أتصور وآمل ان اكون مخطئا ان المفاوضات المباشرة التي بدأت بين الفلسطينيين والاسرائيليين في أوائل سبتمبر وتتابعت جولاتها في شرم الشيخ والقدس قد لا تسفر عن حلول ومعالجات مرضية لقضايا الدولة والحدود والقدس واللاجئين. وذلك بسبب عمق الفجوة التي تفصل بين مواقف الطرفين من ناحية واختلاف الارضية التي يقف عليها الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي من ناحية أخري. ففي الوقت الذي يقف فيه المفاوض الفلسطيني علي ارضية هشة تتميز بالانقسام وافتقاد القدرة علي ايلام وايذاء الاحتلال, يقف المفاوض الاسرائيلي علي ارضية صلبة تتميز بتقارب وربما بتوحد الاهداف التي يسعي اليها من عملية التفواض بين مختلف التيارات السياسية من اليمين والوسط واليسار وبقدرة خارقة علي تنغيص حياة الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة تعود الي الخلل في ميزان القوي والتفوق الذي تستحوذ عليه اسرائيل وقدرتها علي ان تجعل محصلة التفاوض تماما كمحصلة المقاومة, اي مزيد من التعنت والخراب واليأس. علي ضوء ذلك الاستشراف لمستقبل هذه المفاوضات والذي نأمل ان تحدث معجزة لانتشال المفاوضات منه, فإننا سنركز علي المحصلة والإطار الذي ينبغي ان تسفر عنه المفاوضات من وجهة النظر العربية والفلسطينية, وهذه المحصلة في تقديرنا اذا ما تحققت قد تكفل ان يخرج الفلسطينيون ومفاوضهم من هذه المفاوضات كما دخلوها اول مرة, اي لا يقدمون تنازلات جديدة مجانية تشجع المفاوض الاسرائيلي وبدعم امريكي علي طلب المزيد واستمرار الضغوط علي الفلسطينيين. والامر المؤكد ان المفاوض الفلسطيني والفلسطينيين ليسوا بحاجة الي نصائح من احد, فالفلسطينيون ادري بشعاب فلسطين من غيرهم, ولكن المراقبين والمحللين خاصة منهم المتعاطفون مع الحق الفلسطيني والعربي لا يملكون رفاهية الانتظار حتي نهاية المفاوضات بانهيارها وصياغتها لحلول غير مرضية وغير ملبية لتطلعات الشعب الفلسطيني ليروا ما آلت اليه الامور ثم ينخرطون في نقد وانتقاد ما توصلت اليه المفاوضات. ومن ثم فإذا كان مقدرا للفلسطينيين الا يتوصلوا لحلول مرضية لتطلعاتهم من خلال عملية المفاوضات والا يخرجوا منها بمكاسب ملموسة ومقبولة, فعلي الاقل ينبغي الا يخسروا المزيد من النقاط في هذه الجولات من التفاوض. اولي هذه النقاط التي لا ينبغي للفسطينيين ومفاوضيهم في هذه المفاوضات الا يهملوها تتمثل في الا يتحمل الفلسطينيون سياسيا واعلاميا مسئولية انهيار هذه المفاوضات كما حدث في مفاوضات كامب دافيد عام2000 عندما تمكنت اسرائيل وحلفاؤها من تحميل عبء فشل هذه المفاوضات للقيادة الفلسطينية التي صمتت حينئذ بسبب عنف الحملة الاعلامية التي تم تنظيمهاولم تتضح الصورة الحقيقية لما حدث في كامب دافيد2000 الا متأخرا عندما كتب بعض ذوي الصلة بالمفاوضات التي دارت حينئذ بعض التوضيحات. ذلك أن هدف الشعب الفلسطيني من هذه المفاوضات ومن تلك التي سبقتها معروف ومستقر دوليا وعربيا الا وهو الجلاء عن الاراضي الفلسطينية التي احتلت بعد عام1967 بما فيها القدسالشرقية وتأسيس دولة بجوار دولة اسرائيل, وحل قضية اللاجئين والحدود والمياه والامن, واي فشل في تحقيق هذه الاهداف ينبغي ان تتحمله اسرائيل, فهي التي تقوم بالاحتلال وترفض الجلاء وترفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني اما كيف يتحقق ذلك؟ فنقول عبر الصراحة والشفافية وكشف الادوار وطبيعة الضغوط ومخاطبة الرأي العام العربي والفلسطيني والدولي بكل ملابسات التفاوض وحقيقة المطالب الاسرائيلية والتنازلات الفلسطينية المطلوبة. اما ثانية هذه النقاط في تلك الحصيلة التي ينبغي ان يخرج بها المفاوض الفلسطيني من عملية التفاوض فتتمثل في رفض الاعتراف باسرائيل, كدولة يهودية, لان هذا الاعتراف يكفل نزع شرعية الوجود الفلسطيني العربي في دولة اسرائيل, ذلك الوجود الذي يمثل قرابة20% من سكان اسرائيل, ولان مثل هذا الاعتراف سوف يمثل التأسيس الثالث لدولة اسرائيل الاول عام1948, الثاني عام1967, والثالث هو هذا الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية, وسوف يمثل هذا الاعتراف اعلانا فلسطينيا وعربيا وتصريحا فلسطينيا وعربيا بحق اسرائيل في المطالبة بهجرة ما تبقي من الجاليات اليهودية في الخارج, وستصبح عملية الهجرة الي اسرائيل بعد هذا الاعتراف عملية آمنة ومؤمنة وشرعية, ويكفي هذا الاعتراف بدولة اسرائيل من قبل الفلسطينيين اي الاعتراف بقيام دولة علي اراض لم تكن لهم وكانت تخص الشعب الفلسطيني وتم الاستيلاء عليها بالقسر والاكراه والتآمر, ومن الطبيعي والمنطقي والانساني الا يطالب الفلسطينيون بالاعتراف مرتين بدولة اقيمت علي انقاض ودمار الشعب الفلسطيني, واعتبار هذا المطلب مجافيا للمنطق الاسباني بل وماسا بالكرامة. اما ثالثه هذه النقاط التي تمثل حصيلة التفاوض في حالة فشل عملية التفاوض فتتمثل في تجنب المفاوض الفلسطيني فخ الاتفاق حول المبادئ او الاتفاق حول اعلان المباديء التي ستترجم لاحقا في اتفاقيات بين الطرفين, ذلك ان الخبرة السابقة في اوسلو كشفت زيف هذا الاعلان ولم يكن سوي وسيلة لاهدار الوقت وتكريس الامر الواقع الاسرائيلي الاستيطاني, وقد احتاج كل بند من بنوده الي تفسيرات وتأويلات كانت الغلبة فيها للتأويل الاسرائيلي. من ناحية اخري فإن مثل هذا الاتفاق حول المبادئ لن يكون سوي عرض اعلامي يوحي الي العالم بان القضايا في طريقها الي الحل, ويبيض وجه اسرائيل الساعية للسلام مع جيرانها في حين انه سيكون وسيلة للاجهاز علي ما تبقي من القضية الفلسطينية, والفلسطينيون تحت الاحتلال والحصار والاستيطان ليسوا بحاجة لهذا الاستعراض الاعلامي لانه يضر بقضيتهم إيما ضرر. أمام المفاوضين وامام العالم مطالب فلسطينية مشروعة ومستقرة دوليا في الجلاء والانسحاب والدولة والقدسالشرقية واللاجئين, وهي قضايا تحتاج الي حلول ومعالجات تستند الي قرارات دولية وليست بحاجة لاعلان نوايا ومباديء يحتاج كل بند منها الي اتفاق واتفاقية, وتجيء حكومة اسرائيلية وتذهب اخري, ولا تعترف التي جاءت بمثل هذا الاتفاق او تؤجل تطبيقه او تطالب بتعديله, وهلم جرا. الدخول إذن في صلب القضايا المطروحة وصلب الحلول المقترحة السابقة واللاحقة في اتفاقيات مباشرة دون الوقوع في فخ اعلان المباديء ذلك هو المطلوب. اخيرا وليس آخرا ينبغي للسلطة الفلسطينية ان تفي بوعدها للشعب الفلسطيني, الا وهو استفتاء الشعب الفلسطيني علي الاتفاقية او الاتفاقيات التي يفترض توقيعها مع اسرائيل, وان يقرر الشعب الفلسطيني وفق الضمانات الديمقراطية لإجراء مثل هذا الاستفتاء مصير هذه الاتفاقية او هذه الاتفاقيات قبولا او رفضا, وان تشارك جميع فصائل العمل الوطني الفلسطيني في عرض وجهات نظرها ومخاطبة الرأي العام الفلسطيني تأييدا او رفضا, وان يخضع مثل هذا الاستفتاء لمعايير المراقبة الدولية المعمول بها في مثل هذه الحالات, وأعتقد جازما بأن الشعب الفلسطيني قادر علي اجراء مثل هذا الاستفتاء وتقرير مصير مثل هذه الاتفاقيات, وهذا الامر سيمنح هذه الاتفاقيات مشروعيتها ومصداقيتها بل ويضمن كذلك استمرارها في حالة تأييدها وموافقته عليها. تلك في تقديري بعض العناصر والنقاط التي بمقدورها ان تحافظ علي الموقف الفلسطيني, وتحول دون تدهوره بأكثر مما هو الآن في حالة انهيار عملية التفاوض او عدم تمكنها من صياغة حلول تلبي مطالب الشعب الفلسطيني, وتكفل علي الاقل قدرة المفاوض الفلسطيني علي الدخول في اية مفاوضات دون تنازلات, ويا حبذا لو جاءت هذه المفاوضات بحلول مقبولة, وبما ان الامر قد لا يكون كذلك فمن المهم الا يتدهور الموقف الفلسطيني عقب كل مفاوضات فاشلة, وان يتجنب المفاوض الفلسطيني انتهاء هذه المفاوضات بإخفاق مزدوج. المزيد من مقالات د. عبد العليم محمد