علي مدي العصور ظلت العلاقة وثيقة بين التنمية وما يصاحبها من نشاط بشري وبين البيئة وما يطرأ عليها من تغير مناخي فكل منهما يؤثر في الآخر سلبا وإيجابا ويبرز ذلك في المشهدين التاليين. المشهد الأول حدث بالفعل: في عام2200 قبل الميلاد أدي تغير اتجاه الرياح الغربية في منطقة البحر المتوسط, وضعف هبوب الرياح الموسمية الهندية لنحو ثلاثمائة عام الي نقص في الأمطار وجفاف في قنوات الري, وانخفاض في درجات الحرارة مما ضرب الزراعة من بحر إيجة الي نهر السند, وقد دمر هذا التغير المناخي المملكة القديمة لبناة الأهرام في مصر, وامبراطورية سارجون العظمي في بلاد ما بين النهرين. المشهد الثاني افتراضي: في عام2050 ميلاديا, تنتشر المدن الذكية التي تتكيف مع التغير المناخي من خلال التركيز علي كفاءة استخدام مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة كالوقود الحيوي والطاقة الشمسية, واحتجاز الكربون وتخزينه, الأمر الذي صاحبه ارتفاع معدل التنمية المستدامة وتغير أساليب الحياة للأفضل. تظل مشكلة التغير المناخي الناتجة عن ظاهرة الاحتباس الحراري من أكثر التحديات التي تواجه العالم الآن ومستقبلا, فليس هناك بلد متمتع بالحصانة ضد هذا التحدي علي الرغم من كون الدول النامية هي الأكثر تضررا من تلك المشكلة حيث تشير التقديرات الي أنها ستتحمل نحو75 80% من تكاليف الأضرار الناجمة عن تغير المناخ, اذا ما زادت درجة حرارة الكوكب ولو بدرجتين مئويتين وهو الحد الأدني الذي من المرجح أن يشهده العالم, إلا أن ما سيحدث في الجنوب ستكون أصدائه مرتفعة في الشمال. وحتي لا نترك لأطفالنا كوكبا يختنق جاء تقرير التنمية في العالم عن البنك الدولي هذا العام بعنوان التنمية وتغير المناخ الصادر عن مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع ليقرع ناقوس الإنذار بشأن الخطر الذي ستواجهه البشرية إن لم يتكاتف العالم الآن لوضع الاستراتيجيات الملائمة التي تسهم في تغيير أساليب الحياة والحد من فوضي التعامل مع مصادر الطاقة التي تؤدي الي ارتفاع معدلات انبعاث غاز ثاني اكسيد الكربون أحد المسببات الرئيسية للمشكلة الذي ارتبط بعمليات التنمية الاقتصادية لعقود طويلة, وتعديل مسار تلك التنمية لتعني بالحفاظ علي البيئة. ليصبح مستقبل العالم بين خياري المشهدين الأول والثاني إلا أنه في حالة تكرار المشهد الأول فسيكون السيناريو أسوأ بكثير ليضاف إليه موجات الحر الشديدة, والأعاصير والفيضانات في مناطق والجفاف الشديد بمناطق أخري, وانقراض العديد من الكائنات الحية, وذوبان الجليد بقطبي الأرض وغرق أجزاء كبيرة من دلتاوات الأنهار والأراضي الساحلية المنخفضة. وحذر التقرير من اعتبار الأزمة المالية الحالية عذرا لعدم اعطاء المناخ الأولوية العاجلة حيث إنها نادرا ما تدوم أكثر من بضع سنوات, إلا أن أخطار احترار المناخ أشد قساوة وأطول أمدا.