أما المأساة, فهي كل هذا الفقر والبؤس الموجود في هذا البلد التعيس, هاييتي. وأما الفضيحة, فهي أن يكون هناك تعايش بين مراكز الثراء والغني الفاحش في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وبين هذا الوكر الذي لا ينضب معينه لكل أصناف الذل والقهر والظلم الذي يعرفه التاريخ الانساني. تري هل التوتر والتناقض بين هذين المركزين, مركز الذل ومركز القوة والثراء هو سبب الزلزال وليس مجرد عوامل الجيولوجيا؟ (1) هذا الزلزال فضيحة بكل المعايير. فهو أولا, لا يزيد في قوته علي7.3 بمقياس ريختر. أي أنه متوسط القوة وفقا للمعايير العلمية. ولكن آثاره المتطورة علي شاشات التليفزيون تجسد حلول يوم القيامة بهذا البلد. فكل أو معظم المباني في العاصمة أصابها الدمار. بل إن ثلاثة أرباعها أصبحت في خبر كان. حتي قصر الرئاسة, الذي يطلقون عليه اسم البيت الأبيض, تم تدميره. هذا علي الرغم من أنه في كل البلاد, خاصة الدول النامية والفقيرة, عادة يكون قصر الرئاسة قوي البنيان راسخ الأركان بحيث أنه لا يتأثر بسهولة بمثل هذه الأشياء. قد يقول قائل, إن هاييتي مسكينة. فهي لم تتعرض لزلزال منذ نحو200 سنة. فلها كل العذر في ألا تحسب للزلازل حسابا. ولكن يبقي, أنك لا تستطيع أن تتجنب الإحساس, بأن العاصمة, وأغلب البلد, مشيدة وفقا لما شاهده الناس علي التليفزيونات, من ورق كرتون. هذا هو التفسير الوحيد لأن يؤدي زلزال متواضع, لكل هذا الخراب والهلاك. كأنها بالضبط كانت تنتظر نفخة لكي تطير. أيضا, لا يستطيع المشاهد إلا أن يستدعي إلي ذاكرته, وهو يري كل هؤلاء الجياع العراة الذين يتقاتلون علي لقمة خبز أو حفنة أرز ويتزاحمون علي سيارات الأغاثة, وإلا أن يتذكر المشاهد المماثلة للجوع الإفريقي في الصومال وإثيوبيا والكونجو الخ..وحتي في بنجلاديش هل يمكن أن يحدث هذا كله علي مرمي حجر من واشنطن, عاصمة الثراء والقوة والنفوذ؟ وتحت ذقن ولاية كاليفورنيا, حيث يوجد الجاه والمال بلا حساب؟ (2) هذه المشاهد أيضا, لا يمكن أن تمر دون أن يتذكر الأنسان ما جري في مدينة نيو أورليانز التي تقطنها أغلبية سوداء عندما ضربها اعصار كاترينا المتوحش. فهذا الأعصار كشف عورتها. وأظهر مستويات من الفقر والبؤس والقهر كان من المتعذر تصورها, خاصة في الولاياتالمتحدة عاصمة العالم الاقتصادية والسياسية والثقافية. ولن ينسي المرء مذيعة محطة تليفزيون سي. بي. إس الأمريكية التي اتصلت فور وصول نبأ الأعصار اليها بأبيها وأمها في المدينة فلم تجدهما, فاتصلت بجيرانهما فأبلغوها بأن الأعصار دمر منزلهما ولم يعد له أثر. فانتقلت فورا بطائرة هليكوبتر إلي المدينة وتوجهت إلي موضع البيت وأخذت تبث ارسالا حيا مباشرا من المكان عن الكارثة وهي غارقة في المياه. وهذه الصحفية قلبت الدنيا رأسا علي عقب بهذه الرسائل بعد أن حاولت البيروقراطية الأمريكية التعتيم علي حجم الكارثة التي حلت بالولاية وبالمدينة لعدة ساعات حتي ظهرت الفضيحة كاملة. لكن إذا كان أهل ولاية لويزيانا والولايات المجاورة قد وجدوا دعما يحفظ عليهم كرامتهم من حكومتهم, ومن كل أنحاء الولاياتالمتحدة, فإن أهل هاييتي, لم يجدوا شيئا نهائيا. فالحكومة لا تستطيع أن تفعل لهم أي شيء. كأن الزلزال الذي دمر المنازل في العاصمة, وأصاب البلاد بالخراب, كأنه قد نسف الحكومة. فحتي عندما تري وزير الصحة, أو أي مسئول في هذا البلد يتكلم في التليفزيون تنتابك شكوك قوية في هل هذا الرجل طبيب حقا؟ هل هو وزير؟ هل هو المسئول الفلاني فعلا؟ (3) الواقع أن هاييتي بلد شديد الفقر لا يتعدي المتوسط العام لدخل سكان الجزيرة أكثر من دولارين في اليوم. وهو حد الفقر المطلق. ويقولون إنها أفقر بلد في نصف الكرة الغربي. هكذا اذن, يوجد أفقر بلد في العالم, جنبا إلي جنب مع أغني بلد في العالم؟! كان المرء يتصور أن أهل هذه الجزيرة التعساء يتعيشون من تكوين فرق موسيقية تغني في الولاياتالمتحدة والغرب عموما, ومن تجارة المخدرات, والدعارة, وغسيل الأموال, وممارسة كل أنواع الجرائم.. ولكن يبدو أن حجم الثروة المتراكمة من الإجرام والتهريب لا يكفي لرفع مستوي معيشة شعب هاييتي كله وهذا هو المتوقع.. واذن, فالقلة القليلة هي الغنية والغالبية الساحقة هكذا.. بلا شيء يغطيها علي الاطلاق.. ولا تجد ما يسترها.. ولعل هذا هو التفسير الوحيد لهذه الحالة التي يبدو فيها الغرب كله بدءا من الرئيس باراك أوباما وكأنه ضبط متلبسا عاريا دون ملابس داخلية فخرج علي العالم يشن حملة اغاثة وإنقاذ لكي يداري شعوره بالحرج الشديد ويمنع اتهامه بارتكاب ابشع أنواع الإجرام في التاريخ عن طريق افقار واذلال وقهر البشر في هاييتي.