هناك آفة خطيرة تجتاح المجتمع المصري في جميع المواقع, والمؤسسات, دون استثناء, وهي التكالب علي المناصب الرئاسية مهما صغر موقعها, وهذه الآفة تتميز بخلفية تاريخية. برزت بوضوح من عصر محمد علي, واستمرت عبر المراحل المختلفة وأصبحت سمة مصاحبة للهياكل الإدارية في الوزارات والمؤسسات الانتاجية والأكاديمية, وأفرزت كثيرا من التداعيات السلبية التي طالت منظومة القيم والسلوكيات والعلاقات الاجتماعية, وأوجدت معايير جديدة زاحمت القيم الايجابية وأصبحت تشغل مكان الصدارة, فأصبح الموقع الرئاسي أهم من الكفاءة والأمانة والنزاهة. ولم تفلت من هذه الآفة المواقع الحزبية والأكاديمية والمنظمات الأهلية التي تعتمد علي العمل التطوعي. ولعل أبرز ما يضاعف خطورة هذه الآفة هو أن التعيين في المواقع الرئاسية أصبح يتم بلا معايير موضوعية, بل سادت معايير أخري هدامة تتمثل في الواسطة والشللية والمصالح الشخصية, وهي معايير تمثل مراحل بدائية في تاريخ تطور المجتمعات, وقد تجاوزتها البشرية منذ العصر الزراعي بعد أن أصبحت الكفاءة الفردية هي المعيار الأساسي الذي قامت ونهضت بفضله المجتمعات الصناعية. وفي عصر المعلومات الذي يعتمد علي الانتاج الذهني وتصاعدت فيه قيمة المعرفة الانسانية, اصبح من المخزي والمشين أن ترتد بعض المجتمعات إلي هذا الدرك, فتتواري القيم الانسانية المحورية, مثل الكفاءة والنزاهة لكي تحل محلها الفهلوة والنفاق والرشوة. وسائر منظومة الفساد التي أصبحت غولا يهدد تجار الكفاح اليومي لملايين الكادحين من الشرفاء واصحاب الضمائر في مختلف المواقع بدءا بالأطباء والمعلمين والمحامين والموظفين العموميين, ورجال البنوك, والأجهزة الأمنية, وأساتذة الجامعات. إنني أؤمن بأن الحلقة الرئيسية للتغيير في مصر تبدأ باجتثاث جذور الفساد, والتسيب الذي لم يبق علي الأخضر واليابس, وأصاب ملايين الشباب بالإحباط, واللامبالاة, وفقدان الانتماء للوطن. ويجب أن نبدأ بحملة قومية جادة تعيد للأجهزة الرقابية هيبتها وفاعليتها, وتسعي بإخلاص إلي اشراك من ينتمون إلي هذا الوطن بجميع شرائحه الاجتماعية, ومواقعه المهنية, والتشريعية, والأكاديمية في صنع القرار الوطني العام, وسائر القرارات التي تمس مفردات الحياة اليومية لهؤلاء البشر. د. عواطف عبدالرحمن