدولية حول البيئة لم تتطرق الي آثار التصحر بل تركز اهتمامها وبشكل كبير علي الاحترار المناخي وإزالة الغابات الاستوائية, بينما يجب أن يكون التصحر إحدي الاولويات باعتباره من التحديات الاستراتيجية التي ستواجه افريقيا والمنطقة العربية, حيث ستطال هذه الظاهرة نحو41% من الاراضي الافريقية, كما يعاني ثلث سكان العالم( مليارا شخص) من التصحر'. وقال' إن مكافحة التصحر من اكثر المجالات قدرة علي خفض معدلات الفقر فزيادة المحاصيل بنسبة10% فقط قادرة علي الحد من الفقر بنسبة6%. ويأتي موقف المجموعة الافريقية و مجموعة الدول النامية والمكونة من(43) دويلة جزرية صغيرة معبرا عن مطالبها في ألا يتجاوز الارتفاع المتوقع في درجات الحرارة درجة ونصف الدرجة المئوية لأن تجاوز ذلك الحد يعرض تلك الدول لأخطار' خطيرة' علي صعيد تغير المناخ. وأمام هذه التحديات اجمع الخبراء والمحللون الدوليون علي ان ازمة المناخ اكثر تعقيدا وتكلفة من الازمة المالية العالمية إذ أن ارتفاع درجة حرارة الارض ما بين درجة واربع درجات يكلف دول الجنوب وعلي المدي المتوسط مابين1.5 و2 تريليون دولار. وتتحفظ مصر علي المقترحات الصادرة من بعض الدول الصناعية الكبري بشأن قضية تغير المناخ وتقول السفيرة ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للشئون الاقتصادية الاسبق' ان بروتوكول كيوتو مهم بالنسبة للدول النامية فهو احد الاتفاقيات التي نجحت فيها هذه الدول في إلزام الدول المتقدمة بخفض الانبعاثات لديها وتقديم الدعم الكافي لمواءمة اوضاعها بما في ذلك نقل التكنولوجيا المتقدمة والنظيفة اليها و بشروط ميسرة'. وبالتالي تري الدول النامية ان مواصلة المفاوضات يجب ان تتم في إطار الاتفاق علي فترة التزام ثانية لبرتوكول' كيوتو' الذي من المقرر ان ينتهي العمل به في2012. في حين قالت واشنطن' إن محادثات2010 ستبني علي اساس اتفاق كوبنهاجن غير الملزم في الحد من ارتفاع حرارة كوكب الارض( بما لايتجاوز درجتين مئويتين) وان هذا الاتفاق جاء بتأييد نحو136 دولة تمثل حوالي80% من مجمل الانبعاثات العالمية. لكن بكين رجحت الاسترشاد بالنصوص التي وضعتها الاممالمتحدة منذ اجتماع' بالي' بإندونسيا عام2007 هذا علي الرغم مما لحق هذه النصوص من اختلافات. وتعتقد الدكتورة ماجدة شاهين أن اتجاه الدول النامية ومن بينها مصر إلي تضييق دائرة المفاوضات في مجموعات صغيرة ذات المصلحة الواحدة ضرورة للوصول الي نتائج ايجابية, محاولة للتقدم بخطوات متأنية ومتواضعة في المجالات المختلفة والبناء عليها لدفع المحادثات قدما الي الأمام في كانكون وما بعدها, وللتوصل الي توافق دولي مستقبلا. ويتفق وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيط مع هذا المنحي حين قال'إن إستمرار العلاقة المباشرة بين مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الافارقة المعنيين بتغير المناخ والمجموعة الافريقية ضرورة لضمان التمثيل الكامل لمصالح جميع دول إفريقيا والاستفادة من المساهمة الفعالة لجميع الدول في تعزيز الموقف الافريقي خلال مؤتمر الاطراف في كانكون'. بيد أنه قد لا تتوافر مؤشرات اكيدة تنم عن أنه قد يمكن إحراز تقدم لحل المشكلات الرئيسية والقائمة حاليا, والتوصل الي اتفاق بعد بروتوكول' كيوتو' اليابان لعام2012 بعد اخفاق التوقعات بشأن التراجع وبنسب كبيرة لانبعاثات الوقود الاحفوري وتقليل الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات الاستوائية بسبب الازمة المالية العالمية. اما الدكتورة ماجدة فتوضح ان ثمة اولويات اخري للمفاوضات الحالية بالنسبة لموقف الولاياتالمتحدة التي لن تكون اكثر إقداما او سهولة في كانكون, في ضوء الخسارة التي مني بها الحزب الديمقراطي الامريكي بزعامة باراك اوباما في انتخابات التجديد النصفي الي جانب الموقف المعارض من قبل الجمهوريين لاتفاقية المناخ. وربما قد يؤثر ايضا عدم وجود قانون امريكي لخفض انبعاثات الغازات الدفينة المؤدية الي إرتفاع درجة حرارة الارض علي خطط جمع ال100 مليار دولار سنويا والتي تم التعهد بها بحلول عام2020 لمساعدة الدول النامية والفقيرة علي مواجهة تغير المناخ. الا انها عادت وقالت' لقد ظلت الولاياتالمتحدة13 عاما خارج نطاق مفاوضات تغير المناخ مما زاد الامر سوءا خلالها. لذا يسود انطباع لدي الكثيرين من المهتمين بهذه القضية بأن العالم قد يخسر' معركة المناخ' في منتجع كانكون, وبذلك فان المجتمع الدولي مقبل علي' تسونامي المناخ' وهو ما اوضحه العلماء في ابحاثهم بان التغير المناخي سيؤدي الي نزوح السكان في المناطق المعرضة لارتفاع منسوب البحر وبشكل خاص في افريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق آسيا فضلا عما سوف يشهده العالم اجمع من نقص حاد في مصادر المياه العذبة واستنزاف التنوع البيولوجي واندثار الكائنات الحية. وهو ما اعترف به الامين العام للامم المتحدة' بان كي مون' في المؤتمر الصحفي الشهري اغسطس الماضي الذي عقد بمقر المنظمة بجينيف' بانه غير متفائل للتوصل الي اتفاق دولي وشامل في ديسمبر, وانه من الافضل ان تقوم الولاياتالمتحدة بدور قيادي في التوصل الي اتفاقية لمكافحة الاحتباس الحراري وان ترفع الدول الكبري من مستوي طموحاتها محذرا من أن نتائج الفشل ستكون وخيمة' وفي سياق مماثل استخلص علماء المناخ ان المنطقة العربية من اكثر المناطق في العالم المهددة وبقوة بانعكاسات تغير المناخ علي الرغم من أن هذه المنطقة تسهم بنحو5% فقط من انبعاثات الغازات الدفينة المسببة للتلوث والاحتباس الحراري. ويري العلماء الأمر بصورة مختلفة تتمثل في ندرة الموارد المائية وانخفاض سقوط الامطار بنسبة قد تصل الي30% وارتفاع درجات الحرارة4 درجات مئوية عن المعدل الحالي مع زيادة فترات الجفاف واتساع المساحات الصحراوية وارتفاع سطح البحر وغمر المناطق الساحلية الطويلة في العالم العربي إلي جانب تلوث المياه الجوفية بمياه البحر مما قد يؤدي الي التدهور في خصوبة الاراضي الزراعية, في حين تشكل حاليا المناطق الجافة وشبه الجافة نحو90% من مساحة المنطقة العربية, هذا فضلا عن افتقار نحو45 مليون عربي إلي المياه النظيفة والخدمات الصحية المأمونة. وثمة خطر يهدد العرب وهو الزيادة السكانية المطردة التي قد تكون عاملا غير مساعد في توازن الطبيعة وبشكل كارثي مع انخفاض فرص العمل في المناطق الريفية وما يصاحبها من زيادة الهجرة من الريف الي المدن الكبري, وزيادة المجموعات السكانية المحرومة من الخدمات الاساسية التي قد تشكل في المستقبل مصدرا للقلاقل وعدم الاستقرار اجتماعيا واقتصاديا خصوصا في الدول ذات الكثافة السكانية العالية. ويبقي التساؤل الآتي: ماهي القدرات المتاحة لمواجهة الأزمات البيئية وإعداد برامج التكيف المناسبة واعتماد العمل الجماعي المكثف لضمان الحفاظ علي استمرارية مصادر المياه والغذاء للشعوب بعدما نبه إلية علماء الفلك والبيولوجيا وإخصائيو المناخ عن غياب معلومات علمية وافية طويلة الأمد لكثير من التأثيرات والأخطار المحتملة علي توازن الطبيعة بشكل عام.