تمر هذه الأيام الذكري الأربعون لوفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر, وهي مناسبة متجددة لمناقشة موضوعات لاتكاد يتوقف النقاش حولها حتي ينبعث من جديد, حول قضايا تخص مصر أو دوائرتحركها في العالم الخارجي المحيط بها, بعضها سياسي والآخر اقتصادي والثالث اجتماعي والرابع ثقافي, بعضها محض داخلي, وبعضها الآخر إقليمي, عربيا أو شرق أو سطيا أو افريقيا, والبعض الثالث أقاليمي, إسلاميا أو في دائرة العالم الثالث عبر حركة عدم الانحياز ومجموعة ال77, أو علي الصعيد العالمي عبر مجمل أنماط التحالف والعداء ومابينهما من أشكال للعلاقات انتهجتها مصر الثورة في الفترة مابين1952 و.1970 وتعتبر الذكري مناسبة لاستعراض منهج في تناول سنوات حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر, يقوم علي اعتبار أن فترة الحكم تلك شهدت انتقالا من مرحلة لأخري, وأن كل مرحلة يمكن, بتحري درجة ما من الدقة, وبقدر ماتتصف به الظواهر الاجتماعية والإنسانية من نسبية وغياب لحالة اليقين المعملي التي تتسم بها العلوم الطبيعية والرياضية, تحديد بداية ونهاية لها. وعلي سبيل المثال, وطبقا لهذا المنهج, تعتبر المرحلة الممتدة ما بين23 يوليو1952 وحتي العدوان الإسرائيلي علي غزة ومشاركة الرئيس الراحل عبدالناصر في قمة باندونج الأفروآسيوية, وكلاهما تم في عام1955, فترة اتسمت بالتركيز علي الوضع الداخلي في مصر من خلال حسم عدد من الصراعات السياسية, سواء داخل مجلس قيادة الثورة أو مع قوي سياسية أخري نظر إليها باعتبارها مناوئة, وإعادة صياغة معادلات القوة وتوازناتها, بما في ذلك عبر تبني سياسات اجتماعية مختلفة نوعيا عما سبقها مثل إصدار القانون الأول للإصلاح الزراعي. أما المرحلة الثانية, فقد استمر الرهان فيها داخليا علي تعزيز القبضة السياسية للدولة من خلال التنظيم السياسي الوحيد, وبدا اتجاه للتركيز علي تنمية اقتصادية متوازنة بين القطاعين الحكومي والخاص, وتم اتخاذ القرار التاريخي بتأميم شركة قناة السويس والشروع في بناء السد العالي, ثم قرارات تمصير الممتلكات الأجنبية في مصر عقب دحر العدوان الثلاثي علي مصر1956, وهو ما أفاد أيضاالقطاع الخاص المصري, ولكن التركيز الأكبر, خاصة من جانب الرئيس الراحل عبدالناصر, كان علي البعد الخارجي وتبلور دور قيادي لمصر, سواء عربيا أو عالميا, خاصة مع الانعكاسات العربية والدولية الايجابية لقرار تأميم شركة قناة السويس, وهو مايدخل ضمن جني ثمار بزوغ مشاركة الرئيس الراحل عبدالناصر في قمة باندونج, ومن ثم الوحدة الاندماجية المصرية السورية, والاختراق النوعي الذي مثلته في الدور الإقليمي المصري وبروز شعبية الزعيم المصري الراحل علي امتداد الوطن العربي, وتحول مصري نحو مناهضة الاحلاف الغربية في المنطقة,. وكانت المرحلة الثالثة, طبقا لهذا المنهج, هي التي بدأت بما عرف بقوانين يوليو الاشتراكية1961 و إنفصال سوريا في سبتمبر من نفس العام, حيث برز خلالها مابدا أنه حسم القيادة الثورية لخياراتها في اتجاه معين, داخليا نحو توجيه التنظيم السياسي الوحيد نحو الاشتراكية طبقا للميثاق الوطني عام1962, والتركيز علي القطاع العام اقتصاديا عبر سلسلة من التأميمات عامي1961 و1964, ولأداء المهمام الاجتماعية في مجال إعادة توزيع الدخل, وخارجيا عبر توثيق العري مع المعسكر السوفيتي, مع السعي لعدم قطع الجسور مع الغرب, بما في ذلك الولاياتالمتحدة, ولعب دور قيادي عربي, ولكن في إطار مواجهة بين معسكرين في العالم العربي, قادت أحدهما مصر, خاصة بعد ثورة اليمن في سبتمبر1962 والدعم العسكري المصري لها, وارتباط ذلك بتصعيد في المواجهة مع إسرائيل, ولعب دور عالمي فعال من خلال تأسيس ثم قيادة حركة عدم الانحياز ومجموعة ال77 مع توظيف أكبر للأزهر في خدمة هذا الدور في آسيا وإفريقيا. وإذا اتبعنا نفس المنهج, نعتبر المرحلة الأخيرة في سنوات حكم الرئيس الراحل هي سنوات ما بعد هزيمة1967, ويعتبرها البعض الاكثر نضجا حيث استفاد الرئيس الراحل من دروس التجارب التي مر بها وآخرها النكسة, والتي كانت نتائجها كارثية مصريا وعربيا, واتجه داخليا للتركيز علي إعادة بناء القوات المسلحة خصوصا, والجبهة الداخلية علي وجه العموم. وعلي الصعيد الخارجي, بدا اتجاه للمصالحة مع المعسكر العربي المقابل تجسد في قمة الخرطوم في سبتمبر1967 وصاحبه انسحاب مصري من اليمن, وانتهي بوساطة مصرية بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية, ومرورا بنزعة تدريجية للتضامن العربي بديلا عن الوحدة الاندماجية تمثلت في ميثاق طرابلس الذي جمع مصر وليبيا والسودان عام1969, وبشأن المواجهة مع إسرائيل ظهر الاتجاه نحو تسوية سلمية بدءا بقبول قرار مجلس الامن242 في نوفمبر1967 وانتهاء بقبول مبادرة روجرز في يوليو1970.