عشرات إن لم يكن مئات من الأحاديث التي أجراها الفنان فاروق حسني - وزير الثقافة - مع الصحفيين الذين يمثلون اتجاهات شتي.. ولذلك حرصت أن يكون حواري معه في الدستور بمذاق خاص وغير تقليدي ومختلف.. فهل نجحت في ذلك؟ أترك هذا الأمر لحضرتك لكي تجيب عنه بعد قراءته. ومن فضلك عايزك تلاحظ في البداية أن لقب فنان سبق اسمه.. وكنت أظن أن هذا الأمر من باب الوجاهة! ولم أكن متحمساً لهذا التعبير علي الأطلاق، لكنني بعد لقائي معه اكتشفت أنه يفضل الفنان علي لقب الوزير قائلا: كنت فناناً قبل الوزارة وسأظل كذلك بعدها. وسؤالي الأول عن أصحاب الأقلام الذي حرص علي قراءاتهم، والفنانين الذين يحب الاستماع إليهم وقد تعرف عليهم جميعاً بحكم منصبه كوزير. كانت إجابته مفاجأة: أنا من أنصار القديم أيام الزمن الجميل.. أعشق قصص والدك إحسان عبدالقدوس وقد قرأتها جميعاً، وشاهدت معظم أفلامه، ويعجبني نجيب محفوظ خاصة وكتابات يوسف إدريس رحمهم الله جميعاً وهناك عدد من الكتاب الساخرين أراهم بمثابة فلاسفة مثل محمود السعدني رحمه الله وأحمد رجب أطال الله عمره، وأحب كذلك المرحوم حسين فوزي، وبداية تعرفي علي الموسيقي الكلاسيكية كانت عن طريقه وبعدها قرأت بتوسع في كل ما يتعلق بالأنغام والألحان وتستطيع أن تعتبرني موسوعة في هذا المجال! أما في مجال الطرب فإنني أحب الغناء الشرقي الأصيل أم كلثوم وعبدالوهاب وأسمهان وعبدالمطلب! وأضاف فاروق حسني: وقبل أن تسألني عن الطرب الحديث أقول لك إنني استمع إليهم أحياناً، لكن تكويني لا ينسجم معهم! قلت له: هناك فارق شاسع من وجهة نظري بين عمالقة زمان ونجوم هذا العصر! سواء في مجال الأدب والصحافة والطرب وغير ذلك من الفنون الإنسانية.. ويمكن أحوالنا في الكورة أحسن شوية! فما سر هذا التراجع برغم التقدم العلمي المذهل في حياتنا؟ رد قائلا: هذا السؤال تجده في العالم كله وليس في مصر وحدها.. ففي فرنسا لا توجد مطربة في قامة «ماري ماثيو» وكانت عندهم بمثابة أم كلثوم.. ولا واحد هناك زي «شارل أزنفور».. أو جان بو لسارتر أو فرنسوا ساجان في الأدب! وفي أمريكا نجد أنها أنجبت عباقرة في مجالهم مثل «فرانك سيناترا» في الغناء وهمنجواي وكان من أساطير الأدب الأمريكي وكل واحد من هؤلاء له شخصيته المتميزة ولا يوجد من الجيل الجديد من ينافسه، وأضاف: الفنان فاروق حسني: والسبب في ذلك: أن إيقاع عصرنا وطبيعته مختلفة تماماً.. فهو عصر كل شيء فيه سريع والاختيارات واسعة جداً بالثورة الهائلة التي حدثت في مجال الاتصالات مثل الإنترنت والفيس بوك وغير ذلك فالدنيا اختلفت تماماً عن زمان، لذلك كان من الطبيعي أن تكون مواصفات نجوم هذا العصر مختلفة عن هؤلاء الذين تأثرنا بهم أيام الزمن الجميل. سألته: وأنت بمن تأثرت في حياتك الشخصية؟ اتسعت ابتسامته قائلا دون تردد: أمي وأخي الأكبر. وشرح ذلك قائلا: توفي والدي مبكراً قبل أن أبلغ عشر سنوات وتولت أمي تربيتنا ونحن نصف دستة أطفال وترتيبي الخامس بينهم وكانت بمثابة الأب والأم معا وهي سيدة عظيمة بكل المقاييس واسمها «فردوس حسين غالب» عليها ألف رحمة ولمعلوماتك أمي هي التي لفتت نظري إلي كلية الفنون الجميلة، فقد كنت أريد كلية مشهورة! لكنها قالت لي: مادمت تحب الفن فإنني أرشح لك الفنون الجميلة، وتعجبت من رأيها جداً وقلت يكفيني أنني أهوي الرسم، فرفضت هذا المنطق قائلة: لابد أن تقوم هوايتك علي أسس علمية راسخة، ودخلت الكلية من باب التجربة أولاً والعمل علي إرضائها، واكتشفت أن رأيها صائباً تماماً ومعها حق 100%.. كانت بعيدة النظر في أحكامها، بالإضافة إلي أنها امرأة منفتحة علي عصرها، بل تسبق زمنها وحازمة وقوية وفي ذات الوقت صاحبة قلب كبير. وعن شقيقه الأكبر قال: أنا اسمي فاروق حسني عبدالعزيز حسني، وأخي الكبير اسمه محمد حسني عبدالعزيز حسني! كان ملاحاً عاشقاً للبحار ثم اعتزل ركوب البحر وأصبح خبيراً ملاحياً، لكنه فنان من طراز رفيع يعزف علي آلة «الماندولين» ويحب الفن التشكيلي والموسيقي، ومنه تعلمت أنواعها المختلفة ابتداء من الموسيقي «الباروك» ثم «الكلاسيك» وبعدها «الرومانتيكية» ثم الموسيقي الحديثة، وقد تأثرت بأخي واعتبرته دوماً مثلي الأعلي. ويواصل «الفنان» الحديث عن حياته الخاصة قائلا: أتذكر بالطبع أيامي الحلوة عندما كنت شاباً صغيراً عنده نقاء حسي واستشراف للحياة وإقبال عليها يحاول إثبات وجوده في مجال الفن التشكيلي، وفي تلك الأيام الجميلة عرفت الحب الحقيقي لأول مرة، وقررت الارتباط بها، واتفقنا علي الزواج بعد تخرجي! وكان قد تم تعييني في ذلك الوقت سنة 1964م بقصر الثقافة في الأنفوشي! وذهبت لطلب يدها من أهلها، وفوجئت بأمها ترفض ذلك بحجة أنني في مقتبل حياتي ومرتبي ضعيف! وحاولت إقناعها أنني فنان ويمكن بسهولة الحصول علي كسب إضافي ولكنها لم تفهم! وهكذا فشلت في الاقتران بمن دق لها قلبي وكانت صدمتي عنيفة وأعتبر هذا اليوم من أتعس أيام حياتي. قلت له: سافرت في أوائل السبعينيات من القرن العشرين الميلادي للعمل في فرنسا ثم بإيطاليا فهل طب قلبك هناك؟ - ضحك قائلاً وبتلقائية: صداقات نعم.. حب لا! وشرح ما يعنيه قائلاً: مكثت تسع سنوات في باريس كملحق ثقافي ومدير للمركز الثقافي المصري وفي سنة 1979 انتقلت إلي إيطاليا وأصبحت مسئولا عن الأكاديمية المصرية للفنون في روما ومكثت هناك حتي سنة 1987، وعدت إلي بلدي بعدما تم اختياري وزيراً للثقافة، وفي سنوات الغربة الطويلة بأوروبا كانت لي صداقات عدة مع الرجال والنساء تقوم علي الود والاحترام، لكنني كنت حريصاً جداً في سلوكي الشخصي وذلك لسببين أنني مسئول ومعروف بين المصريين وأبناء البلد الذي أعيش فيه، والسبب الثاني أنني مقتنع أن الحب الحقيقي لابد أن يتم تتويجه بالزواج، ولم أكن يوماً متحمساً للزواج من بنات الخواجات! توقفت أمام تلك المفاجأة الكبيرة وقلت له: هذا الكلام غير متوقع منك لأنك معجب بالحضارة الأوروبية وعشت طويلاً هناك؟ - أجابني: لست معجب عمياني! فهناك أمور وأوضاع مختلفة تماماً عن تقاليدنا وكل واحد منا في أعماقه عقلية رجل شرقي مهما ادعي غير ذلك! ولذلك تجدني لا أنصح أحداً بالزواج من أجنبية. انتهزت فرصة الكلام عن الزواج لأسأله عن عمل المرأة قائلاً: والدتك رحمها الله لم تكن تعمل.. فما رأيك في عمل بنات حواء؟ - أجابني قائلاً: كان مستحيلاً أن تعمل أمي خارج منزلها وهي مشغولة بتربية أبنائها الستة.. يعني نصف دستة! لكنها كانت ناجحة بكل المقاييس والمهم النجاح سواء عملت أو اقتصر عملها علي شئون بيتها فقط! وأضاف فاروق حسني قائلاً: الفتاة ولا شك لها حرية واسعة في العمل حتي تتزوج، وبعد ذلك عليها أن تلائم بين عملها وبيتها ومنزلها أهم! والرجل الشرقي عندنا أناني وله طلباته!! ولا يمكن أن تتركه زوجته طيلة النهار بحجة أنها تعمل! فلابد أن يكون لعملها ساعات محدودة، لأن بيتها له، متطلباته ولا يعقل أن تهمله! وباختصار المرأة التي تعجبني هي التي تجمع بين الحسنيين.. بيتها وعملها. انتقل حوارنا إلي الأيام الحلوة والمرة وهو وزير للثقافة فقال: كل نجاح أحققه يعتبر من الأيام الحلوة وأسعد أيامي عندما يتم افتتاح مشروع جديد! أما أيامي المرة فكانت في بدايات عملي في الوزارة، حيث كانت السهام تنهال علي شخصي من كل اتجاه وكانت الحرب علي جبهتين.. المعارضة وصحفها من ناحية، والعديد من المثقفين من جهة أخري، حيث إنهم فوجئوا باختياري، وكنت غريباً عليهم وكان منهم من يتصور أنه أفضل مني في تولي كرسي الوزارة! ولم أشغل نفسي بالرد عليهم، بل ركزت جهدي في عملي، ووضعت خطة واضحة الملامح لإقامة حياة ثقافية متكاملة.. وأعتقد أنني نجحت والحمد لله، ولم يكن هذا بالأمر السهل. قلت له: من أهم ما يؤخذ عليك طيلة عملك بالوزارة تقديم أهل الولاء والثقة وكلهم من الاتجاه العلماني علي أهل الخبرة، وعدم تقديم وجوه جديدة بوزارتك لأنك اعتمدت دوماً علي القديم. - قال لي: يا شيخ حرام عليك.. أنا لا أفكر بهذه الطريقة.. من تقول عنهم إنهم أهل الثقة.. جميعهم من المفكرين الكبار، وبعضهم لهم مواقف مختلفة مع الحكومة مثل سيد ياسين، وجريدة «القاهرة» التي يرأسها الكاتب الكبير صلاح عيسي وتعبر عن الوزارة أفضل رد علي ما تقوله فهي مفتوحة لكل الاتجاهات وتعمل دوماً علي تشجيع الشباب والوجوه الجديدة في مختلف مجالات الثقافة والفن. مؤتمر المثقفين الذي سيعقد قريباً يعبر عن اتجاه واحد وهو الاتجاه العلماني والأمر ذاته نراه في المجلس الأعلي للثقافة. - كانت إجابته: لا طبعاً.. مؤتمر المثقفين الذي سيعقد بإذن الله في شهر ديسمبر بعد انتهاء انتخابات مجلس الشعب حرصت علي أن يكون التيار الديني ممثلأ بقوة وذلك بدعوة مجمع البحوث الإسلامية وجامعة الأزهر وممثلين عن الكنيسة، أما المجلس الأعلي للثقافة فهو يضم 23 شعبة تضم مختلف الأطياف وتتميز بالتنوع ولا تستطيع أن تقول أبداً إن هناك تياراً مسيطراً. وأطلق وزير الثقافة فاروق حسني مفاجأة حين قال: حاولت إنشاء لجنة للثقافة الدينية بالمجلس الأعلي للثقافة، لكنني قوبلت بهجوم شديد ولم أجد تشجيعاً بل واتهمني البعض بأنني أعمل علي ارضاء المتعصبين. قلت له: عايز أعرف رأيك بصراحة في التيار الإسلامي؟ - قال: ليسوا شيئاً واحداً بالتأكيد وأراهم ينقسمون إلي أقسام ثلاثة: أنصار العنف والتكفير وهولاء يلفظهم المجتمع المصري كله. من يقومون بخلط الدين والسياسة، وأنا شخصياً أرفض تفكيرهم لأن تعاليم السماء من عند ربنا شيء عظيم جداً وواجبة الاحترام، بينما السياسة مختلفة تماماً وتقوم علي المصالح، ولا أرضي لديني أن يتلوث بالسياسة.!! من يقدمون الدعوة الدينية الخالصة بعيداً عن محاولة السيطرة وفرض الرأي والرغبة في الحصول علي مغانم دنيوية.. وهولاء لهم كل التقدير والاحترام. ملحوظة مهمة من عندي: معظم آراء وزير الثقافة لا أوافق عليها وأختلف معها لكن الهدف من الحوار كان تقديمه عن قرب إلي القراء وليس مناقشته في آرائه. ويقول وزير الثقافة فاروق حسني عن الحجاب.. أولاً أراه حرية شخصية ولا أعترض علي من تلبسه ولمعلوماتك عندي أخت محجبة اسمها آمال ورغم ذلك علاقتنا حلوة وما أرفضه بقوة هو النقاب فالمرأة عندما ترتديه تنسحب في الدنيا، بالإضافة إلي إهانتها للإسلام ذاته الذي لا يقبل هذه الصورة من أتباعه المؤمنات وربنا خلق الإنسان جميل والنقاب يخفيه.!! وإذا جئنا إلي الحجاب فإنني كماقلت أكثر من مرة أفضل غير المحجبة وهذه حريتي الشخصية لكنني أتعامل مع المحجبات دون مشاكل، وعدد كبير من العاملات معنا من هؤلاء، بل إنني عندما ذهبت إلي زيارة العاملين بالمتحف الكبير وجدت كل من يعملن بالترميم من المحجبات عدا واحدة مسيحية!! وفي رأي وزير الثقافة أن الحجاب أصبح زياً شعبياً عند معظم فتيات الطبقات الفقيرة! بينما هو موضة عند بنات الأثرياء، ويؤكد أنه لا يتجني بكلامه هذا علي أحد! فالعاشقات علي شواطئ النيل معظمهن محجبات!! فهل يتفق ذلك مع تعاليم الدين في شيء! والحجاب أصبح الآن أشكالاً وألواناً وبعضه فيه إثارة ويمشي حسب الموضة وصاحبته تهتم بمظهر الدين علي حساب جوهره ولا ينفي هذا بالطبع وجود محجبات بحق وحقيقي. فتحت حواري مع وزير الثقافة الفنان فاروق حسني عن مشروعات المستقبل ويأتي بالطبع متحف الحضارة المصرية علي رأسها.. قلت له: رجل الشارع العادي لا يفهم الفارق بين المتحف المصري العظيم القائم في ميدان التحرير والمتحف الجديد الذي سيتم افتتاحه بعد 16 شهراً. قال: الفارق بينهما كبير، فالمتحف المصري الموجود حالياً وهو عظيم بالفعل كما قلت أنت يعرض لتاريخ الفراعنة وتحديداً لثلاثين أسرة فرعونية وما قبل التاريخ أيضاً، لكن متحف الحضارة المصرية الذي يجري العمل فيه علي قدم وساق حالياً تجد فيه تاريخ مصر كلها منذ نشأتها وحتي يومنا هذا. وفي كل الدول الكبيرة تجد متاحف من هذا النوع تستعرض حضارتها كلها فنحن تأخرنا في إقامة هذا المتحف. وكانت مفاجأة الوزير وهو يودعني أكبر متحف إسلامي في العالم جاهز للافتتاح ويوجد في هذا المبني العملاق بباب الخلق وهو متحف فريد من نوعه لأنه يضم 96 ألف قطعة، ويعرض منها فقط ستة آلاف والباقي في المخازن! وهذا أعطانا فرصة لكي يكون هذا المتحف بالذات متجدداً باستمرار ولا تجد متحفاً في الدنيا يجدد نفسه دوماً وهذا ماسنفعله في متحف الحضارة الإسلامية، ولذلك سيكون بالتأكيد مختلفاً عن غيره من متاحف الدنيا.