"كانت مفاجأة كبيرة حقا.. للحظة اعتقدت أن ذلك من الممكن أن يكون نكتة، لكني اعتقد أن الجائزة تشجيعا كبيرا واعترافا من العالم". هكذا صرح ماريو فرجاس يوسا حائز نوبل للآداب هذا العام بعد ساعات من تلقيه الخبر، الكاتب البيروفي والحاصل علي جائزة ثرفانتس عام 1995، يعد أول كاتب من أمريكا اللاتينية يفوز بجائزة نوبل بعد حصول الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز عليها في عام 1982، وأول كاتب باللغة الإسبانية بعد فوز المكسيكي أوكتافيو باث في عام 1990. وأضاف صاحب "حفلة التيس" في مؤتمر صحفي عقد بنيويورك: "اعتقد أن الأكاديمية السويدية بمنحي الجائزة لا تعترف بي أخيرا فقط بل لكن بأدب أمريكا اللاتينية ككل". بينما وصفه بيتر انجلند السكرتير الدائم للأكاديمية في تصريح لوكالة الأسوشيتد برس ب"حكواتي الموهوبين إلهيا". يعمل فرجاس يوسا حاليا أستاذا زائرا في الكتابة الإبداعية بمركز لويس للفنون بجامعة برنسيتون بنيو جيرسي، وقد منحته الأكاديمية السويدية الجائزة ل"أسلوبه في بناء السلطة وصوره الغنية لمعاني المقاومة والثورة والتمرد والهزيمة". وقد سأل خلال المؤتمر إن كان يعتزم استغلال خطبته في حفل تسلم الجائزة لتمرير تصريحات سياسية، فمن المعروف أن يوسا رشح نفسه للرئاسة في بيرو عام 1990، فرد: "صحيح لقد شاركت منذ فجر شبابي في النقاش السياسي، لكن استخدام الأدب كوسيلة لتعزيز المثل العليا السياسية هو أمر خطير حقا، بل بالغ الخطورة، لأن استخدام الأدب في الدعاية ينافي طبيعته، بإمكان الأدب الاستفادة من السياسة لكن يجب ألا تستغل السياسة الأدب، وإلا دمرته". وأضاف: "الأدب يحتضن تجربة أكبر بكثير من السياسة، إنه تعبير عن ماهية الحياة وأبعادها، والسياسة واحدة من أبعاد الحياة". بينما علق علي محاولته اعتلاء سدة الحكم: "كنت أحمقا وكانت فكرة ساذجة جدا، ومع ذلك تعلمت منها كثيرا، لم أكن أريد أن أصبح سياسيا، لكنه شعور بالتزام كاتب بواجبه في المشاركة في النقاش العام الدائر خصوصا في بلده". علي النقيض تماما من المفاجأة واسعة النطاق التي أحدثها فوز الألمانية هيرتا مولر بجائزة نوبل للأدب العام الماضي، لم يحظ فوز ماريو فرجاس يوسا - 74 عاما - بالجائزة هذا العام بنفس قدر الاستغراب، بعدما ظل علي قائمة ترشيحاتها لسنوات. وقد أعاد نيل يوسا لهذه الجائزة المرموقة التذكير بأدب جارسيا ماركيز وخوليو كورتازار وكارلوس فوينتس وغيرهم من أعضاء الموجة الجديدة في أدب أمريكا اللاتينية خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. أرسل فرجاس يوسا إلي المدرسة العسكرية في سن ال14 بعد أن فزع والده لاكتشافه شروع ابنه في كتابة الشعر، وبدلاً من أن يعيد الجيش الصواب للابن كما ظن الوالد، كانت المؤسسة العسكرية الملهم الأول والأكبر لموهبة هذا الكاتب، وكان الجيش في بيرو في وقت لاحق هو نفسه من أحرق آلاف النسخ من رواية إيوسا الأولي التي تتحدث عن فساد الجيش وعنوانها "زمن البطل" 1963. ومن وقتها اجتاز يوسا في شبابه ألوانًا من الطيف السياسي، من دعم الشباب في الثورة الكوبية إلي الترشح للمناصب الرئاسية حرة. وبعد ذلك انقلب علي مواقفه اليسارية ويفسر هذا السبب خلافه الشهير مع مجايله جابريل جارسيا ماركيز، إلي حد اعتداء يوسا بالضرب علي ماركيزعام 1976، وهي الواقعة التي التزم الاثنان الصمت بشأنها طوال ما يقرب من ثلاثين عاما، بينما أعادتها إلي الأذهان أحاديث النميمة علي بعض مواقع الإنترنت والمدونات وصفحات "التويتر" و"الفيس بوك" عقب إعلان الفوز. أما المثير هو ظهور تعليق علي التويتر الخاص بماركيز يقول بالإسبانية تعليقًا علي منح يوسا أخيرا نوبل للآداب: "الآن نحن معا"، ومع ذلك صرح مسئول من مؤسسة جارسيا ماركيز في كولومبيا بأن حساب التويتر هذا لا يخص الكاتب. الناشط السياسي في وطن مضطرب، كما تداول وصف يوسا إعلاميا لفترة، والذي ترجمت أعماله إلي 31 لغة بما فيها الصينية والكرواتية والعربية، ظل محتفظا بإعجاب أوساط النخبة في أمريكا اللاتينية بأدبه وكتاباته قبل أن يتحول من الفكر اليساري إلي رأسمالية السوق الحرةهذا ما وضعه في خلاف مع الكثيرين، منهم ساسة، كما حصل بخصوص خلافه مع الرئيس الفنزويلي اليساري هوجو شافيز، وكذلك رئيس كوبا فيدل كاسترو. وكل تلك المواقف السياسية المضطربة بدأت تقلل من شعبيته وشعبية أعماله بين النخب. لقد أطلق علي فرجاس يوسا لقب "زعيم الموجة الجديدة" من كتاب أمريكا اللاتينية، أو "الطفرة" التي حدثت في الكتابة الإبداعية في هذه البلاد فترة ال60، وكان فارجاس إيوسا أصغر كتاب تلك المجموعة التي ضمت عظماء مثل كارلوس فوينتيس. لكن شيئا فشيئا بدأ يوسا يوجه سهام انتقاداته الحادة إلي وطنه بيرو، وفضل الهجرة والعيش في الخارج فيما يشبه المنفي الاختياري. وإلي الحين يظل يوسا متنقلا بين لندن ومدريد وليما وبيرو مسقط رأسه. إلا أن هذا لا ينفي ماضي يوسا في هجومه - أدبيا - علي الفساد والنفاق في المجتمع البيروفي - نسبة إلي بيرو - ولا سيما قطاع الجيش، وهذا ما يفسر اهتمامه بالسياسة في أعماله، وارتكاز بعضها إلي فن الكوميديا السوداء. ومنها «البيت الأخضر» 1965 ، «محادثة في الكاتدرائية» 1969 ، و«حرب نهاية العالم» 1981. عن الكتابة عموما يشرح يوسا: "ما أحاول القيام به هو خلق عالم خاص كل ما فيه مقنعا علي جميع المستويات الثقافية والسياسية والاجتماعية وحتي الأفكار، استند في ذلك إلي صور روائية عميقة وإلي شخصيات تحركها الغرائز وملكة الحدس والعاطفة".