فوز ماريو فارجاس يوسا(74 عاما) بجائزة نوبل للأدب الأسبوع الماضي لم يكن بالمفاجأة في الأوساط الأدبية العالمية التي كانت تري أنه كان جديرا بها منذ سنوات. إلا أن مواقف يوسا السياسية المعلنة و التي كان يدافع عنها بضراوة حالت دون وصوله إلي تلك الجائزة أكثر من مرة. فيوسا يري أن تعامل الأدب مع السياسة والسلطة أمر حتمي و يجب علي الأدب الحر أن يقف في وجه السلطة كلما لزم الأمر. لذلك فيوسا الذي رشح نفسه في انتخابات الرئاسة في بيرو سنة1990 بصفته مرشحا ينتمي ليمين الوسط ويؤمن بالاصلاح, بدأ حياته السياسية مؤيدا للحركة اليسارية, مثله مثل كثير من من مفكري وأدباء جيل النهضة الادبية التي شهدتها أمريكا اللاتينية في الستينات من القرن الماضي, وكان فارجاس يوسا من مؤيدي الثورة الكوبية وكان من المعجبين بالرئيس الكوبي فيدل كاسترو لكنه ما لبث أن تخلي في السبعينات عن اتجاهاته اليسارية وندد بنظام كاسترو الشيوعي بعدما رأي أن هذه النظم السياسية بعيدة كل البعد عن تطبيق مبادئ الحرية والليبرالية التي كان يؤمن بها, ومنذ ذلك الحين بدأ يعرف يوسا اتجاهاته السياسة بأنها ليبرالية تناهض كل النظم الشمولية سواء كانت يسارية أم يمينية, بعد ذلك أيد يوسا نظام السوق الحرة وأثارت تحولاته غضب كثير من المعجبين بأعماله وزملائه من الادباء و المفكرين. كما أثار فارجاس يوسا استياء بعض أبناء وطنه عندما حصل علي الجنسية الاسبانية وانتقل للاقامة في اسبانيا بعد خسارته انتخابات الرئاسة أمام ألبرتو فوجيموروي الذي كان أستاذا جامعيا, واتهم وحكم عليه بالسجن فيما بعد لانتهاك حقوق الانسان في جرائم ارتكبت أثناء فترة رئاسته التي استمرت عقدا من الزمان, فلقد رشح يوسا نفسه في وقت كانت بيرو تعاني فيه من التضخم المنفلت وعنف حرب العصابات والفساد, و كان يوسا يسعي الي الاصلاح, و قد كان ضمن برنامجه الرئاسي اقتراح بخفض الميزانية وانتهاج سياسات السوق الحرة, الأمر الذي أعجب المحافظين الاثرياء واثار مخاوف الفقراء. لا يزال يوسا حتي الآن مدافعا شرسا عن كل ما يؤمن به, فعلاقته مع رئيس بيرو الحالي آلان جارسيا بها الكثير من التوتر, وكان آخره اعتذاره عن رئاسة الهيئة المنوط بها الإشراف علي اقامة احد المتاحف اعتراضا منه علي قانون مررته حكومة جارسيا بخصوص بعض قوانين حقوق الإنسان في بيرو. اتجاهات يوسا السياسية وإيمانه بالحرية والديمقراطية وقبلهاالعدالة الاجتماعية كان لها أثر في أعماله الأدبية, فنجد أعمال يوسا الأولي تجمع بين الأحداث التاريخية الواقعية فضلا عن تجاربه الشخصية, فمثلا في روايته الأولي' المدينة والكلاب'(1963) أسقط يوسا تجاربه الخاصة في مدرسة ليونسيو برادو العسكرية علي المؤسسة الاجتماعية الفاسدة التي سخرت من معايير أخلاقية كان من المفترض عليها أن تتمسك بها و تحميها, فكان الفساد السائد في مدرسته هو انعكاس لفساد المجتمع في بيرو في ذلك الوقت, والنضال من أجل الحرية واحد من التيمات الأساسية في أعمال يوسا, ففي روايته' محادثة في كاتدرائية'(1969) والمستمدة من فترة الحكم الديكتاتوري المستبد للرئيس البيروفي مانويل أودريا-الذي حكم بيرو في الفترة من1948 حتي1956, نجد بطل الرواية سانتياجو يقود مجموعة من المتمردين ضد النظام الديكتاتوري من خلال المشاركة في أنشطة تخريبية مع جماعات سياسية يسارية, كما تطرق لقضايا الفساد والظلم واستغلال السلطة كما في رواية' البيت الأخضر'(1966). والمتتبع لأعمال يوسا يجد أن رواياته الأولي تدورأحداثها في بيرو إلا أن رواياته الأخيرة تدوررحاها في مناطق أخري من أمريكا اللاتينية, مثل البرازيل وجمهورية الدومينيكان, وتعد روايته الشهيرة' حرب نهاية العالم'(1981) التي تعد واحدة من أفضل أعماله التاريخية أول رواية له تدور أحداثها خارج حدود بيرو, وفي واحدة من رواياته الأخيرة وهي' الفردوس علي الناصية الأخري'(2003) وهي مزيج من الأحداث الحقيقية والخيال- نجد يوسا يخرج من حدود أمريكا اللاتينية الي فرنسا وتاهيتي وهذه الرواية مأخوذة من سيرة فلورا تريستان يوضح فيها يوسا بالرغم من أن فلورا وحفيدها الفنان التشكيلي العالمي بول غوغان لم يتمكنا من الوصول الي الفردوس, الا أن أعمالهما لاتزال قادرة علي إلهام أتباعهما مواصلة العمل من أجل التوصل إلي اليوتوبيا الاجتماعية, لكن بعض النقاد يري أن هذه الرواية افتقرت إلي' الجرأة, والطاقة, والرؤية السياسية, وعبقرية السرد' التي عرفت عن يوسا في أعماله السابقة. يعد يوسا واحدا من رواد عهد النهضة في أمريكا اللاتينية, اعتمد اسلوبه في الكتابة علي التنقل في الزمن والانتقال في السرد بين رواة مختلفين. وقد كتب يوسا بغزارة في عدة أنواع أدبية من بينها الرواية الكوميدية والبوليسية وروايات الاثارة والتشويق, هذا الي جانب كتاباته الصحفية وأعماله في النقد الادبي, وقد بدأت عبقرية يوسا في الكتابة تظهر أثناء إلتحاقه بالمدرسة العسكرية عندما كان في الرابعة عشر من عمره, وقد قال يوسا في احد حواراته أنه انتابه رغبة جامحة للكتابة منذ أن كان في تلك المدرسة, فقد كانت تجربته هناك مؤلمة أعلنت نهاية طفولته وجعلته يعيد اكتشاف بيرو, فوجد مجتمعا عنيفا, مليئا بالمرارة والقهر, ورأي نماذج من البشر مختلفة اجتماعيا وثقافيا, وعرقيا يجمعها شئ واحد وهو الثورة علي الظلم و الاستبداد, الأمر الذي كان له أكبر الأثر علي حياته وقد قال أن هذه التجربة أدت إلي حاجة كبيرة نمت بداخله للخلق والابتكار فجاءت كتاباته وسيلة للتعبير عن التمرد ضد الطغيان. تأثر يوسا في كتاباته بالكثير من الكتاب مثل سارتر وفلوبير وويليام فوكنر, والجدير بالذكر أن فارجاس يوسا كانت تربطه صداقة قوية مع الاديب الكولومبي الحائز علي نوبل في الأدب سنة1982 جابرييل جارثيا ماركيز. لكن الصداقة تحولت الي واحدة من أشد العداوات في عالم الادب. وجه فارجاس يوسا- الذي كال يوما المديح لاعمال ماركيز وطلب منه أن يكون الاب الروحي لابنه- لكمة قوية لوجه الاديب الكولومبي أثناء وجودهما في مسرح بمدينة مكسيكو سيتي خلفت هالة سوداء حول عينه ولم يتحدث الأديبان الي بعضهما منذ ذلك الحين.