كان منتصف ليلة الخميس قبل الماضي علي موعد مع حادث سيارة الموت الطائشة التي حصدت أرواح12 شخصا وأصابت سبعة آخرين لم تأخذها بهم شفقة ولملم رجال الأمن بقايا أشلاء القتلي. وحاولت المستشفيات أن تداوي جروح المصابين إلا جرح حبيبة ابنة الثلاث سنوات والتي فقدت جميع أفراد أسرتها في الحادث المشئوم. وهي التي لم تكد تتعلم نطق كلمة بابا وماما. حتي حرمت منها للأبد.. فالطفلة الناجية الوحيدة من أسرتها لم تلتئم جراحها, ولا يستطيع لسانها الكلام ولكن عينيها تملأ الدنيا آلما وحزنا علي ما ألم بها, فعلي الرغم من براءة عينيها وملامح وجهها الطفولي فإنهما تحملان حزن عجوز أوشكت علي النهاية؟! وذاقت مرارة الأيام تكاد تصرخ من فرط حزنها: أين أهلي وأحبابي؟ أين من كنت أحتمي بأحضانهم من الآلم؟. بداية المآساة عندما أراد أحمد عبدالحي أن يذهب بأفراد أسرته إلي منزل والديه بمنطقة بشتيل ليزف إليهم خبر حصوله علي شقة كانت هي كل آماله وأحلامه بعد رحلة من العناء والتعب وهي عبارة عن حجرة وصالة40 مترا إلا أنه كان سعيدا لأن حلمه قد تحقق واستطاع أن يغلق علي أبنائه بابا للاطمئنان عليهم. فهو لا يملك من حطام الدنيا سوي أجره اليومي لأنه عامل بسيط بورشة جلود, وكل ما يتحصل عليه كل يوم هو خمسة عشر جنيها لا تكفيه لتناول الطعام وأفراد أسرته وعلي الرغم من ذلك كانت سعادته بالغة بزوجته الحنون وطفليه حبيبة وفهد. فكان يسكن في حجرة بها حمام مشترك ولضيق ذات اليد تركها وسكن فترة عند أهل زوجته وكانت سعادته بالغة عندما استطاع ادخار ألف جنيه هي مقدم إيجار شقة حجرة وصالة ويوم الخميس الأسود ذهب إلي أهله مصطحبا زوجته وطفليه ليخبرهم بحصوله علي شقة وطلب من والدته أن تأتي معه لتري شقته الجديدة. فقالت له إذهب أنت وأسرتك وسوف أحضر لكم غدا لتنجو من الموت ويرحل مع زوجته وطفله فهد ويترك حبيبة بها جرح أكبر من سنها, فقد أفاقت من غيبوبتها فلم تجد بابا أو ماما ولا فهد سوي جدتها العجوز التي بلغت من العمر60 عاماو التي رفضت أن تذهب معهم إلي رحلة الموت حتي تبقي الأنيس والجليس لحبيبة التي رقدت سبعة أيام في قسم8 طوارئ بقصر العيني تعاني ويلات الألم ما بين كسور بالأرجل وجروح وكسر بالنخاع الشوكي أفقدها الأحساس بالجزء السفلي من جسمها حتي تبرعت سيدة ثرية عربية بنقلها إلي مستشفي قصر العيني الفرنساوي لتجد رعاية أفضل ويتم إجراء العمليات الجراحية لها في أسرع وقت ولكن يبدو أن الأمر قد يطول وأن حالة حبيبة تحتاج لتضافر العديد من أصحاب القلوب الرحيمة فقد تحتاج للسفر إلي الخارج لاستكمال علاجها الذي ربما يستغرق وقتا طويلا. وهي التي لم يتبق لها من أسرتها سوي جديها لأبيها وهما يعيشان علي معاش الضمان الاجتماعي الذي لا يتعدي مائة جنيه, فهل يبتسم القدر لحبيبة.