مع تقدم الخطوات الرامية إلي استئناف مصر لبرنامجها لبناء محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية، والتعاقد فعلا مع شركة استشارية دولية لإجراء دراسات لتحديد الأماكن المناسبة لبناء أول محطة نووية مصرية "بما فيها موقع الضبعة السابق اختياره".. بدأت الأسئلة تتصاعد لدي الكثيرين حول قضية الأمان النووي.. وامكانية اقامة المفاعلات النووية بالقرب من المناطق المأهولة.. واحتمالات ومخاطر التسرب الاشعاعي.. وهل يمكن مثلاً أن ينفجر المفاعل النووي ويتحول إلي قنبلة ذرية مدمرة؟ ويبدو أن الهاجس الأخير بالذات هو ما يثير أشد المخاوف، وخاصة عند العامة وقليلي الاطلاع من الناس وليس نادراً ما يستحضر البعض ما جري في مفاعل "تشيرنوبيل" في جمهورية أوكرانيا "السوفيتية آنداك".. والذي كان مفاعلا قديما ومكشوفا، وهو لم يتحول إلي قنبلة نووية علي أية حال.. والأهم من ذلك أن خبرة ما حدث في ذلك المفاعل قد تم استيعابها جيدا، وترجمتها إلي وسائل واجراءات الأمان تجعل من المستحيل تكرار ما جري في تشيرنوبيل بأي شكل من الأشكال. والواقع ان استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء أو تحلية مياه البحر قد أصبح امناً إلي أبعد حد خاصة في العقدين الأخيرين بفضل التقدم الهائل في اجراءات ووسائل الأمان المتفق عليها والمعتمدة عالميا.. والمستندة إلي أساس علمي راسخ لمحددات الأمان في المفاعلات النووية. إجراءات صارمة لأمان المفاعلات فمفاعلات اليوم لها مواصفات صارمة علي مستوي البناء والخراسانات فضلا عن أجهزة الأمان والتقنيات المتطورة بحيث اصبحت هذه المفاعلات آمنة تماماً، وهي مصممة بحيث انه لو حدثت مشكلة ما أو وقع خطأ غير اعتيادي فإن هذه الأجهزة تعمل لحظيا ويتوقف المفاعل فوراً. كما حددت الوكالة الدولية للطاقة الذرية باعتبارها الجهاز المسئول عن مراقبة الانتشار النووي وتنفيذ معاهدة حظر الانتشار عددا من الاجراءات التي يتعين علي الدول غير النووية الأخذ بها لتنفيذ برامجها النووية السلمية تتميز بعض هذه الاجراءات بالصفة الارشادية والبعض الآخر ضمنته الوكالة في اتفاقيات دولية ملزمة والهدف من هذه الاجراءات جميعها تحقيق السلامة النووية..!! أي تقليل الخطر الناتج عن ضعف الكفاءة او الاهمال في تشغيل المفاعلات النووية. وذلك إلي جانب توافر أنظمة الإنذار المبكر لتمكين الجهة المشغلة للمفاعل والدولة المالكة من اتخاذ ما يلزم من اجراءات قبل وقوع الحادث وتسعي الوكالة الدولية دائما لاقناع الدول بالوفاء بهذه الاجراءات. وهذا يعني بالنسبة لنا تبني المفاعلات المتقدمة لكونها متأصلة الأمان وتستخدم نظماً للأمان أكثر تقدما من الناحية التقنية مقارنة بالمفاعلات القديمة. المفاعل.. والقنبلة من المعروف أن طريقة عمل المفاعل النووي والقنبلة الذرية كليهما تقوم علي مفهوم واحد هو الانشطار النووي الذي يحدث نتيجة اصطدام جسيم نووي متناهي الصغر هو "النيترون" بذرات المواد الانشطارية "اليورانيوم أو البلوتونيوم أساسا" مما يؤدي إلي انشطار هذه الذرات وانطلاق كمية هائلة ومحسوبة من الطاقة، وكذلك إلي انطلاق اعداد جديدة من النيترونات ترتطم بدورها بذرات أخري وهكذا، وهذه عملية يمكن التحكم فيها في حالة مفاعلات توليد الطاقة لانها تستخدم عادة وقوداً من اليورانيوم منخفض التخصيب "2 - 4%". وذلك بخلاف القنبلة التي يستخدم في صنعها اليورانيوم عالي التخصيب "أكثر من 20%" أو البلوتونيوم. ومعرروف كذلك أن جسم المفاعل الداخلي نفسه يتكون من مواد ذات طبيعة فيزيائية تساعد علي التحكم في كمية الطاقة المتولدة وعمليات التفاعل الجارية داخل المفاعل وفي حالات الحوادث - لا قدر الله - يؤدي الارتفاع الشديد في درجة حرارة مكونات المفاعل إلي انصهارها، وبالتالي إلي اختفاء الصورة الفيزيائية الضرورية لاستمرار التفاعلات الانشطارية، وهذه حقائق أصبحت معروفة علي نطاق واسع لقراء الكتب العلمية المبسطة المنتشرة في جميع البلدان المتقدمة، حيث تنتشر أيضا مئات المفاعلات النووية التي تحصل منها هذه البلدان علي طاقة نظيفة وآمنة ورخيصة وبكميات ضخمة. حقيقة تشيرنوبيل تعد حادثة تشيرنوبيل الأسوأ في تاريخ تشغيل المفاعلات النووية.. لكنها أيضا تقدم دليلا قاطعا علي عدم امكانية تحول المفاعل الي قنبلة نووية فماذا حدث في تشيرنوبيل؟ حدث خطأ في إجراءات تشغيل المفاعل نتج عنه أنه خلال 4 ثوان فقط تضاعفت قدرة المفاعل الحرارية بحوالي 1000 مرة مما أدي إلي خلل في نظام تصريف الحرارة بالمفاعل وزادت كمية الحرارة عن سعة التصريف للحرارة مما ادي إلي ارتفاع حاد في درجة حرارة مياه التبريد وتحولها بسرعة حادة ومفاجئة إلي بخار، وهو ما أدي إلي حدوث موجة تصادمية نتج عنها تدمير المفاعل والذي لم يكن تصميمه بخلاف تصميمات جميع المفاعلات الاخري والمنتشرة حاليا في كل انحاء العالم "حوالي 458 مفاعلاً" تحتوي علي وعاء احتواء لمجابهة الموجات التضاغطية. وفي النهاية وبالدلائل الاجرائية والعلمية البحتة لا يمكن بالقطع للمفاعل النووي أن يتحول إلي قنبلة نووية ومثل هذا الخطر غير موجود علي الاطلاق بسبب الخواص الفيزيائية للمواد النووية التي يتكون منها المفاعل وليس لدينا ما يمكن أن نخشاه من دخول عصر الطاقة النووية.. من أجل مستقبل أفضل لاجيالنا القادمة.