لم أكن أعرف وأنا أحاضر عن طه حسين ناقدا.. أن عددا هائلا من الحاضرين سينتقلون من المركز إلي الدائرة, من طه حسين الناقد إلي أقطاب الدائرة البعيدة. من قضية فنية إلي قضايا إنسانية تستحوذ علي فكر عميد الأدب العربي ومواقفه في علاقة المثقف بالأمير; خاصة أن طه حسين لم يكن ابن عصر النهضة العربي- الحاضر في زمنه وحسب, بقدر ما كان ابن عصر النهضة- المستقبل, مستقبل الثقافة كما حاول أن يقدمه لنا داخل كتاباته وخارجها.. وعلي هذا النحو, وجدت العديد من نخبة المثقف السعودي في نادي جدة الثقافي_ تحت رعاية د. عبدالمحسن القحطاني- ينتقلون من معني الثقافة المحدد إلي الثقافة بالمعني المتعدد البعيد, ومن هنا, كان علي أن ألتقي مع هذا الجمهور العربي المثقف الواعي في الدائرة التي اختارها طه حسين, وهو ما رحت أؤكد فيه من انه لم ينتم إلي دائرة الثقافة الإقليمية أو العربية او حتي الإسلامية بمعناها المحدد, وإنما الثقافة العامة, ثقافة البحر المتوسط بمعناها العام, الثقافة التي ترفض الغياب في الذات بعيدا عما يحدث لنا وبنا, هذه الثقافة التي تنتمي إلي الغرب حين نقول' الغرب الثقافي' فإننا' كما يسأل طه حسين ويجيب بالحرف( أيهما أيسر علي العقل: أن يفهم الرجل الصيني او الياباني, أو أن يفهم الرجل الفرنسي او الانجليزي) ساعيا لتأكيد بدهية تقول إن العالم ينقسم لديه إلي قسمين لا ثالث لهما: شرق وغرب, وأن الشرق هو شرق آسيا,والغرب هو أوروبا وأمريكا.. إلي غير ذلك مما يضعنا في المكان الجغرافي الحضاري الحقيقي لنا.. إن عميد الأدب العربي رأي أن العالم ينقسم إلي شرق وغرب, والغرب الحضاري ينتمي في أصوله الحضارية إلي الحضارة الإغريقية, التي تنتمي بدورها إلي حضارة الشرق, ليس الشرق الصيني أو الهندي بأي حال, إنما هو الشرق الذي أسهم كثيرا في صنع الحضارة ومن هنا, فإن انتماء الشرق العربي اليوم إلي حضارة الغرب يظل انتماء إلي الماضي الذي أسهمنا في صنعه وعبورا إلي المستقبل الذي نمضي إليه فليس هناك تنافر_ أي تنافر_ بين حضارة البحر المتوسط اليوم وحضارة المنطقة التي نعيش فيها.. وعلي هذا النحو, يكون ارتباطنا بالثقافة الغربية اليوم مرهونا بوعينا بالمستقبل.. ومن هنا, جهدت في أن أعود إلي مفهوم' مستقبل الثقافة' عند طه حسين لأؤكد أن الحضارة الغربية ليست غريبة عنا, إنما نحن أبناء هذا الماضي الذي صنع_ بتفاعل عضوي_ حضارة الغرب اليوم, ومن هنا, نحن نسعي إلي حضارة الغرب بشرط الوعي بالمستقبل.. وحاولت ان أستعيد لحضارتنا اليوم( هوية ثقافية) محددة, ليست هي الهوية الإسلامية وحسب,إنما تتعمق المفاهيم وتتمدد ليؤكد لنا التفاعل الذي يبزغ في بدايات القرن الحادي والعشرين أننا يجب أن نهتم بحضارتنا العربية المعاصرة_ بهذا الفهم- وهي حضارة تنتمي للمنطقة وتتواصل معها.. إن هذه الحضارة التي تكونها خيوط' الهوية الثقافية' لا الدينية هي التي يمكن أن تبتعد عن حركة الفسيفساء التي تروج بيننا اليوم, العود إلي حضارتنا العربية( ذات الهوية المعاصرة) يمكن أن تلغي ما يزرع بيننا الآن_ بسكين الطائفية والإقليمية والمذهبية-.. يمكن أن تلغي هذه الفتنة التي تطل برأسها عاليا بين ضوضاء الحيثيين والسيويين ونفتح الدائرة أكثر لنري الفتنة التي تمر بها المنطقة بين ضوضاء البجا و البربر والأفارقة والغجر والنوبيين والأقباط والفور والبربر السيويين والسنة والشيعة والطوارق والأفارقة والقبائل النيلية.. إلي غير ذلك من مسميات تسعي إلي الفوضي' غير' الخلاقة.. أقول, خرجت من المركز إلي الأقطاب البعيدة في فكر طه حسين, حيث دعا منذ أكثر من نصف قرن إلي الهوية الثقافية التي تعيدنا في الشرق إلي حضارة واحدة لا فسيفساء لا تنتهي.. ** الورقة الأخيرة: عقب إشارتنا الي السرعة' التي تم بها إصدار النائب العام المستشار عبد المجيد محمود قرارا بإحالة د.يوسف زيدان إلي نيابة امن الدولة العليا; اتصل بنا النائب العام وأكد أن ما حدث لا يحمل معني السرعة إنما لوضع الأمور في نصابها, وهو ما سعدنا به لما يؤكده وعي النائب العام.. وهو ما نجدد معه ثقتنا في هذا القضاء ونزاهته.