الحكم هو عنوان الحقيقة التي يجب أن ينصاع إليها الجميع وإلا تحول القضاء إلي ساحة للمعارك والفوضي وسادت قوانين البلطجة والعنف وشريعة الغابة بين المتخاصمين.. ولم يكن متوقعا ما حدث من خلافات واعتداءات عقب صدور الحكم خاصة وأن الحكم الذي صدر ليس نهائيا وإنما يمكن الطعن عليه بالطرق القانونية المقررة ومن ثم لم يكن هناك داع لافتعال مثل هذه التصرفات التي نجم عنها35 قتيلا ومئات الجرحي د.فوزية عبد الستار أستاذ القانون الجنائي بحقوق القاهرة ورئيس اللجنة التشريعة بمجلس الشعب سابقا تقول كلنا نأسف للأحداث التي حدثت أخيرا والدماء التي تراق دون جدوي والمفروض أننا نستجيب لأحكام القضاء باعتبار أن ضمير القاضي هو الحارس علي حقوق المواطنين وحرياتهم وأن محكمة الجنايات تتشكل من العديد من المستشارين وأن حكم الاعدام لا يصدر إلا بإجماع آراء أعضاء المحكمة خلافا للأحكام الأخري, فحكم الإعدام بالذات أحاطه القانون بحماية أكيدة لأن نتيجته خطيرة لذلك لابد فيه من إجماع أعضاء المحكمة وهذا يعني أن الجميع مقتنع قناعة يقينية بالأدلة ضد المتهمين, من ناحية أخري القانون أحاط حكم الإعدام برعاية أخري من حيث الحصول علي رأي مفتي الجمهورية وأن كان هذا الرأي غير ملزم للمحكمة ولكنه يمثل إرشادا للطريق السليم من الناحية الشرعية. كما أن حكم الإعدام محاط برعاية من الطعن عليه أمام محكمة النقض سواء من المتهمين أو من النيابة العامة, فالمحكوم عليهم لم يقدموا طعنا فالنيابة ملزمة بلتقديم الطعن, ومحكمة النقض ملزمة بنظر الطعن حتي يخرج حكما سليما من جميع الوجوه, كل هذه الضمانات تحيط الحكم, وبرغم كل ذلك مازال الطريق مفتوحا أمام الطعن أمام محكمة النقض. وإذا نظرنا من ناحية الشريعة الاسلامية فسنجد القصاص هو الذي يحكم الموضوع كما قال تعالي يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فمن قتل يقتل لكن الشريعة الاسلامية أتاحت الفرصة بما تحمله من معاني الرحمة إلي عفو ولي الدم عن الاعدام أو القصاص وبالتالي لا يقتل القاتل وتنصح د.فوزية عبد الستار المواطنين بضرورة ملاحظة أننا تربطنا جميعا رابطة المواطنة, صحيح أن جريمة مجزرة بورسعيد كانت شديدة القسوة ومؤلمة وبالتالي لابد أن يتقبل الحكم مادام أنه مستند إلي أدلة قطعية لأن القاعدة أمام القضاء الجنائي وهي قاعدة مطمئنة للغاية أن حكم الإدانة يجب أن يبني علي الجزم واليقين ولا يبني علي الظن والاحتمال وبالتالي إذا كانت هناك أي نسبة لأي متهم فالمحكمة لا يمكن تحكم عليه بالادانة إطلاقا. انعكاس للفوضي د.أحمد سعد أستاذ القانون المدني والمحامي بالنقض يقول إن ما حدث هو انعكاس لفوضي لضعف هيبة الدولة ويحزنني أن التراس أهلاوي احتفل بهذه الطريقة وإذا كنا نقدر مشاعرهم وكنت أتمني أن يأتي الاحتفال في شكل واحد ألا وهو الشكر لله والرحمة للشهداء والدعاء لله أن الحكم قد أصابه صحيح القانون والشرع حتي لا تهدر دماء أخري دون مبرر, ولكن هذا الاحتفال يغاير مفهوم أن الأحكام القضائية عنوان للحقيقة لأننا نعلم أبناءنا في الجامعات وكليات الحقوق أن القاضي لا يجوز أن يوجه له الشكر ولا يجوز أن يوجه له الذم والنقد في أحكامه علي ذلك, لانه إذا تم توجه الشكر له فسيوجه له من الجانب الاعتراض والذم لأن الاحكام القضائية هي ليست عمل توفيقي يقرب وجهات النظر بصفة عامة, لكن القضاء فيه طرف ينبهر بالحكم ويباركه وطرف ينتقده ويعترضه, فالعمل القضائي لا يمكن أن يرضي طرفين, ومن هنا لا يجب أن ندخل هذه الدائرة ولكن هذا ما حدث من الطرفين فكانت الفرحة من التراس في القاهرة دون أن تكون في موضعها وكان النقد والشجب والتهديد في بورسعيد دون موضعه بمعني أنه كان يجب أن يدرك الشعب البورسعيدي الباسل أن هذا الحكم هو عنوان للحقيقة وأنه لا يثنيه من قريب أو بعيد وأنه بإحالة21 متهما هم قلة دخيلة علي شعب ومحافظة بورسعيد سواء كان هذا تدخلا مكانيا أو انطباعيا, وكان علي شعب بور سعيد أن يعلن براءته من هذه القلة المندسة الغريبة والشاذة علي طبائع شعب بورسعيد. حكم القصاص ويضيف د.أحمد سعد أن هناك جريمة مؤثمة قانونيا ودينيا وهي ازهاق أرواح الشباب دون مبرر فيجب القصاص وقد قالت المحكمة كلمتها بإنزال حكم القصاص علي من يثبت أنه ارتكب هذه الفعلة الشنعاء, ولماذا أخذ شعب بورسعيد أن الحكم خاص علي مدينته ولا أدل علي ذلك أنه لم يحكم علي كل المتهمين بإحالة أوراقهم إلي المفتي ولكنه قرر إحالة أوراق من ثبت يقينا بإجماع الآراء بأن هؤلاء ال21 قاموا بارتكاب الأفعال التي أدت إلي إزهاق أرواح الأبرياء. ومن هذا الفهم الخاطئ وغياب العقل كان رد الفعل الطبيعي هو فليذهب الجميع إلي الجحيم دولة وشعب وممتلكات وأرواحا بريئة حيث غياب العقل قد أدي إلي إزهاق أرواح في بور سعيد أكثر مما شملها الحكم, ولن يتم تنفيذ الحكم إلا بعد أخذ رأي المفتي في9 مارس واذا صدر الحكم بإعدامهم فلن ينفذ الحكم إلا بعد أن يتم الطعن فيه امام محكمة النقض سواء من قبل المتهمين أو من قبل النيابة لمصلحة المتهمين ثم في أغلب الأحوال يقبل الطعن بالقصاص ويعاد محاكمتهم مرة أخري في جولة قد تستمر سنة أو أكثر يتباري فيها المتهمون في إثبات براءتهم مرة أخري وإذا صدر حكم عليهم للمرة الثانية بالإعدام فسيتم الطعن أمام محمكة النقض والتي ستفصل في هذا الطعن باعتبارها محكمة موضوع واذا حكمت برفض الطعن وتأييد الحكم لا ينفذ إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية ولعل القارئ أدرك الآن أن شغب بور سعيد بعدم احترامه لأحكام القضاء وإقحامه في قضية هو ليس طرفا فيها فقد دفع الثمن بإزهاق أرواح من أبنائه بالإضافة إلي مئات المصابين وتخريب المنشآت وتدميرها العامة والخاصة وسرقة أموال الشعب واشعال الحرائق وتعرض المحكوم عليهم بأحكام جنائية لارتكابهم جرائم قد تصل عقوبتها إلي الاعدام, بالاضافة إلي الجرائم التي ارتكبوها تمس هيبة الدولة وتضعيف مركزنا وهيبتنا أمام العالم والسؤال هنا هل كل هذه الفوضي دون قصد أنني أشك في هذا وأشك أيضا أن السبب الحقيقي وراء هذه الفوضي هو حكم القضاء أمس ولكني مقتنع تمام الاقتناع بأنها مؤامرة واتخذت من حكم بورسعيد ثوبا لارتدائه لابد من الحسم وإنني أناشد الرئيس محمد مرسي وحكومته باعتباره فردا من هذا الشعب أننا اخترناك لكي تطبق إرادة الشعب وتحمي الشعب وتحفظ له حياته وأمواله وممتلكاته وقد أعطيناك الوسيلة لتحقيق ذلك ألا وهي تطبيق القانون علي الجميع فنناشدك تطبيق القانون وبحسم فالحسم هنا في تطبيقه وسيدرك الشعب جيدا أنه لم يخطئ في الاختيار نرجو أن يتقي الشعب الله في مصر فعيون العالم تبصر جيدا وتشاهد تحرك القوات المسلحة وهي الدرع الأمين لنا في داخل المدن الساحلية وكنت أتمني أن عيون العالم تشاهد قواتنا المسلحة علي الحدود لحمايتنا. درجات الطعن د.جمال جبريل أستاذ قسم القانون العام جامعة حلوان يقول: لا يجوز الاعتراض علي أحكام القضاء إلا من خلال درجات الطعن فيها بالطريق القانوني وما يتم في إطار الفوضي والبلطجة وحالة الانفلات الأمني وغياب دور الدولة تماما وهناك عديد من القوانين تحتاج لتنفيذ القانون التي تحكم هذه الأمور لكنها في حاجة إلي قوة لتنفيذها لمنع أعمال البلطجة والإخلال بالأمن وإحداث الفوضي فالوضع أصبح يحتاج إلي الحسم لعودة الأمن وهيبة الدولة.