خطت مصر في الأسبوع الماضي خطوة جديدة في مشوارها الطويل نحو تنفيذ برنامجها النووي السلمي لتوليد الطاقة, عندما ترأس الرئيس مبارك اجتماع المجلس الأعلي للطاقة النووية بعد إعادة تشكيله. وفي هذا الاجتماع, شدد الرئيس علي ضرورة الاهتمام بتدريب الكوادر البشرية المصرية, لأنها هي التي سوف تتولي تشغيل وصيانة المحطات النووية في المستقبل. وعنصر التدريب والكوادر البشرية في هذا المشروع يصل في أهميته إلي البعد التكنولوجي والصناعي, وصعوبة الحصول عليهما من مصادرهما الدولية, في مجال تحيط به الشبهات, يجعل من يسير فيه كأنه يتحرك فوق حقل من الألغام, فضلا عن التكلفة الاقتصادية العالية, فمن المتوقع أن تصل تكلفة المحطة النووية الأولي إلي نحو أربعة مليارات دولار. ونعود إلي موضوع العنصر البشري, وتدريب الكوادر, واهتمام الرئيس مبارك بهذا البعد وتأثيره علي نجاح المشروع. ولعل تجربته الطويلة في القوات الجوية قد أوضحت له أن لكل منظومة فنية مستوي بشريا خاصا وطريقة للتعامل معها بكفاءة وأمان. وإذا لم يؤخذ ذلك في الاعتبار, فعلينا أن نتوقع حدوث كوارث قد تؤدي إلي خسائر كان من الممكن تجنبها إ ذا نظرنا من البداية إلي العنصر البشري ومستوي تدريبه, ليس فقط علي الجوانب الفنية البحتة في المشروع ولكن أيضا علي الجوانب النفسية والثقافية, فضلا عن الاهتمام بأسلوب إدارة المفاعل النووي بما يجعل وقوع الخطأ في أقل الاحتمالات الآمنة. وفي مجال الخطأ البشري وكيفية حدوثه, وأسلوب تعامل العنصر البشري مع الأجهزة الحديثة التي تدار من خلال أزرار وشاشات نجد أن كثيرا من الدول قد أقامت مراكز بحثية وتدريبية بهدف خفض مستوي المخاطر وتحقيق أقصي قدر من الأمان خاصة في مجال إدارة الأنظمة المعقدة بواسطة مجموعات تتناوب العمل في نوبات متعاقبة علي مدار اليوم الكامل. ومن خلال هذه المراكز البحثية, وتركيزها في الأساس علي العنصر البشري, تبين أن العمل الليلي معرض لمخاطر الحوادث مقارنة بالعمل خلال النهار, وأنه إذا وصلت نوبة العمل الواحدة إلي16 ساعة فإن معدل وقوع الأخطاء يتضاعف بمعدل ثلاث مرات مقارنة بنوبة عمل مدتها لا تتعدي ست ساعات. ولحسن الحظ تعرضت معظم الحوادث والكوارث الكبري لكثير من الفحص والتحليل المدقق حول أسبابها, ودور الخطأ البشري في وقوعها. ومثال ذلك كارثة مفاعل تشيرنوبيلChernoby النووي ومفاعل ثري مايلز ايلاند, ومصنع إكسون فالديز. وفي الحالات الثلاث, تبين أن الإرهاق البشري خلال نوبة العمل كان من الأسباب الرئيسية في حدوث الكارثة. والنوم خلال نوبة العمل الليلية يمكن أن يحدث ويتكرر ربما لثوان قصيرة أو لدقائق أو ربما لأكثر من ذلك, وقد يرتفع الخطر إلي مستويات أعلي من ذلك إذا كان الفرد يعمل بمفرده. ومعظم المراكز البحثية العاملة في هذا المجال النفسي والعصبي تربط بين قلة النوم والإرهاق والأخطاء البشرية, حتي لمن تم تدريبهم إلي مستويات عالية. وهناك عوامل أخري تتأثر بالعادات المجتمعية ومدي انتشار تناول المشروبات الكحولية والمخدرات في هذا المجتمع, فضلا عن العوامل النفسية الأخري, ومنظومة الأمراض التي يتعرض لها الناس. ومثل هذه الأبحاث ونتائجها قد لا يلتفت إليها البعض في مجالات العمل الروتينية, لكن أهميتها تتضاعف آلاف المرات في حالات العمل داخل المفاعلات النووية, أو ما يوازيها من نظم أخري معقدة, حيث الكارثة فيها تؤدي إلي معاناة تاريخية قد تمتد لعقود طويلة بلا أمل في إصلاح ما تم تدميره. وهناك عامل آخر من المهم أخذه في الاعتبار بالنسبة لمصر ومشروعها النووي, حيث لم تمتلك مصر من قبل مفاعلا نوويا بهذا الحجم, أو غواصات نووية,ولم تتراكم أخطاء لها في هذا المجال يمكن أن تردع العاملين وتبعدهم عن شر اعتقاد العصمة من الخطأ. في2004 أصدر الفرع السويدي لمنظمة الفيزيائيين الدوليين لمنع الحرب النووية تقريرا بعنوان العامل البشري وخطر الحرب النووية ولم يقتصر التقرير علي خطر الحروب النووية بسبب العامل البشري, بل تعرض أيضا لخطر المفاعلات النووية وأي منظومات أخري صناعية أو علمية يمكن أن ينتج منها كوارث كبري بسبب العامل البشري. وقد تعرض التقرير لبعض الدراسات في هذا المجال ومنها كتاب العجرفة المهلكة اعتقاد العصمة من الخطأ والتكنولوجيا الخطرة والأخير تعرض بالتحليل لعدد من الكوارث الشهيرة منها انفجار مفاعل تشيرنوبيل النووي نتيجة توقف ستة نظم للأمان بسبب تصرف خاطئ للمهندس المناوب في26 أبريل1986. ويظهر ذلك مكمن الخطر عندما تتراكم هشاشة تصميم المفاعل هندسيا, مع أخطاء بشرية لفريق عمل لم يتم إعداده بالطريقة الصحيحة. ونفس الشيء تكرر في كارثة مصنع يونيون كاربيد في الهند في3 ديسمبر1984 حيث تسرب من المصنع سحابة من غازات سامة غطت مدينة هوبال الهندية تسببت في مقتل2000 فرد وإصابة200.000 بإصابات مختلفة نتيجة أخطاء بشرية أدت الي شلل ثلاث وسائل للأمان في منظومة العمل. ويشير التقرير أيضا الي عامل الضجر, وما ينشأ عنه من ضغوط نفسية, عندما يكرر الفرد نفس الأشياء كل يوم بدون تغيير. وللخلاص من هذا الضجر قد يلجأ العاملون الي تناول المشروبات الكحولية والمخدرات أو البقاء مستيقظين والانخراط في لعب الورق أو أي مباريات أخري للتغلب علي الروتين اليومي ونسيان عملهم الأساسي. وللخلاص من هذه الآفة, ونتيجة لخبرات متراكمة, قامت الولاياتالمتحدة خلال الفترة من1975 و1990 بإعفاء66000 رجل عسكري من العاملين في المجال النووي بمعدل4100 فرد في السنة. وبناءعلي دراسة مكتب المحاسبات العام الأمريكي, يتحمل العامل البشري مسئولية75% من الحوادث الخطيرة للطائرات العسكرية خلال السنوات1994 و1995. وبالنسبة للمفاعلات النووية المولدة للطاقة في الولاياتالمتحدة, خرجت دراسة في1998 تشير الي أن80% من المشاكل المسجلة داخل هذه المفاعلات ناتجة من أخطاء العاملين فيها, أو استعمالهم لطرق عمل غير مناسبة, كما أصدر معهد الدواء التابع للأكاديمية الوطنية للعلوم تقريرا يشير فيه الي أن أخطاء استعمال الأدوية تؤدي كل سنة الي موت عدد من الناس يفوق من يموت بسبب السرطان أو الإيدز. وهناك عدد من القواعد يجب أن تؤخذ في الاعتبار عندما نتحدث عن الخطأ البشري وعلاقته بالكوارث الكبري. أولا: أن الخطأ, أو فشل النظام عن العمل لا يجب أن يكون مستمرا حتي يكون خطيرا. فالكارثة يمكن أن تحدث من خطأ واحد لم يتكرر من قبل, فقد يكفي مرة واحدة يتناول فيها حراس المفاعل النووي المخدرات في يوم يتعرض فيه المفاعل الي هجوم من مجموعة إرهابية. ولأن مثل هذه الحوادث لا يمكن التنبؤ بها مستقبلا, فلابد من اتخاذ الاحتياطات اللازمة في كل الأوقات. ثانيا: لا يجب التفرقة بين الخطأ البسيط والخطأ الكارثي في التعامل مع الأنظمة المعقدة مثل المفاعلات النووية والطائرات, لأن النتيجة قد لا تتوقف علي الخطأ نفسه, ولكن علي طبيعة الشيء المحيط بالخطأ. ويعطي التقرير مثالا علي ذلك من حادثة طائرة الركاب الأمريكية في1995 المتجهة الي كالي في كولومبيا نتيجة إدخال عدد من الأرقام الخطأ الي كمبيوتر نظام الملاحة في الطائرة وأدي ذلك الي اصطدام الطائرة بالجبال القريبة منها, وقتل كل من كانوا عليها. ولولا أن الجبل كان قريبا من الطائرة لكن من الممكن تصحيح الرقم الخاطئ بدون أن تحدث الكارثة.