وزير التعليم العالي: تدشين الأكاديمية الدولية للعمارة والعمران خطوة للاستجابة لمتطلبات التنمية العمرانية    البنك الأهلي المصري يحتفل بتخريج دفعة جديدة من الحاصلين على منح دراسية بمدينة زويل    الكنيسة الأرثوذكسية تحذر من منتحل صفة رئيس كنائس القديسة مريم (تفاصيل)    شاهد| الجنيه الذهب يقترب من 40 ألفا.. هل تستقر الموجة الصاعدة؟    الثلاثاء 16 سبتمبر 2025.. جني الأرباح يهبط بالبورصة مجددا    محافظ أسيوط يشهد توزيع 1000حقيبة مدرسية بقرية النواورة بالبداري للأطفال من الأسر الأولى بالرعاية    نائب وزير الإسكان: إصدار منصتين إلكترونيتين لتصدير العقار وضبط السوق    قطع المياه 18 ساعة عن مناطق ب "سيدي بشر" و"العصافرة" في الإسكندرية اليوم    تشكيل ريال مدريد المتوقع أمام مارسيليا في دوري الأبطال    ضبط سيدة لإدارتها نادى صحى وإستغلاله فى ممارسة الأعمال المنافية للآداب بمصر الجديدة    موعد بداية العام الدراسي الجديد 2025 - 2026 في مدارس الفترتين والفترة الواحدة الحكومية والدولية والجامعات    تفصيل إدعاء سيدة بقيام شقيق والدها وأنجاله بممارسة أعمال البلطجة والتعدى على أفراد أسرتها بالدقهلية    الأرصاد: تحسن نسبي في الطقس وانخفاض درجات الحرارة مع استمرار الرطوبة    إصابة 6 أشخاص بينهم 3 أطفال جراء انقلاب «توك توك» في الدقهلية    انطلاق فعاليات المؤتمر الصحفي لمهرجان الجونة السينمائي    مهرجان الجونة السينمائي يكشف عن برنامج أفلام الدورة الثامنة خارج المسابقة    هل سمعت عن زواج النفحة؟.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعى    موعد شهر رمضان الكريم وأول أيام الصيام فلكيًا    نائب وزير الصحة تشارك في جلسة نقاشية حول تعزيز الولادة الطبيعية    محافظ الدقهلية: التأكيد على حسن استقبال المرضى وسرعة الاستجابة لمطالبهم بعيادات التأمين الصحي    توقيع الكشف الطبي على 400 مواطن بالقنطرة شرق في الإسماعيلية    البيئة: إنشاء وحدات مختصة بتغير المناخ داخل الوزارات المختلفة    بالصور- محافظ أسوان يفاجئ معرض "أهلاً مدارس" بكوم أمبو ويتفقد المستلزمات المدرسية    جيش الاحتلال الإسرائيلى يصدر إنذار عاجل بإخلاء ميناء الحديدة فى اليمن    مصرع طفلة غرقا في ترعة العطف ببني سويف    السكك الحديدية: إيقاف تشغيل القطارات الصيفية بين القاهرة ومرسى مطروح    روسيا تستهدف زابوريجيا في موجة جديدة من الهجمات الليلية    وزير التعليم: كتب المدارس التجريبية ملك للوزارة فقط ولا يحق بيعها خارجيًا    ذعر في الأهلي بعد وعكة إمام عاشور.. فحوصات عاجلة لكل اللاعبين قبل موقعة سيراميكا    كرة طائرة - خسارة منتخب مصر من الفلبين في بطولة العالم    أمين الإفتاء: الكلاب طاهرة وغسل الإناء الذي ولغ فيه أمر تعبدي    أستاذ فقه: الشكر عبادة عظيمة تغيب عن كثير من الناس بسبب الانشغال بالمفقود    ماك أليستر جاهز لمواجهة أتليتكو مدريد    نتيجة تقليل الاغتراب 2025.. مكتب التنسيق يواصل فرز رغبات الطلاب    99.1% هندسة بترول السويس و97.5% هندسة أسيوط بتنسيق الثانوي الصناعي 5 سنوات    ميرتس يسعى لكسب ثقة قطاع الأعمال ويعد ب«خريف إصلاحات» لإعادة التنافسية لألمانيا    قصور الثقافة بالغربية تحتفل باليوم المصري للموسيقى بأغاني سيد درويش    مدرب الهلال: لودي اختار قراره بالرحيل.. ويؤسفني ما حدث    الإفتاء تحذر من صور متعددة للكذب يغفل عنها كثير من الناس    ترامب يستبعد شن إسرائيل المزيد من الضربات على قطر    سفيرة المكسيك تزور استديو نجيب محفوظ بماسبيرو وتتحدث عن بطولة سلمي حايك في زقاق المدق    مصر تشارك في المنتدى السنوي لمنظمة التجارة العالمية 2025    قرار جمهوري بتعيين علاء الشريف أمينا عاما لمجلس الوزراء لمدة عام    ضبط 104 أطنان لحوم وأسماك فاسدة في حملة تفتيش بمدينة العبور بالقليوبية    ترامب يعلن مقتل 3 أشخاص باستهداف سفينة مخدرات من فنزويلا    الهلال الأحمر المصري يدفع بأكثر من 122 ألف سلة غذائية عبر قافلة زاد العزة ال38 إلى غزة    الخارجية الفلسطينية: نطالب بتدخل دولي عاجل لحماية المدنيين في غزة    القومي لذوي الإعاقة وتنظيم الاتصالات يوقعان بروتوكول تعاون لتعزيز الخدمات الرقمية    سفير إيطاليا بالقاهرة: نتشارك مع مصر في تعاون ممتد في مجال العمارة والعمران    خبراء أردنيون: قمة الدوحة جسدت موقفا عربيا موحدا تجاه ما يسمى مشروع "إسرائيل الكبرى"    الصحة: حل جميع الشكاوي الواردة للخط الساخن 105 استطاع خلال أغسطس الماضي    وزير الصحة يبحث مع شركة أليكسيون التعاون في مجال الأمراض النادرة والوراثية    إبراهيم صلاح: فيريرا كسب ثقة جماهير الزمالك بعد التوقف    مدرب بيراميدز: لا نخشى أهلي جدة.. وهذا أصعب ما واجهناه أمام أوكلاند سيتي    مسلسلات المتحدة تتصدر نتائج تقييم موسم 2025 باستفتاء نقابة المهن السينمائية.. تصدر "لام شمسية" و"أولاد الشمس" و"قهوة المحطة" و"قلبى ومفتاحه" و"ظلم المصطبة".. كريم الشناوى أفضل مخرج وسعدى جوهر أفضل شركة إنتاج    هشام حنفي: لا مقارنة بين بيزيرا وزيزو.. وصفقة محمد إسماعيل ضربة معلم للزمالك    ليت الزمان يعود يومًا.. النجوم يعودون للطفولة والشباب ب الذكاء الاصطناعي    الوقت ليس مناسب للتنازلات.. حظ برج الدلو اليوم 16 سبتمبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجدد الحضاري

تخبرنا قراءة التاريخ أن الأمم الرائدة‏,‏ والحضارات السائدة‏,‏ تمر بمحطات اختبار‏,‏ وأن هذه الاختبارات التي قد تطول عقودا أو قرونا تشهد حلقات انسكار وانكسار‏, تفقد فيها الأمم والحضارات رشدها‏,‏ وتترجرج هويتها‏,‏ قبل أن تعول علي أبنائها في العودة الي مسارها الصحيح مرة أخري‏,‏ فإما تعود‏,‏ وإما تبيد‏,‏ هذا الوعي التاريخي يقودنا الي سؤالين عن حال أمتنا‏,‏ هل نشهد الآن تلك المرحلة الاختبارية الانكسارية الانحسارية؟ وإذا كنا قد وصلنا الي دركها الأصعب‏,‏ فكيف لنا أن نبدأ السير علي طريق النهضة مرة أخري‏,‏ وأني لنا أن ندرك آلية تجددها الحضاري؟
ولم تكن كلمات فوكوياما إلا إعادة صياغة لأفكار الفيلسوف الألماني هيجل في أوائل القرن التاسع عشر‏,‏ الذي شبه المجتمعات بالأفراد الحاملين لمشعل الحضارة في سباق للتتابع‏,‏ تنمو به الحضارات في ثلاث مراحل‏:‏ حكم الفرد‏,‏ فحكم طبقة من المجتمع‏,‏ وأخيرا حكم كل الناس‏.‏
كل يبحث وينقب في تخصصه واهتمامه‏,‏ وإذا كان هذا مسار المفكرين والمؤرخين والفلاسفة‏,‏ فإن الانهيار لدي العلماء له أسباب أخري‏,‏ إذ يعتقدون أن سوء استخدام الأرض ومصادرها الطبيعية يقبع وراء الانهيار الاقتصادي والسياسي للحضارات الأولي‏.‏
في السياق نفسه‏,‏ حول مظاهر التراجع الذي يطال واقعنا العربي‏,‏ وأمتنا الإسلامية‏,‏ أصدر هذا العام مركز دراسات الوحدة العربية‏,‏ في بيروت‏,‏ ما أطلق عليه المشروع النهضوي العربي‏,‏ وهو دليل شارح لما قام به المركز حول ذلك المشروع‏,‏ منذ بدأ كفكرة في التبلور عام‏1988‏ في أعقاب انتهاء مركز دراسات الوحدة العربية من إنجاز مشروعه العلمي الكبير الذي حمل اسم‏:‏ مشروع استشراف مستقبل الوطن العربي‏.‏
وبعد مشاركات ومساهمات من أجيال المفكرين والباحثين العرب عقد المركز في مدينة فاس عام‏2001,‏ ندوة شارك فيها ما يزيد علي المائة باحث من التيارات الفكرية كافة‏,‏ تناولت بحوثها ومناقشاتها القضايا النهضوية الست التي تشكل أهداف المشروع وهي‏:‏ الوحدة العربية‏,‏ والديمقراطية‏,‏ والتنمية المستقلة‏,‏ والعدالة الاجتماعية‏,‏ والاستقلال الوطني والقومي‏,‏ والتجدد الحضاري‏.‏ ونشر المركز الوقائع الكاملة للندوة ضمن كتاب صدر عنه في نهاية العام نفسه‏.‏ وقد رأي ذلك المشروع أن ما أصابته الحضارة العربية الإسلامية من ظهور وتألق وتفوق في العصر الوسيط كان بفعل الديناميات العميقة التي حركت فيها إرادة البناء والتقدم والخروج الي العالمية‏.‏ فقد كانت دعوة الإسلام واحدة من تلك الديناميات التي حولت نشر عقيدة التوحيد الي رسالة حملها العرب الفاتحون الي الآفاق‏.‏
وربما حين نضع يدنا علي أصل الداء يتيسر وصف الدواء‏,‏ فالتحالف الخطأ هو الذي كتب علي جبين الأمة تأخرها‏,‏ إذا لم تف بريطانيا بوعودها للثورة العربية‏,‏ بأن التحالف معها سيجلب الحرية والنهضة‏,‏ والحقيقة أن هذا التحالف والثقة به قد جلب الاحتلال الغربي لقطع الدومينو العربية‏,‏ فتساقطت في مشهد حزين‏,‏ في حين كان ذلك الوعد نفسه للكيان الصهيوني حقيقيا‏,‏ فقامت دولة الاحتلال الإسرائيلي مجسدة قمة ما وصل إليه حال العرب من انحدار‏,‏ وما كانت عليه خسة وغدر الحليف الغربي‏.‏ فكان داء التحالف سرطانا عمق تأخر الشعوب العربية وجعلها تخلد للنوم‏,‏ حتي تقوم تلك الشوكة الاستيطانية في الجسد العربي‏,‏ منذ ستة عقود ونيف‏.‏
إن البحث عن أمة جديدة ناهضة‏,‏ وفاعلة في محيطها الإقليمي والدولي‏,‏ يجب أن يؤمن حماية ما في تلك الأمة من تنوع ثقافي مصدره روافد ثقافية شعبية متنوعة في المجتمع العربي‏,‏ واعتبار هذا التنوع عامل إخصاب وإغناء للثقافة العربية ينبغي استثماره‏,‏ لا عامل انقسام وتهديد للوحدة الثقافية‏,‏ وذلك دون إخلال بضرورة العمل علي تعظيم القواسم الثقافية العربية المشتركة‏.‏
لقد كانت لنا تجربة في النهضة‏,‏ وكانت للآخرين تجاربهم‏,‏ ونحن نعول اليوم أكثر من أي وقت مضي علي الأخذ بأسباب النهضات العربية والغربية‏,‏ حتي نحظي بما سماه المشروع النهضوي العربي بالتجدد الحضاري‏.‏
والواقع أن قاسما مشتركا يوحد المختلفين حول قضايا النهضة‏,‏ هو موقف الطرفين من مرجعياتهما‏,‏ فما يحكم الوعي العربي ويسيطر عليه منذ قرنين هو الانصياع لسلطتين متناقضين تؤثران عليه سلبا بما يشل قدرته علي التفكير الداعي للتجديد أو التأصيل‏,‏ وهما سلطتا التراث والغرب‏.‏ فليس لدي هاتين السلطتين عصا سحرية لكل المشكلات‏,‏ تستدعي العصا التراثية أو الغربية فيخرج لك الجني ليحول المثالب الي مناقب‏,‏ ويحيل الليل الي نهار‏,‏ وينهض ما تحت التراب‏.‏
لقد اكتشفنا قبل مائتي عام‏,‏ منذ غزا بونابرت الشرق‏,‏ أننا ننأي بتأخر مزدوج‏,‏ تأخر عن المدينة الحديثة‏,‏ وتأخر كذلك لا يقل وضوحا عن الحضارة العربية الإسلامية وما بلغته في أزهي عصورها‏.‏
كان طريق الخروج من أسر التأخر كما رسمه النهضويون الأوائل يحاول أن يستلهم النموذج الأوروبي‏,‏ أو يهتدي بالنموذج النهضوي للعصر الوسيط‏,‏ أو يحاول التوفيق بين قيم الحداثة والأصالة‏,‏ ومازلنا نراوح مكاننا‏,‏ ولذلك علينا أن نأخذ قرارنا اليوم‏,‏ قبل الغد‏,‏ في استلهام طريق فريد لنا‏,‏ وضعنا له قواسمه المشتركة في السطور السابقة‏.‏ ويساند التجدد الحضاري المنشود نهضة ثقافية تضع أولويات حددناها في أحاديث سابقة‏,‏ ومنها أولوية التفكير النقدي العلمي‏,‏ والثقافة العلمية‏,‏ وإعادة بناء صلتنا بالتراث علي نحو صحي ومتوازن‏,‏ وأقول إن الترجمة التي احتلت مكانة مهمة في النهضة السابقة‏,‏ لابد أن يكون لها دورها الحالي الداعم للتجدد الحضاري‏.‏ إن هذه رسالة للجميع مفكرين ومؤرخين مثقفين لأن الأمر يهم الجميع‏.‏
التجدد الحضاري كان سمة في ماضينا المزدهر‏,‏ وباستطاعتنا أن نجعله سمة مثيلة لمستقبلنا المنشود‏.‏
وفي البحث عن طريق للنهوض لابد من توافر شرط الحرية وضماناتها في البحث والنظر في أمور الدنيا كافة‏,‏ ولابد من رفع القيود التي تعرقل البحث في الفكر‏,‏ وما تراكم عبر القرون من بدع وضلال وخرافة‏,‏ فالحجر علي الفكر والاجتهاد والإبداع هو حجر علي النهضة وعرقلة لمجتمعاتنا من الخروج من عصور التخلف والانحطاط‏.‏

المزيد من مقالات د. سليمان إبراهيم العسكرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.