في الوقت الذي كان العالم كله يحتفل بالذكري الستين لالقاء اول قنبلة نووية علي مدينة هيروشيما اليابانية "6 اغسطس 1945" ثم القنبلة الثانية التي ألقيت بعدها بثلاثة ايام علي مدينة نجازاكي "9اغسطس 1945". وفي الوقت الذي يحتشد فيه مئات الالاف من انصار السلام الذين جاءوا من جميع انحاء العالم في المدينتين يشعلون الشموع في ذكري 300 الف انسان فقدوا حياتهم لحظة الانفجار واكثر من مليون فقدوا حياتهم بعد ذلك. وفي الوقت الذي يكرر فيه الرئيس الامريكي جورج بوش تهديداته الملتهبة ضد ايران التي تطور برنامجها الخاص بالطاقة النووية ويصل الي حد التهديد بشن حرب وقائية ضدها!! في هذه الأيام تحديدا كان هناك اجتماع آخر يعقد في مدينة ادماسا بولاية نبراسكا الامريكية وحضر هذا الاجتماع الذي عقد في سرية تامة مسئولون كبار من جنرالات البنتاجون وقياداته ومعهم بعض العلماء والمختصين في الأسلحة النووية. وكان الموضوع المطروح هو دراسة الوسائل والاساليب الممكنة لتحديث الترسانة النووية الامريكية تقدر بأكثر من عشرة الاف رأس نووي وقادرة علي تدمير العالم عشر مرات، وترددت اقوال بان هذا الاجتماع السري والخطير قد ناقش ايضا امكانية تطوير اسلحة نووية صغيرة ومحدودة او ما يطلق عليها الاسلحة الذرية الفعالة والعملية. ويذهب الكثيرون الي ان ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش تضع بالفعل استراتيجية عسكرية يمكن ان تستخدم فيها الاسلحة النووية التكتيكية تحت شعار الاستراتيجية الجديدة التي اعلن عنها البنتاجون رسميا وهي الحرب الاستباقية. وقد نشرت "نكليربوستر ريفيو Naclear Poster Revriew" وهي نشرة خاصة بالبنتاجون دراسة حول الامن القومي الامريكي واستراتيجية الحرب الاستباقية أو حرب الاجهاض وفي هذا الاطار تمت مناقشة امكانية استخدام اسلحة الدمار الشامل بما في ذلك الاسلحة النووية.. وبالرغم من ان نشرة البنتاجون لم تذكر تفاصيل محددة الا انها اوردت ما اسمته مناقشة بعض الشروط والظروف التي قد تدفع الولاياتالمتحدة الي استخدام الاسلحة الذرية التكتيكية. ومعني ذلك ان الامر اصبح مطروحا وواردا رغم الغموض الذي يحيط بظروف الاستخدام وهو امر يتناقض تماما مع السياسات السابقة والمعلنة للولايات المتحدة خاصة فيما يتعلق بالحد من الاسلحة والتجارب النووية بل والسعي الي توقيع اتفاقية عدم انتشار الاسلحة النووية. تلك الاتفاقية التي تبنتها الولاياتالمتحدة 1995 وعملت علي فرضها علي كثير من البلدان والدول النامية في حين ان الكونجرس الامريكي لم يصدق عليها بشكل نهائي حتي الآن. وهناك مؤشر آخر يؤكد هذا الاتجاه بالنسبة لادارة الرئيس بوش وهو استئناف الولاياتالمتحدة لتجاربها النووية خاصة ما يطلق عليه بالصواريخ الصغيرة او الاسلحة النووية العملية. ويتأكد ذلك بالمشروع الذي قدم الي الكونجرس ووفق عليه ويتعلق باستئناف الابحاث لتطوير اسلحة نووية صغيرة وفعالة في تناقض واضح مع قرار سابق للكونجرس مضي عليه عشر سنوات بوقف اي ابحاث او تجارب نووية. ولعلنا نتذكر بعد كل ذلك التصريحات الملتهبة لدونالد رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي ايام الاستعدادات لغزو العراق حول امكانية استخدام اسلحة نووية تكتيكية من جانب القوات الامريكية. اما المؤشر الثالث فهو مواصلة الادارة الامريكية الحالية مشروعها في بناء واستكمال حائط الصواريخ المضادة وذلك وصولا الي ما يسميه البنتاجون بحالة الأمان الكامل. ان انعاش هذا المشروع "حرب النجوم" الباهظ التكاليف والذي تتكلف مرحلته الاولي اكثر من 350 مليار دولار هو امتداد لسياسة الغطرسة والهمجية التي وضع اسسها وفكرتها رونالد ريجان والذي ووجه أيامها بمعارضة شديدة حتي من الجمهوريين انفسهم علي اساس تكاليفه العالية ودفع سباق التسلح.. وعندما تولي الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون وضع مشروع حرب النجوم ضمن مشاريع عسكرية اخري في ثلاجة التجميد علي أساس انه ليس ضروريا لأمن وسلامة الولاياتالمتحدة. ولكن ادارة الرئيس بوش الابن وصقورها في البنتاجون والبيت الابيض تحمسوا للمشروع واعادوه للضوء مرة اخري ضمن مشروعات عسكرية جديدة وقفزت الميزانية العسكرية الامريكية الي آفاق غير مسبوقة (550 مليار دولار) واصبحت تساوي بل وتزيد علي الميزانيات العسكرية لاكبر 15 دولة في العالم منها روسيا وبريطانيا والصين وفرنسا والهند وايطاليا. هذه الإدارة هي نفسها التي حاصرت اتفاقية الحد من الاسلحة النووية بل وألغت كل الاتفاقيات الدولية السابقة التي كانت تدعو الي وقف انتاج وتحديث الاسلحة النووية مثل اتفاقية 1972 للحد من الصواريخ البلاستيكية العابرة للقارات والمزودة برؤوس نووية. وفي خطبته الاخيرة التي القاها بمناسبة ذكري قنبلة هيروشيما اللعينة قال عمدة المدينة تادوتش آلينا ان اتفاقية الحد من انتشار الاسلحة النووية علي وشك الانهيار ليس بسبب كوريا الشمالية بل بسبب الولاياتالمتحدة نفسها. إن هذه الادارة التي تفوقت علي كل الادارات الامريكية العدوانية السابقة والتي دخلت ثلاث حروب في اقل من ثلاث سنوات "افغانستان، العراق، ليبيريا" هي نفسها التي تثير ضجة واسعة حول المخاطر النووية التي تمثلها دول مثل كوريا الشمالية وايران وعلي اساس ان هذه الدول تتجاهل معاهدة عدم الانتشار النووي وان لديها مفاعلات ذرية قادرة علي انتاج هذه الاسلحة. ونجد انفسنا بازاء ملهاة نووية حزينة حين تعلن الولاياتالمتحدة وبشكل رسمي انها اعتمدت استراتيجية الحرب الاستباقية او الوقائية الذرية بما يعني ان الولاياتالمتحدة ستكون سباقة الي استخدام الاسلحة النووية قبل اي طرف آخر. وهناك اقتراح يقدمه عمدة هيروشيما بان تغير ادارة بوش اسم وزارة الدفاع الي وزارة الحرب الاستباقية. هكذا قال الرجل العجوز الذي شهد مأساة هيروشيما وهي تحترق بالقنبلة الذرية الأمريكية وهو طفل صغير.