خير الدين حسيب.. مسافر زاده الوطنعند باب بناية بيت النهضة التي تحتضن بين جنباتها مركز دراسات الوحدة العربية, التقيت بالدكتور حسيب الذي كان علي وشك دخول البناية.. صافحته بكلتا يدايي وقبلت رأسه وأنا أخبره بأنني لم اكن اتصور ان المبني بكل هذا الاتساع.. ابتسم ابتسامته الرائعة وهو يجيب: هذه المساحة تتلاءم ومتطلبات المشروع النهضوي الذي اقمناه, اخذني من يمناي وارتقينا للطابق الأول.. حيث قسم الدراسات. كانت كتب المركز المميزة في شكلها قد زانت جميع ارفف المكتبة.. في شتي فروع المعرفة منذ تاريخ تأسيس المركز.. وحتي اليوم, حدثني عن كيفية اختياره لموضوعات الكتب, كان قسم التوزيع الذي يتولي طرح الكتب في الاسواق هو القسم المجاور لقسم الدراسات العربية, وفي الطابق الثاني تقع المكتبة التي تحتوي علي نحو18 ألف عنوان في شتي انواع المعرفة. اما الطابق الثالث فقد احتوي علي قسم الترجمة.. وسألت د. حسيب عن عدد الكتب التي ترجمها المركز.. والتي ترجمت عن المركز, فأجابني بأن: هناك644 عنوانا صادرا باللغة العربية عن المركز و14 عنوانا بالاجنبية انجليزية وفرنسيةوقد نال بعضها جوائز دولية.. وفي طريقنا إلي مكتبه.. الذي كنت الذي اتوق إلي رؤيته بالطابق الرابع. كانت يافطة الخبز مع الكرامة هي أول ما طالعني في مكتبه الانيق.. البسيط. تساءلت... وتساءلت.. وكنت انفعل وانا اطرح تساؤلاتي وابدا لا ينفعل هو يجيبني.. كان كحضن الوطن متسعا ورحبا.. مبتسما ابتسامة تضيء الظلام.. ولديه دائما كل الاجابات.. اعطاني مايري انني يجب ان اطلع عليه من أوراق لكي تجيب علي تساؤلاتي التي ظللت اطرحها عليه بلا توقف ساعتين كاملتين.. وطلب مني ان اقرأ اوراق انشاء المركز يليها تطوره ثم... جلست في حجرة سكرتيره المحلقة به وانا استذكر بنفس الترتيب الذي ذكره لي.. شعرت ساعتها انني عدت تلميذة مرة أخري.. بأنني في امتحان اود ان اجتازه بل.. واتفوق فيه. كنت قد نسيت منذ زمن مشاعر التلميذة ببساطة لانني لا أجد الاستاذ دائما. وطرحت عليه من الاسئلة الكثير فكانت كلماته الانيقة والتي ينتقيها بعناية فائقة, مر باعتقالات بعد احداث1968 في العراق ولمدة سنتين ونصف تقريبا تنقل خلالها بين ستة سجون كان منها سجن قصر النهاية الذي يعني انه نهاية الانسان الذي يدخله! وكان قد تقلد قبلها مناصب مهمة منها مدير عام اتحاد الصناعات العراقي, ومحافظ البنك المركزي العراقي.. واستاذ في كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد.. وجيل كامل من التلاميذ الذين اصبحوا اسماء لامعة في عالم الفكر والسياسة, يفخر كل منهم انه لاقاه يوما وجلس إليه أو قدم إليه بحثا.. واحيانا اثني عليه.. اما انا.. فبعدما ظل اسلوبه في الحوار وترتيبه لافكاره واشياء أخري كثيرة من هذا القبيل لاتبارح مخيلتي.. كانت الشمس قد اذنت بالمغيب حينما استقليت التاكسي من حدود بيروت في اتجاه دمشق حيث طائرتي إلي مصر الحبيبة. مشهد المغيب هذه المرة من خلف زجاج السيارة كان ذا وجه اخر لم أعهده من قبل.. كانت زرقة العينين تشعان من قلب قرص الشمس الدامي الذي يوشك علي الانتهاء... وظل ابتسامة تصاحبه.. اغمضت عيناي علي قرص الشمس المسافر مثلي دائما.. كان في النفس هدوء لم اعهده فيها..لعلها روح المعلم: خير الدين حسيب.