تابعت علي مدي الأشهر الماضية, بصفة عامة, وخلال الشهر الحالي, بصفة خاصة, ما تم نشره في الصحف المصرية. وما تمت اذاعته وبثه في القنوات التليفزيونية المختلفة حول قانون الضريبة العقارية. والتي اتسمت معظمها, إن لم يكن كلها, بالاتجاه السلبي نحو هذا القانون. ولم أتوقف عند هذا الاتجاه السلبي, لطبيعيته من ناحية, ولشيوعه من ناحية أخري, قدر توقفي عند طبيعة معالجة وسائل الاعلام المصرية لهذا الموضوع. فمن ناحية طبيعية الاتجاه السلبي السائد, فمن المعروف أن أي قانون يفرض أية ضريبة علي المواطنين هو أمر مكروه, وهو شبيه بالقتال الذي كتب علي البشر وهو كره لهم, كما أشار المولي عز وجل.. وأي قانون يفرض ضريبة علي الناس مهما كانت محدودية هذه الضريبة يلقي اتجاها سلبيا في كل زمان ومكان.. وفي الولاياتالمتحدة, الذي يعتبر شعبها من أغني شعوب العالم, دائما ما تثور المشكلات والأزمات بسبب فرض الضرائب وبسبب احتمالية أخذ رسوم معينة من الأمريكيين!, وفي سويسرا, وشعبها هو صاحب أعلي متوسط دخل في العالم, كثيرا ما تثور هذه القضية, وكثيرا ما تسبب أزمات خانقة للحكومة!! وإذا كان ذلك في الولاياتالمتحدة وسويسرا فليس عجيبا أن تثور الأزمة نفسها, ويتكون الاتجاه ذاته في مصر ولدي المصريين!! وما لفت نظري في معالجة وسائل الإعلام المصرية لهذا القانون هو شيوع مجموعة من الممارسات التي أصبحت ثابتة ومتكررة في معظم معالجات وسائل الاعلام لكثير من القضايا والموضوعات المهمة للمجتمع المصري.. وبطبيعة الحال, فإن أي تعميم يعتبر غير علمي, ولا يمكن قبوله, فهناك عديد من الكتاب والإعلاميين الذين لا ينطبق عليهم ما سأذكره.. غير أن هذه الممارسات من البروز بحيث لا يمكن تجاهلها, ومن الظهور بحيث لا تخفي علي أحد.. ويمكن ايجاز أبرز ملامح هذه الممارسات في النقاط التالية: أولا: وجود اتجاه سلبي مسبق نحو القانون, ووجود نية مبيتة للعمل علي افشاله.. يظهر ذلك من خلال تحليل كثير من الكتابات الصحفية التي تناولت هذا الموضوع, فالقانون الذي لم يقرأه كثير من الاعلاميين الذين كتبوا عنه هو قانون غامض ومن ثم يجب علي أعضاء مجلس الشعب مراجعة النصوص بدقة قبل الموافقة عليها, فكل الانتقادات السابقة هي انتقادات انطباعية وشخصية, وليست قائمة علي أساس موضوعي. ثانيا: وجود اتجاه نحو خلط المواضيع, وربط القانون بأشياء لا علاقة لها بالموضوع.. فعلي سبيل المثال, تمت الاشارة إلي أنه لا يجوز تطبيق القانون في وقت تشهد فيه مصر انتشار مرض انفلونزا الخنازير!! ولست أدري ما علاقة القانون بهذا المرض.. وقيل ان هذا القانون يحارب المصريين العاملين في الخليج, وأن هذا القانون الهدف منه هو تعذيب البشر وإشغالهم بعيدا عن كثير من القضايا الأكثر أهمية في مصر!! ثالثا: الميل إلي التجهيل في تغطية أخبار القانون, وفي التدليل علي قصوره.. فمن الملاحظ كثرة الاستشهاد بمصادر مجهلة لدي القاريء, مصادر يمكن فبركتها أحيانا, ويمكن خلقها وتوظيفها للتدليل علي فكر الكاتب نفسه أكثر من تدليلها علي رأي الناس علي الرغم من عدم معقولية كثير منها.. فمثلا ذكر أحد الكتاب أنه وصلته رسالة من سفير علي المعاش كان مساعدا لوزير الخارجية المصرية معاشه لا يتجاوز1439 جنيه ولا يستطيع دفع الضريبة!!, ورسالة أخري من لواء سابق بالقوات المسلحة يسأل كيف أدفع الضريبة ومعاشي لا يكفي لشراء أدوية الشيخوخة.. وذكر أحد الكتاب أنه التقي بعدد من الشباب حديثي التخرج وفلاحين يعيشون في أكواخ البوص وكانت شكواهم هي أنهم لا يستطيعون دفع الضريبة!!! ومن قال ان هؤلاء سوف يدفعون الضريبة!! رابعا: محاولة دق أسفين, واحداث الوقيعة بين قيادة مصر, والوزير.. وكأن الرئيس لا يعلم بما يجري في مصر, أو كأن للوزير أجندة خاصة ينفذها, وليس عضوا في حكومة, وليس منتميا إلي حزب.. فقد تسائل أحد الكتاب هل يعلم يوسف غالي أن ضريبته هذه تقطع جسرا من التواصل بين الرئيس حسني مبارك والناس؟!! وأشار كاتب آخر إلي أنه يتوجه إلي الرئيس مبارك المعروف بانحيازه للفقراء للتوجيه بإعادة النظر في هذا القانون وأن هذا القانون يتعارض مع توجهات القيادة السياسية والرئيس مبارك شخصيا الذي ينحاز للفقراء. خامسا: الخلط بين القانون, وطرق تنفيذه.. ففي محاولة من البعض لاظهار أوجه القصور في القانون أشاروا إلي ضيق الوقت لتقديم الإقرارات, وهو ما تم معه مد فترة تقديم الإقرارات, أو قلة عدد المنافذ والمأموريات, وهو ماتم معه زيادة عددها ومد فترات العمل بها.. ورغم ذلك فإن عددا من الكتاب يشير الي قصور القانون بسبب الزحام.. وإذا صح ذلك, فإنه, وبالقياس, يجب إلغاء قوانين الجريمة, لأن القتل والسرقة موجودان ولم تستطع هذه القوانين منعهما. سادسا: إجراء مقارنات في غير موضعها.. وقد بلغت هذه المقارنات حدا يدعو الي الضحك.. فعلي سبيل المثال, أقام أحد الكتاب مقارنة بين العهد الحالي وعهد الخليفة عمر بن عبد العزيز, الذي قال نحن ولاة دعاة, ولم نكن أبدا ولاة جباة!! وهي مقارنة تقفز فوق حدود الزمان والمكان والمنطق.. وتدعو الي السخرية من منطق التفكير أكثر مما تدعو الي إجراء التغيير. سابعا: إفتراض نتائج غير واقعية, والمبالغة فيها.. فقد قيل إن هذا القانون سيوقف حركة البناء والتعمير في مصر, وإنه سيؤدي الي تقليل حركة تدفق رأس المال الي مصر, وإنه سيجعل المستثمرين يفكرون أكثر من مرة قبل المجيء الي مصر!! ثامنا: الربط بين تحصيل الضريبة وتحقق الاستفادة الفورية والمباشرة.. فإن كان لابد من دفع الضريبة فلابد أن يشعر المواطنون بشكل فوري وسريع ومباشر بتحقق الفائدة منها عليه. وبالتالي لايجب علي المواطنين دفع الضريبة ما داموا لايشعرون بالفائدة عليهم.. وكما أشار أحد الكتاب أين الخدمات التي تقدمها الحكومة الذكية.. تاسعا: التشكيك في مشروعية القانون, وفي شرعيته.. فقد ذكر بعض الكتاب أن القانون خرج من سراديب المجلسين.. وكان ينبغي أن يقرأه الأعضاء قراءة صحيحة قبل أن يواجه هذا الرفض الشعبي!.. وأن هذا القانون مجهول النسب ويتبرأ الجميع منه, وأنه مطعون في دستوريته بإجماع أساتذة القانون الدستوري, وكأن كل الكتاب متخصصون في القانون الدستوري, ما عدا الحكومة ومجلسي الشعب والشوري! عاشرا: بروز ظاهرة العنعنة في تناول القانون.. فكثير ممن تصدوا للقانون وللكتابة عنه لم يقرأوا القانون.. وإكتفي هؤلاء بقراءة ماكتبه الآخرون عنه.. ورغم إتاحية القانون فإن كثيرا من الكتابات قد نقلت عن أكثر مما نقلت من نصوص القانون.. وبالتالي فكثير يتحدث عما لم يقرأ, ويتحدث عما لم يعرف.. وهي ظاهرة خطيرة. وأخيرا, فإنني لا أبغي من هذا المقال الدفاع عن هذا القانون ولكني أردت أن أقول إنه تم تجاهل كثير من المميزات التي يحققها هذا القانون, منها أنه يحقق مبدأ العدالة الإجتماعية بشكل كبير, وهو قانون يأخذ من الأغنياء ويعطي للفقراء, فهذا القانون قد أعفي كل عقار لاتزيد قيمته عن نصف مليون جنيه وهذا مايعني أن ما يقرب من95% من مالكي العقار في مصر لم ولن يقترب منهم هذا القانون كما أنه قانون يراعي مبدأ الملاءمة والمواءمة, فإن يدفع شخص يمتلك شقة ثمنها مليون جنيه مبلغا لايتجاوز ستين جنيها في الشهر هو شيء سهل وميسور.. وهو قانون يصب في مصلحة الأكثرية, وفي مصلحة الغالبية أكثر مما يصب في مصلحة الأقلية وفي مصلحة النخبة! وهو ما يجعل من معارضته أمرا سهلا, فجماعات النخبة والأقليات ذات النفوذ هي دائما الأعلي صوتا والأكثر إثارة للضجيج في كل مايعارض مصالحها المباشرة.