بعد ثمانية وعشرين عاما من فوز الكولومبي جارثيا ماركيز بجائزة نوبل في الادب عام1982, لم تجد الاكاديمية السويدية مفرا منأ ن تمنح الجائزة لأحد ابرز الادباء في عالم الناطقين باللغة الاسبانية اليوم. لم يكن فوز ماريو فارجاس يوسا مفاجأة لاحد, فقد ظل الرجل منذ ثمانينات القرن الماضي علي رأس قوائم المرشحين لنيل تلك الرفيعة, أخطأته الجائزة سنوات وذهبت لمن كانوا اقل منه شهرة وتأثيرا, كان فوزه بمثابة رد اعتبار لادب امريكا اللاتينية بعد غياب طويل في عام1945 كانت جابرييلا ميسترال اول الفائزين من ادباء امريكا اللاتينية بجائزة نوبل شاعرة ومعلمة ودبلوماسية عالجت في اشعارها الحب والخيانة والحزن والطبيعة والهوية الثقافية لقارة قامت علي اعراق واجناس اوروبية وامريكية. وبعد ستة وعشرين عاما عادت الجائزة تطرق ابواب ادباء امريكا اللاتينية الجنوبية حينما فاز بها بابلونيرودا عام1971 ثم ماركيز واخيرا يوسا. خلال الفترة الممتدة بين عامي1901 و2010 منحت جائزة نوبل في الادب103 مرات لمائة وسبعة ادباء, اربعة منهم فقط ينتمون لادب امريكا اللاتينية الجنوبية فلا يزال التحيز النفسي الناتج عن تذوق الاوروبيين للادب الاوروبي يمارس تأثيره في اختيارات هيئة المحكمين ويمثل ادب امريكا اللاتينية حالة خاصة فهو يكتب في الغالب الاعم بواحدة من اللغات الاوروبية, وهو ايضا يردد صدي تأثير الادب والادباء الاوروبيين والامريكيين حتي ان الصحافة الاوروبية دأبت علي وصف اخر الفائزين بجائزة نوبل ماريو فارجاس يوسا بأنه بلزاك امريكا اللاتينية. أحد ابرز مايتميز به يوسا هو قدرته علي استخدام اساليب مبتكرة لتقديم صورة بديلة جميلة للعالم المعاش, ورغم تأثيره بتقاليد الاحتجاج الاجتماعي في ادب بيرو من التعريض بالفساد السياسي والتحيز العرقي والعنف, الا انه كان ملتزما بحقيقة ان الكاتب لايمكن ان يتحول الي الوعظ او ان يقايض علي اهدافه الفنية من اجل الدعاية السياسية والايديولوجية ارتبطت اعماله بمقاومة الاستبداد والطغيان الذي عانت منه امريكا اللاتينية طويلا, فتاريخ هذه المنطقة من العالم يبدو وكأنه سلسلة من الدكتاتوريات المقيتة كان يقول انني علي يقين من ان امريكا اللاتينية يمكن ان تتحولا الي ديموقراطية حقيقية بشرط ان يتم تحصين الغالبية العظمي من شعوبها والي الابد ضد فكرة بدائية غير عقلانية سائدة وهي ان الحكم مهمة لابد وان يتولاها سوبرمان او رجل خارق لم يتخل يوما عن إيمانه أن الأدب قوة يمكن ان تغير العالم, وتقدم اعماله الروائية والمسرحية والنقدية اعظم الأدلة والنماذج في مواجهة الذين يعتقدون ان الأدب يوجد فقط علي تخوم التاريخ ويعمل علي حدود السياسة, في المؤتمر الصحفي الذي عقده عقب فوزه بالجائزة سئل عما إذا كان الروائيون قد اولوا فهم سلطة الدولة اهتماما كافيا في اعمالهم, قال يوسا ان ادب أمريكا اللاتينية مهتم بالسلطة والسياسة وهذا امر لايمكن تجنبه, فنحن في أمريكا اللاتينية لدينا مشكلات اساسية لم تجد لها حلولا بعد, مثل الحرية والمؤسسات المستقرة والتسامح والتعايش والتنوع الثقافي, ولانزال نجر وراءنا ميراثا طويلا وبغيضا من السلطوية والوحشية في السياسة, ولذلك يبدو لي انه من الصعب علي أي كاتب في أمريكا اللاتنية ان يتجنب السياسة, فالمشكلات التي تواجهنا أكبر كثيرا من السياسة, فهي مشكلات اجتماعية ومدنية ومعنوية, اعتقد ان هذا هو السبب الحقيقي وراء ارتباط ادب أمريكا اللاتينية وانشغاله بقضايا السياسة, إنني اعتقد ان الادب هو تعبير الحياة, وانت لاتستطيع ان تجتث السياسة من الحياة. وحتي إذا كنت تعتقد ان السياسة في كثير من الحالات نشاط قدر يثير الاشمئزاز فالحقيقة هي اننا لانستطيع الحياة أو الكتابة دونها. نحو ثلاثين رواية ومسرحية ودراسة نقدية هي حصاد العمر الذي ناهز اليوم الرابع والسبعين,كتب عن بيرو أكثر مما عاش فيها تنقل في حياته بين بلدان كثيرة ولكن اعماله كلها تجري احداثها في بيرو التي لم ينقطع عنها, كان يعتبر نفسه مواطنا عالميا الأدب ينبغي ان يكون عالميا لايقع في اسر المحلية أو الإقليمية حتي لو كانت جذوره تمتد بقوة في مكان ما. كان يساريا في شبابه متعاطفا مع الثورة الشيوعية في كوبا, تحول إلي الاعجاب برأسمالية السوق الحرة, خاض معركة الرئاسة في بلاده عام1990 وخسرها ضد الرئيس السابق ألبرتو فوجبموري الياباني الاصل والذي هرب إلي اليابان عقب فضائح مالية ويقضي الآن عقوبة السجن. برز روائيا عقب نشر روايتهزمن البطل عام1963 التي تدور احداثها في الأكاديمية العسكرية التي كان طالبا بها, قدم صورة مصغرة من مجتمع بيرو, فالحفاظ علي سمعة الأكاديمية أهم كثيرا من التفتيش في مقتل احد المخبرين, متأثرا بسنواته البائسة في الأكاديمية العسكرية قدم تحليلا لفساد السلطة ودراما التمرد عليها, ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف جهوده عن رصد حاضر وماضي أمريكا اللاتينية في روايات تجمع بين التاريخ والسياسة, من هذه الروايات حرب نهاية العالم تحكي قصة التمرد علي الحكومة البرازيلية في اواخر القرن التاسع عشر والوحشية التي واجهت بها السلطات هذا التمرد, في هذه الرواية كما في غيرها من الروايات تحذيرات من الاسراف في التفكير المثلي الطوباوي, الموت في الإنديز, ودردشة في الكاتدرائية, والمنزل الأخضر, والحكاء, ووليمة التيس عن ديكتاتور جمهورية الدومينيكان والرجال الذين واتتهم شجاعة مقاومتها, وهي رواية يراها كثير من النقاد افضل عمل روائي عالج المقاومة والطغيان خلال نصف القرن الماضي. والي جانب اعماله الروائية نشر فارجاس يوسا عددا كبيرا من المقالات الادبية والسياسية, وظهرت مقالته في كبريات الصحف العالمية. مقالاته عن حرب العراق جمعها في كتاب اصدره عام2003 صحبته ابنته المصورة مورجانا في زيارة لاسرائيل والاراضي الفلسطينية عام2005 وسجل انطباعاته في كتاب اصدره عام2006 لقي كتابه ردود فعل متباينة في اوساط الجالية اليهودية في امريكا اللاتينية, قال يوسا ان اسرائيل قد اصبحت دولة تسيطر عليها غطرسة القوة وعلي اصدقائها المخلصين ان يوجهوا النقد قاسيا الي سياساتها الراهنة حظي ماريو فارجاس يوسا بالتكريم في اماكن مختلفة من العالم ونال العديد من الجوائز ولكنه يقول: ان الكتابة هي اعظم متعة لي في الحياة ولااستطيع ان اتصور انني أحظي بالتكريم والمكافأة من اجل الكتابة التي هي ولاأستطيع ان اتصور انني احظي بالتكريم والمكافأة من اجل الكتابة التي هي بحد ذاتها تكريم ومكافأة.