ثار هذا التساؤل مؤخرا في ضوء أجواء التصعيد والتوتر بين شطري شبه الجزيرة الكورية بعد اتهام كوريا الجنوبية جارتها كوريا الشمالية بإغراق السفينة الحربية تشيونان. و التابعة لأسطولها في مارس الماضي مما أسفر عن مقتل46 بحارا كانوا علي متنها. وظهور الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونج باك إلي جانب وزير دفاعه مؤكدا أن بلاده ستجعل كوريا الشمالية تدفع الثمن الملائم لاستفزازاتها العسكرية. وكان هذا الثمن عددا من الإجراءات العقابية منها وقف كل العلاقات التجارية مع كوريا الشمالية. الأمر الذي سيؤدي إلي خسارة الشمال مئات ملايين الدولارات سنويا بعدما كان قد حقق فائضا تجاريا مقداره333 مليون دولار بفضل تجارته مع الجنوب العام الماضي حسبما يشير عدد من التقارير التجارية الصادرة مؤخرا. وفي إطار الإجراءات العقابية أيضا واصلت سول نصب مكبرات للصوت علي طول الحدود المتوترة مع الشمال استعدادا لاستئناف البث الدعائي ضد النظام الحاكم في بيونج يانج. كما أعلنت كوريا الجنوبية أيضا أنها ستجري تدريبات بحرية مشتركة مع الولاياتالمتحدة لإعتراض الغواصات وفرض الحصار البحري. وعبرت سول كذلك عن نيتها عرض الموضوع علي مجلس الأمن من أجل فرض عقوبات إضافية علي كوريا الشمالية. وكالعادة سارعت كوريا الشمالية إلي نفي اتهامها في إطلاق الطوربيد الذي تسبب في تدمير السفينة مهددة بشن حرب شاملة وضرب مكبرات الصوت علي الحدود. ووصف قادة كوريا الشمالية هذا الاتهام بالمؤامرة وأنه من تدبير كوريا الجنوبية التي تحاول بسط سياساتها وأجندتها العسكرية الخاصة. كما هددوا أيضا باتخاذ تدابير صارمة بما في ذلك شن حرب شاملة في حال فرض عقوبات عليهم بسبب هذه الاتهامات الباطلة علي حد زعمهم. وبعد فترة وجيزة وجه الجيش الكوري الشمالي رسالة الي القيادة المسلحة في كوريا الجنوبية اتهمها فيها ب استفزازه عبر انتهاك عشرات السفن الحربية المياه الإقليمية للشمال. وأنه إذا استمر انتهاك المياه الإقليمية فستلجأ كوريا الشمالية الي تفعيل الإجراءات العسكرية للدفاع عن مياهها وسيتحمل الجنوب بالكامل كل العواقب. كما أعلنت كوريا الشمالية أنها ستقطع جميع علاقاتها مع كوريا الجنوبية وأنها لن تدخل في أي حوار أو تجري أي اتصالات خلال الفترة المتبقية من رئاسة لي ميونج باك. وتوعدت أيضا بطرد كل الكوريين الجنوبيين من المجمع الصناعي المشترك القائم في المدينة الحدودية كيسونج مع تجميد العمل بصورة كاملة في مكتب المتابعة الخاص بلجنتي الصليب الأحمر في القرية الحدودية بانمونجوم. وأعلنت كوريا الشمالية أيضا أنها ستمنع السفن الكورية الجنوبية والطيران الجوي من المرور بالمياه والأجواء الكورية الشمالية. تفسيرات مختلفة تصاعد الحرب الكلامية وسخونة المواقف الإعلامية في شبه الجزيرة الكورية بعد اتهام كوريا الجنوبية لجارتها الشمالية انقسم المراقبون في تفسيره إلي فريقين. الفريق الأول يري ان الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج ايل اتخذ قرار تدمير السفينة الكورية الجنوبية لتحقيق أهداف سياسية داخلية بحتة تتمثل في تدعيم قبضته علي السلطة في ضوء الاشاعات التي تتردد حول حالته الصحية المتردية فضلا عن رغبته في حشد الدعم في صفوف النخبة العسكرية لخليفته المحتمل وهو ابنه كيم جونج اون. ويري هؤلاء أن امتلاك بيونج يانج للسلاح النووي وعدم قدرة كوريا الجنوبية علي شن الحرب ضد الشمال في ضوء عزوف الولاياتالمتحدة عن التورط في حروب جديدة قد ساهما في تعزيز اتخاذ الرئيس جونج ايل لهذا القرار. إلا أن هذا الفريق واجهته انتقادات شديدة. حيث يشير عدد من المتابعين للشأن الكوري إلي أن الحالة الصحية للرئيس الكوري الشمالي طيبة بدليل أنه استقبل العديد من الضيوف الأجانب في الآونة الأخيرة بل أنه سافر إلي بكين وعاد منها في بداية الشهر الحالي بالقطار. ويضيف هؤلاء بالقول ان التصعيد العسكري مع الجنوب قد يكون له أيضا آثار سلبية علي خلافة ابن الرئيس الكوري الشمالي خاصة في ضوء المصاعب الاقتصادية التي تواجه البلاد( سوق سوداء وتضخم ونقص السلع وغيرها) وتزايد احتمالات الحصار الاقتصادي إذا ما تم فرض عقوبات اقتصادية جديدة بعد هذا التصعيد. أما الفريق الثاني في تفسير التطورات الأخيرة فيري أن التصعيد الأخير يأتي في الأساس نتيجة فبركة الاتهام لكوريا الشمالية من أجل الاستفادة من الغضب الشعبي الناجم عن إغراق السفينة في دعم الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية لتعزيز شعبيته قبيل الانتخابات المحلية المقررة في الثاني من شهر يونيو القادم. ويضيف مؤيدو هذا الرأي إن الولاياتالمتحدة قد وافقت علي هذه الفبركة من أجل تعزيز وجودها الأمني والاستراتيجي في شرق آسيا. وهو الوجود الذي شهد تحديا كبيرا في الآونة الأخيرة نتيجة موقف الحكومة اليابانية بزعامة رئيس الوزراء يوكيؤ هاتوياما الرافض لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي المكثف في جزيرة أوكيناوا اليابانية. وربما يكون هذا التخمين صحيحا. فبعد يوم واحد فقط من اتهام كوريا الشمالية بتدمير السفينة الكورية الجنوبية تراجع رئيس الوزراء الياباني عن موقفه الرافض لنقل قاعدة فوتينما الأمريكية من جزيرة اوكيناوا مبررا ذلك بتوتر الأوضاع الأمنية في شبه الجزيرة الكورية. علي أية حال, يمكن القول إنه لا أحد في سول أو واشنطن أو طوكيو يريد أن يخاطر بشن الحرب علي كوريا الشمالية في الوقت الحالي لأنها حرب لا يمكن الانتصار فيها في ضوء الامكانات النووية والصاروخية لدي كوريا الشمالية. اما فرض مزيد من العقوبات علي بيونج يانج سواء عن طريق مجلس الأمن أو بصورة منفردة فهو أمر ممكن رغم أنه لن يضع عبئا ثقيلا علي زعيم كوريا الشمالية في ضوء قوة العلاقات الاقتصادية مع بكين. بعبارة أخري لن توجد بدائل كثيرة في التعامل مع الأزمة الحالية في شبه الجزيرة الكورية. فأي تصعيد عسكري أو دبلوماسي تجاه كوريا الشمالية قد يؤدي إلي إندلاع حرب شاملة في شرق آسيا. كما أن هذا التصعيد قد يؤدي أيضا إلي قيام كوريا الشمالية بتطوير برنامجها للصواريخ الباليستية أو إجراء اختبار نووي ثالث وهي أمور بالغة الحساسية للأمن القومي لدول مثل اليابان وكوريا الجنوبية. وفي ظل هذا الوضع من المرجح ان يفضل الجميع تهدئة الأزمة الحالية والدفع في اتجاه استئناف المفاوضات السداسية الهادفة إلي التعامل السياسي والدبلوماسي مع البرامج النووية والصاروخية لدي كوريا الشمالية. [email protected]