كتب : دكتور إيهاب فؤاد لكل أمة من الأمم لحظات تكون شاهدة على نقلتها وتغييرها، لكن اللحظات فى عمر الأمم قد تكون دهورا على حساباتنا،ولكل أمة من الأمم منعطفات ومنحنيات، ترتفع أحيانا وتهبط أخرى، لكنها حياة طبيبعية، أمم تولد كما يولد الأفراد، تشب وتشيخ وتهرم وتضعف، تعتل، تنام تستيقظ، تدب فيها الحياة من جديد،هذا هو الحال الذى عليه سائر البشر بل وكل المخلوقات على ظهر البسيطة، فلا شئ يبقى ولاشئ يدوم وإن طال عليه الأمد، سرعان مايبدو كالعرجون القديم، وقد انحنى منه الظهر، لكن الأمم الفتية هى التى تحافظ جذورها وتعمل على تنقية تربتها من كل مايشوبها ومايعتريها، فبقاء الزرع مرهون بخصوبة التربة ودوام ريها... الأمم الفتية تعتز دائما بمصدر قوتها وتنميه وترعاه، أما الأمم التى تولد ميلاداً غير شرعى فسرعان ماتزول وسرعان ماينطفئ نورها وإن طال عليها الأمد وبلغت من العمر أرذله، فما عمرها فى الحياة بمعدود ولا محسوب، لأنها ماتت قبل أن تولد ووأدت وهى فى ريعانها، ميزان البقاء يقتضى الحفاظ على موروثاتنا وتاريخنا التليد، لكنه التاريخ المرتبط بالفطرة السوية التى فطر الله الناس عليها، أما أن ننسلخ من مصدر عزنا وقوتنا ونلبس جلودا لم تكن فى يوم من الأيام إلا رمزا للإذلال والهوان التى عاشته أمم سابقة فهذا هو العار والشنار بأم عينه، وحين نتخلى عن مصادر قوتنا يعمل الاستبداد فى الناس ويوطد أركانه لأن النفوس التى استمرأت الركون والخور والضعف فى حاجة إلى غرفة انعاش حتى تستيقظ وتعود إلى رشدها وقديما قال الكواكبى رحمه الله وهو يتحدث عن طبائع الإستبداد "(( الاستبداد : أشد وطأة من البلاء , أكثر هولا من الحريق , أعظم تخريبا من السيل , أذل للنفوس من السؤال , داء إذا نزل بقوم سمعت أرواحهم هاتف السماء ينادي : القضاء القضاء.. ! , والأرض تناجي ربها بكشف البلاء , وأسعد الناس في عهد الاستبداد أولئك الذين يتعجلهم الموت فيحسدهم الأحياء)) نعم هم أسعد الناس حظا لأنهم لم يعيشوا ليكونوا شاهدين على انكسار عزتهم واندحار مجدهم، فكل بلاء يهون وكل غمة تنكشف وكل سوءة تتوارى لكن الذى لايزول هو الإنكسار الذى يصيب النفوس والكبرياء الذى يكون فى الحضيض، يتشبث المستبدون بما هم فوقه من كراسى لخوفهم من الحساب وكشف المستور وإنى لأتساءل: لماذا لانملك قرارنا؟ لماذا نترك غيرنا يفكر لنا؟ لماذا نضع لقمة العيش قبل غذاء الروح، قبل الحرية، قبل الحقوق السياسية فننقسم إلى فريقين ، فريق يعيش ليأكل وهو اللاهث الباحث عن لقمة العيش فلايترك لنفسه مساحة ليأخذ قسطه الوافر وحظه من أبسط الحقوق التى جبله الله عليها، وفريق يأكل ليضمن بقاءه وكل همه أن يعيش حياة كريمة ، حيث لاذل ولامهانة ولاانكسار أولئك مرفوعى الرأس وأولئك الأعزاء الذين يحاول الطغاة جاهدين أن يكسرونهم أو أن يشوهونهم أو أن يمسحوا من التاريخ ذكرهم ووجودهم، واللحظات الحرجة هى تلك اللحظات التى تتصدى فيها الأمة لمعاول الهدم والطمس والتشويه ، هى تلك اللحظات التى ينطق فيها الناس مطالبين بحقوقهم وبمحاسبة الظالمين على ظلمهم ‘ فليل الظالمين على طوله قصير وايامهم على كثرتها قليلة ومعدودة ولايصح بعدها إلا الصحيح وماتقدمه الأمة من تضحيات من أجل الحياة العزيزة التى أرادها الله تعالى لها أقل بقليل مما تقدمه بذلها وانكسارها وهى تظن أن النجاة كل النجاة فى صورتها التى هى عليها الاّن ويبقى سؤال، هل جاءت اللحظات الحرجة فى حياة أمتنا من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها؟أتمنى أن لايطول انتظارنا وألا تطول وقفتنا...... د. إيهاب فؤاد