عيد الأضحى موسم للتواصل مع الناخبين.. الأحزاب تسابق الزمن استعدادا للانتخابات    محافظ قنا يستقبل وفدًا من مطرانية الأقباط الأرثوذكس للتهنئة بعيد الأضحى    اليوم.. «بيت الزكاة والصدقات» يقدِّم 4000 وجبة إفطار للصائمين بالجامع الأزهر    ارتفاع عالمي في أسعار الذهب اليوم الخميس 5 يونيو 2025.. كم سجل الجرام الآن؟    الفاصوليا ب 70 جنيهًا.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية الخميس 5 يونيو 2025    دي أمراض أنا ورثتها، كامل الوزير يقيل أحد مسؤولي وزارة الصناعة على الهواء (فيديو)    أبطال مجهولون في العيد.. وقف ‬الراحات ‬وحملات ‬مكثفة ‬وانتشار ‬أمني ‬واسع    تحقيق في استخدام بايدن لتوقيع آلي: ترامب يشكك في شرعية قرارات رئاسية    17 مصابًا جراء هجوم روسي واسع على خاركيف شرقي أوكرانيا    أيمن موسى يكتب: «جورجي إسرائيلي كوري بيلاروسي»    وول ستريت جورنال: ترامب نفد صبره من انتقادات ماسك للمشروع الضخم    بقوة 3.8 درجات.. زلزال جديد يهز جنوب اليونان    مسؤول أمريكي: هجماتنا ضد الحوثيين كلفت أكثر من 1.5 مليار دولار منذ أواخر 2023    تشكيل الزمالك المتوقع ضد بيراميدز في نهائي كأس مصر.. الجزيري يقود الهجوم    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 5-6-2025    نتيجة ثالثة إعدادي محافظة جنوب سيناء بالاسم و رقم الجلوس.. متي تظهر؟ (الرابط الرسمي)    إصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي في الوادي الجديد    توافد الحجاج إلى مسجد نمرة بمشعر عرفات استعدادا لأداء ركن الحج الأعظم (فيديو)    حبس عصابة تخصصت في سرقة مواقع تحت الإنشاء ببدر    والدة شيكا ترفض 108 آلاف جنيه.. أبرز ما جاء فى بيان أرملة إبراهيم شيكا    حكايات العيد والحج.. إبداع بريشة المستشرقين    أفضل دعاء للمتوفى في يوم عرفة 2025 مكتوب.. أدعية مستجابة تنير القبور رددها كثيرًا الآن    10 أدعية ليوم عرفة مستجابة تجلب الخير والرزق والعتق من النار    قاضٍ أمريكي يوقف ترحيل عائلة المصري المشتبه به في هجوم كولورادو    ناجي الشهابي مهنئًا الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك: نقف خلفكم.. ومواقفكم أعادت لمصر دورها القيادي    «اصبر أحنا مطولين مع بعض».. محامي زيزو يتوعد عضو مجلس الزمالك بعد واقعة الفيديو    بعثة الأهلى تغادر مطار دبى إلى أمريكا للمشاركة فى كأس العالم للأندية    رد جديد من اتحاد الكرة بشأن أزمة عقد زيزو مع الزمالك: «ملتزمون بهذا الأمر»    المصرية للاتصالات WE تطلق رسميًا خدمات الجيل الخامس في مصر لدعم التحول الرقمي    «أضحى الخير» يرسم البسمة على وجوه 5 آلاف أسرة بالوادي الجديد.. صور    دعاء يوم عرفة مستجاب في 9 أوقات للحاج وغير الحاج ( تعرف عليها)    موعد أذان الفجر اليوم في القاهرة وجميع المحافظات للصائمين يوم عرفة    «صحة مطروح» تستعد لعيد الأضحى    تهنئة عيد الأضحى 2025.. أجمل عبارات التهنئة لأحبائك وأصدقائك (ارسلها الآن)    غرفة عمليات ذكية لضمان أجواء آمنة.. صحة مطروح تُجهز الساحل الشمالي ل صيف 2025    بحضور نجوم الفن.. حماقي وبوسي يحييان حفل زفاف محمد شاهين ورشا الظنحاني    ب3 أرقام.. كريستيانو رونالدو يواصل كتابة التاريخ مع البرتغال    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    رسميًا.. الهلال السعودي يعلن تعاقده مع سيموني إنزاجي خلفًا لجيسوس    هل تسقط مع الظهر بصلاة العيد؟.. حكم صلاة الجمعة يوم «الأضحى المبارك»    أمين مجمع البحوث الإسلامية الأسبق يكرم حفظة القرآن الكريم بمدينة طهطا    بعد ارتفاع عيار 21 لأعلى سعر.. أسعار الذهب اليوم الخميس 5 يونيو بالصاغة محليًا وعالميًا    نجاح أول جراحة لاستبدال الشريان الأورطي بمستشفى المقطم للتأمين الصحي    نصائح مهمة يجب اتباعها على السحور لصيام يوم عرفة بدون مشاكل    صحة الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى خلال إجازة عيد الأضحى    القائد العام للقوات المسلحة ووزير خارجية بنين يبحثان التعاون فى المجالات الدفاعية    الوزير: "لدينا مصنع بيفتح كل ساعتين صحيح وعندنا قائمة بالأسماء"    التعليم العالى تعتزم إنشاء أكبر مجمع صناعي للأجهزة التعويضية    قبل صدام بيراميدز.. كم مرة توج الزمالك ببطولة كأس مصر بالألفية الجديدة؟    نجاة السيناريست وليد يوسف وأفراد أسرته من حادث سير مروع    الرسوم الجمركية «مقامرة» ترامب لانتشال الصناعة الأمريكية من التدهور    حدث ليلًا| استرداد قطعًا أثرية من أمريكا وتفعيل شبكات الجيل الخامس    "عصام" يطلب تطليق زوجته: "فضحتني ومحبوسة في قضية مُخلة بالشرف"    حفروا على مسافة 300 متر من طريق الكباش.. و«اللجنة»: سيقود لكشف أثري كبير    مسابقة لتعيين 21 ألف معلم مساعد    نجل سميحة أيوب يكشف موعد ومكان عزاء والدته الراحلة    5 أبراج «مايعرفوش المستحيل».. أقوياء لا يُقهرون ويتخطون الصعاب كأنها لعبة مُسلية    فوائد اليانسون يخفف أعراض سن اليأس ويقوي المناعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللحظة الفاصلة‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 16 - 01 - 2010

أنا رجل عمري‏58‏ عاما‏,‏ نشأت في أسرة مفككة لأم من الإسكندرية وأب من القاهرة‏,‏ وعرفت أنها تزوجت رغما عن أهلها‏,‏ ولذلك طلقوها بعد ولادتي بشهور معدودة‏..‏ وعشت هكذا بلا أم‏..‏ أما أبي فلم أكن أراه إلا بعد منتصف الليل كل يوم‏..‏ وتلفت حولي فوجدتني وحيدا‏..‏ لا عائلة لي‏,‏ ولا أصدقاء وأخذت أبحث عن أمي في كل مكان فلم أجدها‏..‏ فانجرفت إلي عالم المخدرات وصرت مدمنا‏,‏ واتجهت إلي السرقة لكي أحصل علي نقود أشتري بها المخدرات‏..‏ واضطررت في مرات كثيرة إلي الشروع في القتل‏,‏ وعندما بلغت سن الثالثة والعشرين ارتكبت جريمة قتل بالفعل‏,‏ وكان ذلك في ديسمبر عام‏1974‏ فكانت آخر عهدي بالحرية‏,‏ حيث حكم علي بالسجن المؤبد لتعدد جرائمي‏..‏ وفيه ذقت الأمرين علي أيدي عتاة المجرمين‏,‏ وقد شجعهم علي ذلك جسدي النحيل‏..‏ وحاول احدهم ذات ليلة الفتك بي فقتلته وحكم علي بخمسة عشر عاما أخري‏.‏
وتأكدت تماما أنني سأقضي باقي عمري في السجن فتأقلمت علي حياته‏,‏ وتعلمت فيه حرفة النجارة ومضت سنوات العمر سنة وراء أخري‏,‏ وأنا وحيد لايزورني أحد ولا يسأل عني أي مخلوق‏!‏
وفكرت في استكمال تعليمي فحصلت علي الثانوية العامة بمجموع‏75%‏ وعاهدت الله علي أن أصبح انسانا مستقيما‏..‏ وأصدقك القول انني برغم ما قد يبدو من أني قاسي القلب إلا أن الحقيقة غير ذلك‏,‏ إذ أتأثر بأي حادث بسيط‏,‏ ولم يمر يوم واحد علي في السجن دون بكاء مرير يصل إلي حد الانهيار‏..‏
وظللت علي هذه الحال خمسة وثلاثين عاما‏..‏ أجيال ولدت‏..‏ وأجيال ماتت‏..‏ وأنا قابع داخل السجن‏..‏ وتقربت إلي الله أن يغفر لي خطاياي‏,‏ وأن يساعدني علي استكمال ما بقي لي من عمر‏.‏
وجاءتني البشري في أحد أيام شهر أبريل الماضي‏,‏ حيث طلبني الاخصائي الاجتماعي في السجن وسألني عما إذا كنت أرغب في الخروج إلي الحياة من جديد أم لا؟‏..‏ فتسمرت مكاني ولم أنطق بكلمة واحدة وانهرت باكيا أمامه وتجمع حولي زملائي في السجن وهللوا فرحا بالافراج عني‏.‏
وكانت اللحظة الفاصلة بين حياة السجن وحياة الحرية‏..‏ وعندما وقعت عيناي علي الشارع الواقع فيه السجن‏..‏ وجدت عالما جديدا وغريبا‏..‏ وأحسست أنني عائد من الموت‏..‏ فهناك فرق شاسع بين الحياة اليوم‏..‏ والحياة قبل‏35‏ عاما‏..‏ وبالطبع لم أجد في استقبالي أحدا‏..‏ فمشيت في الشارع هائما علي وجهي لا أعرف إلي أين أسير؟‏..‏ فذهبت إلي منزلنا القديم في منطقة بولاق أبوالعلا‏,‏ وسألت شيوخ المنطقة عن أبي فقالوا لي إنه رحل من سنوات طويلة وكذلك عمي‏,‏ أما بيتنا القديم فلقد رحل مع الزمن وحل محله والبيوت الماثلة أمام موقف الترجمان المعروف الآن بميناء القاهرة البري‏!‏
ولم أجد مكانا يؤويني فعدت إلي قسم بولاق أبوالعلا وسلمتهم نفسي‏,‏ وطلبت من المأمور أن أبيت في القسم كل ليلة فلا بيت لي‏,‏ ولا وظيفة‏,‏ ولا أقرباء‏,‏ فأبدي استغرابه من طلبي‏,‏ ثم وافق وهو مندهش‏!‏
وفي الصباح خرجت إلي مصلحة الأحوال المدنية لكي استخرج بطاقة الرقم القومي فصدمني المسئول بأن علي أن أصطحب معي أحد أقاربي‏,‏ فأخبرته بأنني مقطوع من شجرة‏,‏ وكل ما أتذكره إن لي أختا غير شقيقة إسمها زينب مصطفي عبدالجواد ولا أعرف لها مكانا‏..‏ لكنه لم يلق بالا لمأساتي وخرجت والدموع تترقرق في عيني‏!!‏
وتوجهت إلي محافظة القاهرة وطلبت ترخيص كشك لي لبيع المواد الغذائية البسيطة فطلبوا مني البطاقة‏!..‏ وطرقت أبواب اصحاب الحرف ومنها حرفة النجارة التي احترفتها‏,‏ ولكني لا أملك أي أوراق رسمية اتسلمها له‏,‏ وكلما عرف أحدهم حكايتي تغيرت معاملته لي واعتذر لعدم وجود عمل لي عنده‏!‏
هل تعرف ياسيدي ماذا افعل الآن‏..‏ إنني لا اغادر السجن صباحا‏..‏ ولا مساء ولو انني مت لما لاقيت هذا العذاب الذي اعيشه؟‏..‏ إنك تقول دائما في ردودك ان الدنيا بخير‏,‏ وأنه لاحياة مع اليأس‏,‏ فكيف يتحقق هذا الشعار في هذا الزمن القاسي؟‏,‏ صدقني إنني لا أجد لقمة العيش الآن خارج أسوار السجن‏..‏ وحتي السجن نفسه لم يعد يقبلني بين جدارنه وأحس انني عبء علي الجميع‏..‏ قل ياسيدي للمسئولين في وزارة الداخلية‏..‏ ان هناك انسانا‏..‏ لاهو حي‏..‏ ولا هو ميت يريد أن يكون له مكان بين بني البشر‏..‏ وقل لمحافظ القاهرة‏..‏ هل يرضيك أن تترك رجلا قارب الستين من عمره بلا مأوي ولا طعام‏..‏ وأخيرا خاطب ضمير وزير التضامن الاجتماعي للقيام بدوره الإنساني قبل واجبه الوظيفي‏.‏
قل لهم جميعا‏..‏ إنني أريد أن أستريح فلقد تعبت من هذا المشوار الذي لا تبدو له في الأفق نهاية‏!‏
‏*‏ قضيت‏35‏ عاما وراء الأسوار‏,‏ وهي مدة كبيرة بحساب الزمن وعمر الإنسان‏,‏ لذلك فمن الطبيعي أن تجد حياة مختلفة تماما عن الحياة التي عاصرتها في بداية السبعينيات‏,‏ فما أكثر المتغيرات التي طرأت علي المجتمع‏,‏ سواء كانت تغيرات اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها‏.‏
والمهم في قصتك ياسيدي أنك استغللت هذه السنوات الطويلة في التعليم‏,‏ والعمل الحرفي‏,‏ فصارت لديك صنعة تستطيع أن تعيش منها‏,‏ ومادمت قد أصبحت حرا بعيدا عن قيود السجن فإن حقك علي الدولة أن توفر لك فرصة الحياة المستقرة بعد سنوات المكابدة والشقاء‏.‏
وأضم صوتي إلي صوتك فأخاطب وزيري الإسكان والتضامن الاجتماعي ومحافظ القاهرة لتوفير سكن لك وعمل بسيط أو كشك تبيع فيه المواد الغذائية كما ترغب‏,‏ وقبل كل هؤلاء أخاطب السيد حبيب العادلي وزير الداخلية لاستخراج بطاقة الرقم القومي لك‏,‏ إذ أن لديك أوراقك التي تثبت شخصيتك‏,‏ وإلا كيف تم سجنك خمسة وثلاثين عاما‏!!‏
وأرجو أن تهدأ بالا ولا تنزعج‏,‏ ففي الحياة متسع دائما لتحقيق الأماني والأحلام مادام في العمر بقية‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.