تراجع أسعار الذهب بعد محادثات ترامب وزيلينسكي    وزير الزراعة: أسعار البيض تراجعت بشكل كبير.. ولدينا اكتفاء ذاتي من الدواجن    استنفار أمني على الحدود اللبنانية السورية... وتصعيد سياسي من «حزب الله»    سر غياب مصطفى فتحي عن مباراة بيراميدز والمصري    خالد ديوان: ناشئو اليد كسروا "عقدة اللحظات الأخيرة".. ونعمل وفق سيستم ثابت    بيكهام يقيم وضعه مع الأهلي حتى يناير القادم    فليك يضغط على إدارة برشلونة لتسجيل جيرارد مارتن    دينيس زكريا يرفض عرضين من أهلي جدة    الأرصاد الجوية: عودة الارتفاع في درجات الحرارة.. والرطوبة تواصل تأثيرها    محامي أسرة سفاح التجمع: نطالب بتعويض مادي في حالة تشابه الفيلم بالقصة الحقيقية    ضياء رشوان: 768 صحفيا أجنبيا زاروا رفح والعريش منذ أكتوبر 2023 لتغطية الأحداث    كلمة طفلة فلسطينية بمستشفى العريش تثير إعجاب وزير الخارجية ورئيس الوزراء الفلسطيني    ما علاج الفتور في العبادة؟.. أمين الفتوى يجيب    سقوط سائق "توك توك" خالف المرور وسار عكس الاتجاه في الإسكندرية    وكيل تعليم الفيوم يناقش آليات لجنة الندب والنقل مع إدارة التنسيق العام والفني بالمديرية    "تموين الإسكندرية" تضبط أسمدة زراعية مدعمة قبل تهريبها للسوق السوداء    قبول طلاب المرحلة الثانية بالثانوي العام في سوهاج بحد أدنى 233 درجة    مصر تتصدر نمو السياحة الإقليمية في الربع الأول من 2025    «درويش» يشعل شباك التذاكر.. 12.5 مليون جنيه في 5 أيام    «بحر الهوى مشواره طويل» فرقة الطور تتألق على مسرح الشيخ زايد على أنغام السمسمية    نيشان مع شام الذهبي بكواليس حفل أصالة في بيروت    بينهم نتنياهو.. تفاصيل استدعاء مراقب إسرائيل العام مسئولين لبحث إخفاقات 7 أكتوبر    هل يجوز قضاء الصيام عن الميت؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى: تركة المتوفاة تُوزع شرعًا حتى لو رفضت ذلك في حياتها    «الرقابة الصحية»: الإسكندرية مؤهلة لتكون نموذجًا رائدًا في تطبيق التأمين الصحي الشامل    نقل مباراة الأهلي وبيراميدز إلى السلام بعد غلق استاد القاهرة الدولي    قبل لقاء زيلينسكي وقادة أوروبيين.. ترامب: حرب روسيا وأوكرانيا هي حرب بايدن «النعسان»    محافظ الوادي الجديد يتفقد تقدم أعمال إنشاء مدرسة المتفوقين STEM    المسلماني ونجل أحمد زويل يزيحان الستار عن استديو زويل بماسبيرو    الخارجية الفلسطينية تدين قرار الاحتلال الإسرائيلي التعسفي بحق الدبلوماسيين الأستراليين    سعر الفضة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025.. بكم الإيطالي الآن؟    جنايات الفيوم تبرء عامل من تهمة حيازة مخدرات وسلاح أبيض    الأعلى للإعلام: انطلاق الدورة التدريبية رقم 61 للصحفيين الأفارقة من 18 دولة    جوارديولا يثير الشكوك حول مستقبل نجم مانشستر سيتي    وسيلة رقمية لمواجهة الجريمة ب«عقول اصطناعية».. ما هو مركز العمليات الأمنية الجديد؟ (فيديو)    تمكين الشباب.. رئيس جامعة بنها يشهد فعاليات المبادرة الرئاسية «كن مستعدا»    هل المولد النبوي الشريف عطلة رسمية في السعودية؟    البحوث الفلكية : غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    موعد إعلان نتيجة تقليل الاغتراب 2025 لطلاب المرحلتين الأولى والثانية    هل يتم تعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا ؟.. اقتراح جديد في البرلمان    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    إزالة 53 حالة تعد على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة بالبحيرة    اختبارات للمرشحين للعمل بالأردن في مجالات الزراعة.. صور    إجراء فحص طبى ل907 مواطنين خلال قافلة طبية مجانية بقرية الحنفى فى بلطيم    الداخلية تكشف ملابسات مشاجرة بعصى خشبية أمام محل تجاري في الإسكندرية    رئيس "الوطنية للانتخابات" يزور النيابة الإدارية: خط الدفاع الأول ضد الفساد المالي والإداري    يعالج الكبد الدهني في هذه الحالة فقط- "FDA" توافق على دواء جديد    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    وزير الأوقاف ينعى صابر عبدالدايم العميد الأسبق لكلية اللغة العربية    الأحد.. إعلان تفاصيل الدورة 32 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    أسعار البيض اليوم الإثنين 18 أغسطس في عدد من المزارع المحلية    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء    نشرة أخبار ال«توك شو» من «المصري اليوم».. متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن سرقة الأعضاء البشرية.. أحمد موسى يكشف سبب إدراج القرضاوي بقوائم الإرهاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرض الماء والعطش يطالبون العرب بالمساعدات الطبية

المياه هي سر اهتمام مصر بجنوب السودان‏...‏ عبارة لابد وأن تتردد أمامك كثيرا طالما كنت مصريا في جنوب السودان‏. والحقيقة أن مياه نهر النيل تمثل رابط قوي لمصر ليس مع الجنوب فحسب وإنما مع الشمال أيضا وكذلك مع سبع دول أخري‏,‏ ولكن المصريون يكنون مشاعر خاصة نحو السودان‏,‏ فهناك رابطة أقوي من الماء إنها رابطة الدم التي جمعت ما بين آلاف المصريين والسودانيين ما بين نسب ومصاهرة وحروب مشتركة ضد المعتدين منذ فجر التاريخ‏.‏
الصورة تتضح أكثر عندما نزور الجنوب ونري بأنفسنا الدور المصري فهناك المدارس المصرية والمستشفيات المصرية والعيادة المصرية ومحطات الكهرباء التي تنير مدن الجنوب والقوات المسلحة المصرية التي تعمل تحت لواء الأمم المتحدة وتقوم بدور إنساني رائع في آبيي‏,‏ وفرع جامعة الإسكندرية التي مصر بصدد إنشاءها هناك‏.‏
الدور المصري الواضح في الجنوب لا تلعبه الحكومة المصرية فحسب وإنما المصريين العاديين من شباب وعمال ومهندسين ورجال أعمال‏.‏
وتعالوا نتعرف معا علي مصر في جنوب السودان‏.‏
منذ اللحظة الأولي في الجنوب ستلتقي بمصريين بداية من طاقم الضيافة في شركة الطيران الداخلي التي تنقلك إلي جوبا‏,‏ وإذا فكرت في الإقامة في أحد أشهر الفنادق هناك وهو فندق صحارا ستجد في قسم الاستقبال عبد العزيز أبن الريف المصري الذي أختار بمحض أرادته العمل في جوبا بدلا من القفز في مراكب الموت المطاطية التي يمكن أن تحمله إلي أعماق مياه المتوسط بدلا من إيطاليا‏,‏ ستلتقي بمحمد الصعيدي الذي سافر هناك مع رجل الأعمال اللبناني وعندما فر الأخير هاربا قرر الصعيدي البقاء وأستطاع أن يكتسب ثقة الجنوبيين والمستثمرين وأصبحت له سمعة جيدة ودخلا طيبا أيضا‏.‏
‏‏ المصريين أهمه
ستشعر بالفخر عندما تتعرف علي مهندسين شباب مصريين كانت لهم بصمات واضحة في اتصال الجنوب بالعالم عبر شركات المحمول فهم من يتولون تجهيز أبراج المحمول وبناءها وإعدادها للعمل ستعرف منهم كيف جابوا الجنوب شبرا شبرا وكيف عرفوه كما لم يعرفه أهله‏,‏ المهندس تامر عماد الذي احتجزته مياه الفيضانات أكثر من مرة وسط الأحراش والقبائل المتناحرة وهشام الذي كان عليه السفر إلي بلدة نائية وعندما لم يوافق أي صاحب سيارة أن يقله لهناك نظرا لوعورة المكان قرر السفر لعدة أيام وليالي بموتوسيكل صغير حتي يصل للمكان ويقوم بمهمته لتصبح البلدة وللمرة الأولي قادرة علي الاتصال بالعالم عبر المحمول‏,‏ أما المهندس علاء فقد أوقعه حظه العاثر أكثر من مرة تحت أيدي بعض القبائل المسلحة والميليشيات المتمردة وواجه الموت مرارا أثناء عمله‏.‏
هؤلاء الشباب كان يمكنهم العمل من خلال شركاتهم في بلاد أكثر استقرارا وسهولة في الحياة المعيشية مثل النيجر أو نيجيريا ولكنهم اختاروا السودان وجنوبه تحديدا لأنهم كما قالوا لي شعروا بأن السودانيين هم أقرب شعوب المنطقة قربا منا وحتي في الجنوب فإن لغة عربي جوبا تمكنهم من التفاهم بسهولة مع الكثيرين هناك‏.‏
‏‏ ذكريات حرب أكتوبر في الجنوب‏!‏
ومصر موجودة في قلوب الكثير من الجنوبيين حيث ستجد هناك العديد من المصريات اللاتي تزوجن من سودانيين واتخذن من الجنوب السوداني موطنا ثانيا لهم ومنهم عفاف التي تقيم في جوبا منذ أربعين عاما وأصبحت تتكلم وترتدي ملابسها علي الطريقة السودانية‏.‏
في الجنوب لابد أن تلتقي بمن يقول لك لقد حارب والدي أو عمي مع مصر ضد إسرائيل فمثلا شاكر وهو شاب سوداني تحدث عن ألمه بسبب هرب زوجته بأولاده إلي إسرائيل وقال لي لا أستطيع أن أتصور كيف حارب عمي ضدهم وأولادي يعيشون بينهم ويحملون جنسيتهم‏.‏
وعندما تلتقي بالفعل بمن اختلطت دمائه بدماء المصريين أثناء الحرب ضد إسرائيل ستدرك عمق العلاقة التي تربط بين الشعبين فجون ماجوت وهو كان من الهجانة في الجيش السوداني فقد شارك في حرب‏67‏ وتم أسره فيها‏.‏ كما شارك في الحرب ضد إسرائيل في لبنان عام‏78‏ أما إسماعيل جيمس فشارك في حرب‏73‏ وهو كان يحدثني عن ذكرياته في الحرب وكأنها حدثت بالأمس‏.‏
كما تحدثوا عن الرئيس مبارك كأحد أبرز قادة الحرب والأهم بالنسبة لهم أنهم لا ينسون أنه الرئيس العربي الوحيد الذي قام بزيارتهم بعد السلام‏.‏
الحقيقة أنني اخترت أن أتحدث عن هؤلاء قبل أن أتطرق إلي الدور المصري الرسمي لنلمس كيف أن الرابطة مع الجنوب‏-‏ تماما كما هي مع الشمال‏-‏ ليست علي المستوي السياسي فحسب إنما علي المستوي الإنساني أيضا‏.‏
‏‏ العيادة المصرية
إذا تحدثنا عن الوجود المصري علي المستوي الرسمي فلابد أن نبدأ من العيادة المصرية بجوبا وعنها قال رجل الأعمال المصري ممدوح سالم‏:‏ بعد أحداث المهندسين والتي أحدثت شرخا في نفوس بعض الجنوبيين بسبب التعامل الأمني الصارم مع الجنوبيين في ميدان مسجد مصطفي محمود كانت هناك شعور تحفز وضيق من البعض هنا ضد المصريين حتي أقيمت العيادة المصرية في جوبا والتي ساهمت كثيرا في رأب الصدع الذي حدث‏,‏ فتقريبا لا يوجد أحدا في جوبا لم يتردد علي العيادة والتي يديرها ويعمل بها طاقم طبي كامل من وزارة الصحة فلا يخرج الشخص حاملا لعلاجه ودوائه فقط وإما حاملا أثر المعاملة الطيبة هناك‏.‏ اتجهت إلي العيادة ففوجئت بالطوابير التي تصطف أمام الباب وعندما التقيت بمدير العيادة الدكتور عباس فقال لي هذا المبني الصغير صار يقدم خدمة كبيرة للجنوب حيث نكشف يوميا علي ما يزيد عن ثلاثمائة حالة ونقوم بعمل التحاليل والأشعة التليفزيونية اللازمة ونمنحهم الدواء ونظرا للسمعة الطيبة للعيادة طلبت عدد من القنصليات والهيئات الدولية التعاقد معنا ولكننا رفضنا ذلك لأن الحكومة المصرية عندما أنشئت العيادة كان الهدف هو خدمة الجنوبيين وليس الربح‏.‏
وفي عيادة الأطفال التقيت بالدكتور محسن الصادق الذي قال أنه يكشف علي حوالي‏150‏ حالة يوميا وهو عشر أضعاف العدد الذي يكشف عليه في عيادات مصر ولكنه أضاف نحن نشعر أن تعبنا قد زال عندما نجد نظرة التقدير في عيون الجنوبيين بعد شفاء أبناءهم فالجنوب لا تتوفر فيه خدمة صحية جيدة فأغلب العيادات الخاصة المنتشرة في الجنوب نجد من يعمل فيها ليسوا أطباء إنما مساعدي طبيب أو فنيون حيث تسمح الحكومة لهم بفتح العيادات لعدم وجود بديل يفي بكل الاحتياجات‏.‏
أما الدكتورة سعاد وهي طبيبة التحاليل في العيادة فتقول أن معمل التحاليل لا يوجد له مثيل في كل الجنوب فبجانب التحاليل المعتادة هناك تحاليل الهرمونات والإيدز والذي كان المريض يضطر للسفر إلي أوغندا أو الخرطوم لإجرائها‏.‏
أما الدكتورة الصيدلانية أماني فتشير إلي أن الحكومة المصرية تقوم بتوريد‏8‏ طن دواء للعيادة وذلك كل‏6‏ أشهر مراعية فيها الأمراض الأكثر انتشارا في الجنوب‏.‏
وليست العيادة هي المساهمة المصرية الوحيدة في جوبا ولكن هناك المدرسة المصرية وهي مدرسة ضخمة تم إنشاءها علي أطراف جوبا وهي موثقة بالكامل بما فيها غرف لإقامة المدرسين وبشكل أفضل حتي من بعض المدارس في مصر وعندما عبرت لناجي التهامي وهو أحد العامين في شركة المقاولين العرب والذي كان مشرفا علي بناء سور للمدرسة فقال لي لابد أن تكون المدرسة علي أحسن مستوي لتتناسب مع أنها تحمل اسم مصر‏.‏
وإذا كانت هناك إسهامات من دول عربية في جوبا مثل الكويت وليبيا فإن مصر تتميز بأنها اهتمت بالتنمية في مختلف الولايات وحرصت علي أن تقوم بها تحت أشراف شركاتها لتضمن إتمامها علي أحسن مستوي رغم المخاطر التي يتحملها المهندسون والعاملون في تلك المناطق ففي ولاية جونجلي أحد أكثر الولايات التي تشهد صراعات مسلحة تقوم مصر ببناء مدرسة في أحد المدن النائية وهي مدينة ورور حيث يقيم المهندس محمود والعاملين معه في ظروف قاسية حيث لا مياه نظيفة أو كهرباء إلا بالمولدات وحتي التليفون لا توجد وسيلة اتصال سوي‏(‏ الثريا‏)‏ أما في مدينة بور فبالقرب من مستشفي بور العام تقيم مصر مستشفي علي أعلي مستوي كما شرح لي المهندس أشرف عزت وهو يصطحبني في جولة بالمستشفي والتي ستضم التخصصات المختلفة ومكيفة بالكامل وفيها سكن للأطباء والممرضات وسيتم تجهزها بأحدث الأسرة والأجهزة الطبية ويضيف موضحا كان من المفترض أن نكون قد انتهينا من بناء المستشفي ولكن ظروف الاقتتال الدائر في الولاية قطع الطرق وجعلنا معزولين لعدة أشهر ولكننا سننتهي منها قريبا‏.‏
والحقيقة أننا حتي نتعرف علي أهمية تلك المستشفي يكفي أن نزور المستشفي العام لنري بأنفسنا كيف ينام المرضي علي الأرض ولا يقوم بمباشرة علاجهم سوي الممرض في ظل ظروف تلوث بنسبة‏100%‏ حتي في الجزء الخاص بمرضي الإيدز والمفترض أنه تحت أشراف اليونيسيف فإنك لا تستطيع الوقوف فيه لثوان من شدة التلوث ورائحة المرض والموت التي تحيط بالمكان حتي الأدوية تجدها ملقاة أمام المستشفي حيث يبدو إنها لم تجد العناية الكافية ففسدت في الشمس والحقيقة أنني سألت مدير مستشفي بور العام عن السبب في إلقاءها بهذا الشكل فقال أن المؤسسات الدولية تحضر لنا الأدوية قبل ميعاد انتهاءها بفترة قصيرة بالإضافة إلي أن معظمها لعلاج أمراض غير منتشرة في الجنوب لذلك يكون مصيرها كما رأيت‏.‏
مشروعات مصر في بور لم تنتهي بعد فهناك محطة كهرباء ستكون الأولي في ولاية جونجلي بأسرها لتكون بديلا عن المولدات الكهربائية التي لا يقوي علي شرائها سوي الأثرياء وهذه المحطة من المشروعات الهامة التي تنتظرها الولاية بفارغ الصبر وذلك كما أخبرني كوال مدينق حاكم الولاية وخصوصا بعد مشاهدة أثر المحطات الكهربائية الأخري التي أنشأتها مصر في مدنية‏(‏ واو‏)‏ علي سبيل المثال والتي شجعت بعض الشركات علي العمل والاستثمار هناك‏.‏
مصريين المهام الصعبة
منذ أن وصلت إلي الجنوب وجدت أن الجميع يتحدث عن القوات المصرية التي تعمل تحت لواء الأمم المتحدة في ولاية جنوب كردفان حيث تتولي مصر قيادة القطاع الرابع لقوات اليونيممس في السودان والذي يضم مراقبين من‏36‏ دولة‏.‏ ولأن تلك الولاية هي ولاية التماس ما بين الشمال والجنوب فإن هذا القطاع يقدم خدمات للجانبين الشمالي والجنوبي‏,‏ والحقيقة أنني منذ أن وصلت إلي كادوجلي شعرت بحميمية خاصة في حديث الأهالي معي بسبب الدور الإيجابي الذي تلعبه تلك القوات‏,‏ سمعت اسم العميد محمد أيمن قائد القطاع آنذاك يتردد أكثر من مرة أمامي سواء من المسئولين هناك أو من الناس العادية الذين يعتمدون علي المستشفي المصري بشكل أساسي في علاجهم والذي يعد أكبر مستشفي تابع لقوات حفظ السلام في الجنوب حيث تستقبل المستشفي حوالي‏10‏ ألف حالة كل شهر وتجري مئات العمليات الجراحية ويوجد بها طاقم طبي وتمريضي كامل من القوات المسلحة المصرية‏.‏
ولا يقتصر دور القوات علي هذا الجانب فقط ولكن هناك خدمات أخري تقدمها مثل توفير مياه الشرب للقري النائية حيث يستفيد السكان من ثلاثة أطنان من المياه يستخرجها القطاع يوميا من بئر شعير‏.‏ و قد ذكر لي بكر دلدوم عمدة أحد قبائل النوبة التي تقيم في المنطقة أن الخدمات التي تقدمها القوات المصرية تختلف عن التي تقدمها قوات الدول الأخري التي تعمل تحت لواء الأمم المتحدة في القطاعات المختلفة حيث تلمس الخدمات المصرية احتياجات الناس أكثر‏,‏ فهي تشارك في تمهيد الطرق كما قامت بإزالة الألغام التي كانت كثيرا ما تنفجر في المواطنين أوفي أبقارهم وكما علمت فإن القوات المصرية أزالت أكثر من‏122‏ ألف لغم من بين‏186‏ كانوا في المنطقة وهو ما لم تقوي عليه قوات الدول الأخري التابعة لحفظ السلام والموجودة في الأماكن الأخري المزروعة بالألغام‏.‏
‏‏ مصر في آبيي
والحقيقة أن زيارة القطاع الرابع تشعرك بالفخر بالدور المصري أما الأمر الذي فوجئت به هو أن القوات المصرية لديها وحدات تعمل منذ فترة وجيزة في منطقة آبيي وذلك في قطاع أخر والذي ترأسه القوات التابعة لزامبيا والمشاركة في قوات اليونيمس‏.‏
وبالطبع حرصت علي زيارتها وخصوصا بعدما تحدث معي الكثيرين عن ما قامت به‏,‏ فإدريس شهدي وهو مغربي يعمل مع الأمم المتحدة منذ خمس سنوات في السودان يشهد للمصريين ويقول لقد حققت القوات المصرية في آبيي إنجازا غير مسبوق دفع قائد اليونيمس العام لزيارة آبيي لشكرهم وللتعرف علي الكيفية التي أتموا به عملهم‏,‏ حيث قامت القوات المصرية بقيادة العقيد فتحي قرقورة والمقدم طارق بإزالة الألغام من المنطقة المحددة للقوات الدولية في وقت قياسي يقل بكثير عن المتعارف عليه من كل القوات المشتركة في قوات حفظ السلام‏,‏ بخلاف المستشفي التي تم إنشائها هناك والتي تقدم خدمات كبيرة لسكان آبيي المحرومين من أي تنمية بسبب الحروب الدامية والتي كانت مستمرة حتي العام الماضي‏.‏
والحقيقة أنك لابد وأن تشعر بالفخر وأنت تري الضباط المصريين يقدمون خدماتهم لأهل آبيي بطريقة أكثر إنسانية من العديد من المؤسسات الدولية التي تقدم المساعدات وذلك بشهادة الأهالي أنفسهم‏,‏ كما أنك لابد وأن تجتاحك مشاعر الحنين إلي مصر وأنت تشاهد المسلة والأهرامات المصرية التي تزين مدخل المعسكر والتي تقول أن الإنجاز الذي تحقق هنا صنع بأيدي مصرية‏.‏
‏‏ جامعة الإسكندرية في الجنوب
نياين دينج مالك السيدة الوحيدة التي استطاعت الفوز بمنصب الحاكم في ولايات الجنوب العشرة وذلك في الانتخابات الأخيرة حيث أصبحت حاكمة ولاية وراب وهي مسقط رأس الرئيس سيلفا كير وإذا كان اختيار سيدة في هذا المنصب هو مصدر فخر للجنوبيين فإننا لنا نصيبا من هذا الفخر فنياين خريجة جامعة الزقازيق ولديها مخزون ذكريات ضخم عن مصر‏,‏ عندما التقيت بها قالت لي لا أنسي أيام دراستي في جامعة الزقازيق فهناك كثير من الجنوبيين تعلموا هناك لدرجة أنهم قاموا بعمل رابطة باسم خريجي الزقازيق‏,‏ وتضيف نيايج هناك صعوبة بالغة في تعليم النساء بسبب الحرب وهو ما ترتب عليه أن‏90%‏ من الجنوبيات لم يتعلمن حتي الآن‏,‏ وتكمل حاكمة وراب والتي كانت تشغل من قبل منصب وزيرة التعليم في الولاية قائلة من أهم الأشياء التي أسعي لإتمامها بعد أن توليت منصبي هو افتتاح فرع جامعة الإسكندرية والمقرر إنشائه في الولاية‏,‏ أيضا أتمني أن أستطيع عمل اتفاقات في المجال الزراعي مع مصر فأنا لا أنسي شكل الأراضي الزراعية في الزقازيق وأعتقد أننا يمكن أن نستفيد كثيرا من الخبرات المصرية سواء حدث انفصال أم لا وعندما سألتها عن رأيها الشخصي في هذا الأمر فردت سريعا الانفصال هو الحل حتي يكون مصيرنا وقراراتنا في أيدينا‏.‏
الحلقة الأخيرة
الري المصري في الجنوب
قناة جونجلي
حقيقة التغلغل الإسرائيلي في الجنوب

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.