علي الرغم من أنني معجب بالإغريق فانني لست واحدا منهم.. فأنا في حقيقة الأمر إنسان مصري فرعوني قديم بكل ما لدي الفراعنة من هوس وجنون وبراجماتية روحية ومقدرة علي الإيمان الذي يفهم بأكثر من طريقة.. وإذا قمت بالاحتجاج وقلت لي.. إن البحوث تشير إلي أن الفراعنة لم يكونوا علي هذا النحو.. سأقول لك أنا وليام جولدينج إن الفراعنة عظماء كما رأيت وأكثر.. لماذا هو مهووس بحياة الفراعنة إلي هذه الدرجة وما هي حكاية أمير الذباب؟.. أمير الذباب هي كلمة عبرية يقصد بها الشيطان لأنه دائما ما يثير الإنسان وينغص عليه حياته ويجعله يعيش في زهق وفوضوية لا أخلاقية.. ذلك الكاتب البريطاني تتمثل عبقريته في طريقته في الكتابة التي تقع عند الحافة ما بين وعي مليء بالشكوك وعالم مليء بالمباهج المثيرة كما كانت تقول له أمه دائما.. خيال جولدينج جعله يصنع رواية مستقبلية تسقط فيها طائرة في الزمن الآتي وينجو مجموعة من الصبية المراهقين تتجلي في تصرفاتهم نقائض الطبيعة البشرية.. وهي رواية أشبه بالأساطير تشبه أيضا الروايات الرمزية الهامة التي تميز القرن العشرين كأعمال ألبير كامي.. وفرانز كافكا.. والقصة تحكي عن مجموعة من الأولاد علي طائرة فيها حمولة من إنجلترا المتورطة في حرب ما مستقبلية ضد الشيوعيين.. وتنقلب الحضارة في إنجلترا إلي حالة من الخراب والدمار.. تتجه الطائرة نحو الجنوب والشرق متوقفة في جبل طارق وأديس أبابا.. وفوق المحيط الهندي تتعرض لهجوم من جانب طائرة معادية وتشتعل النيران بها وتتحطم تماما.. وبطل الرواية رالف الذي يستخدم صيغة المتكلم هو غالبا ما يعبر عن الجنس البشري العقلاني غير المعصوم من الخطأ.. رالف يتحمل المسئولية ويري أنه لائق لتحمل المسئولية.. لانه يعتقد أن البديل عن ذلك هو الوحشية والفوضي الأخلاقية.. ويتخذ المحاورة كطوطم أو رمز مقدس خاص به.. والخصم اللدود لرالف هو جاك الذي يمثل العالم البراق للصيد والقنص والتكتيكات والانتعاش الوحشي والمهارات.. في حين أن رالف يمثل عالم الادراك السليم المملوء بالحيرة والارتباك والتشوق كأنها قصة قابيل وهابيل.. جاك يستخدم دائما كلمة اقتل ويمقت الاجتماعات, ويكره المناقشات, ويقوم بابتكار القناع المطلي بالألوان الخاص بالصياد.. ويتحرر من الخجل والعار والارتباك أمام الآخرين.. وتبقي شخصية سيمون.. وهو أصعب الشخصيات المعالجة.. ولد خجول مليء بالرؤي الخلافية والخيالات الإبداعية, ولكنه عاجز عن الافصاح عن رأيه.. ومن هنا يفاجئك المؤلف بموت سيمون.. وترجمة عبدالحميد الجمال للرواية عن الدار المصرية اللبنانية مختتمة برؤيا وتحليل للرواية وشخصية المؤلف.. وتقدم نصيحة بانك يجب أن تقرأ أمير الذباب لرواية أخلاقية تتعايش مع النظرية المسيحية الخاصة بالخطيئة الأولي.. وأنت عندما تقرأ مثل هذه الأعمال تتساءل في حيرة.. كيف يري المؤلفون العباقرة في العالم كنوز الفراعنة وإبداعاتهم العميقة إلي هذا الحد ونحن كمثقفين وشعراء وأدباء وحتي علماء لا نستفيد من تاريخ أجدادنا.. معارض توت عنخ آمون عندما تجوب العالم تصيب الناس بالهوس ويقفون بالساعات كي يحصلوا علي بطاقة دخول مهما غلا ثمنها, أما نحن فلا نشعر بمثل هذه المشاعر.. هل لأن الأهرامات نراها كل يوم وكذلك النيل.. يبدو أنه الاعتياد ذلك العدو الأول للدهشة.. بينما دهشة جولدينج هي التي قادت إلي أسرار روحية ورمزية وحياتية فائقة للفراعنة.. وكان الفرعون ينصح ابنه قائلا.. كن كاتبا يابني حتي يخطب ودك الناس.. وتأمر فتطاع.. فمن منا سوف يقول.. سمعا وطاعة يا جدي. [email protected]