موسكو سقطت في اول اختبار حقيقي في مواجهة الطبيعة. التاريخ يعيد نفسه.. مرة علي شكل مأساة والاخري علي شكل ملهاة. وها هي روسيا تواجه المأساة والملهاة معا. هل تذكرون انفجار مفاعل تشيرنوبيل في ربيع عام1986 ؟ وعلي الرغم من ان الكارثة الاخيرة لا ترقي في غموضها واسبابها حد تلك الكارثة النووية المريعة فان ما حصدته روسيا من نتائج يفوق في تأثيراته النفسية والبشرية ما حدث في ذلك الزمان. رجال السياسة يتبادلون الاتهامات ويخوضون صراعا بينيا غير معلن في الوقت الذي تتعمق فيه المأساة وتتزايد التبعات وتتفاقم المشاكل التي يظل الفساد ماركتها المسجلة. وفيما يعكف المسئولون علي دراسة سبل التعجيل بالخروج من الازمة لانقاذ مواطنيهم. واذا كانت الكارثة عصفت ولا تزال تعصف بتوازن الداخل بلا هوادة فان الخارج لم يكن بمأمن من عواقبها ومنها ما يتعلق بقرار موسكو حول حظر صادرات الحبوب الروسية وتأثير ذلك علي مكانة روسيا وعلاقاتها بالخارج. واذا كانت اوساط صناعة القرار تعجلت باتخاذ ما تصورته انقاذا للمستقبل الغذائي لروسيا فان هناك في موسكو من سارع بمواجهته استنادا الي الارقام ومتسلحا ببعض مبادئ السياسة التي تقول بضرورة احترام التعاقدات وتنفيذ ما جري التوقيع عليه من اتفاقيات ومعاهدات. وفي محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه كشفت اتحاد مصدري الحبوب في روسيا عن ان عددا من الشركات الروسية تتعجل الايفاء بتعاقداتها مع هذه البلدان قبل سريان موعد الحظر الذي سبق واعلن عن فرضه فلاديمير بوتين علي صادرات الحبوب الروسية اعتبارا من أمس بسبب انتشار الحرائق التي اتت علي الكثير من المحاصيل وفاقمت من تأثيرات موجة الجفاف. وكشفت وكالة ريا نوفوستي عن ارتفاع صادرات روسيا من الحبوب في يوليو الماضي والتي بلغت اعلي مستوياتها ما يقدر ب96,1 مليون طن بما فيها مليون طن وخمسة وسبعين الف طنا من القمح. في الوقت الذي ناشد فيه اركادي زلوتشيفسكي رئيس اتحاد مصدري الحبوب في روسيا السلطات الحكومية اعادة النظر في هذا القرار لانقاذ سمعة ومكانة روسيا كلاعب اساسي في الاسواق العالمية لتصدير الحبوب. وأشار إلي وجود الاحتياطي الذي يسمح بذلك نظرا لما سبق وحققته روسيا في الموسمين الماضيين من انتاج تجاوز المائة مليون طن في العام الماضي. وقال زلوتشيفسكي ان روسيا تستطيع ورغما عن كل المصاعب توفير14-15 مليون طن بدلا من5,21 مليون طن كانت صدرتها موسكو في العام الماضي. ونقلت وكالة' نوفوستي' ان مصدري الحبوب الروس ملزمون بتوريد اكثر من3,1 مليون طن من القمح الي شركات مصرية واردنية بعد موعد الحظر المقرر اعتبارا من15 اغسطس فيما قالت نقلا عن مصادر اتحاد مصدري الحبوب ان الصادرات الروسية قد تبلغ بعد هذا التاريخ ما يقرب من3-4 ملايين طن. وكانت موسكو اعترفت بان مصر تقف في صدارة الدول الاكثر تضررا من قرارها حول وقف صادراتها من الحبوب حتي اول ديسمبر المقبل. وكان فلاديمير بوتين رئيس الحكومة الروسية اشار الي ان قرار فرض الحظر المؤقت علي صادرات روسيا من الحبوب والمنتجات الزراعية يأتي من اجل الحيلولة دون ارتفاع الاسعار المحلية لهذه المنتجات والحفاظ علي الثروة الحيوانية في الداخل. وحذر زلوتشيفسكي رئيس اتحاد مصدري الحبوب من وقف موسكو لصادراتها من الحبوب الي مصر, ولا سيما ان روسيا كانت فازت بثلاث مناقصات لتوريد180 الف طن من الحبوب الي مصر منذ بضعة ايام فقط وهو ما يعني ان المصريين سيكونون مدعوين الي البحث عن مصادر اخري, مشيرا الي ان العقود الموقعة ليست عقودا مع تجار بل مع دول وهو ما يهدد سمعة روسيا كمصدر يمكن الاعتماد عليه. ويتوقع مدير هيئة الارصاد الجوية ان موجة الحر ستتسبب في انخفاض محاصيل هذا العام بنسبة30% مقارنة بانتاج العام الماضي, مشيرا الي ان الانتاج سيكون في حدود67-70 مليون طن. ويبقي حصاد الكارثة الذي لن يقتصر علي حسابات الخسائر المادية والبشرية وسوف يتعداها الي تصفية الحسابات السياسية. وفي هذا الاطار تشير الشواهد الي ان الايام القليلة المقبلة سوف تشهد موجة اقالات لا بد ان تشمل العديد من القيادات المحلية, بينما يتابع المواطنون علي شاشات التليفزيون بسخرية مكتومة رئيس حكومتهم علي متن احدي الطائرات التي تنقل المياه لاطفاء الغابات. وبهذه المناسبة كشف الكثيرون من المراقبين, عن ان ارقام الضحايا وتنبؤات اجهزة الارصاد الجوية خير دليل علي سوء ادارة الازمة وخيبة الامل في قوي المعارضة السياسية التي لا تزال تفتقد الرمز والزعيم. واشار هؤلاء الي ان فصائل المعارضة صارت لا وزن ولا تأثير لها علي اعداد واقرار القوانين والمشاركة في صناعة القرار بعد ان تحولت الي ديكور للسلطة واستكانت لواقع امتلاك الحزب الحاكم الاغلبية الدستورية التي تكفل له اليد العليا في كل المجالات ما يجعله في مأمن من الحساب وبعيدا عن اية محاولة لانزال العقاب.