رغم أن الخط العربي ظاهرة تشكيلية وتعريب العلوم قضية علمية, فإن الاثنين تجمعهما لغتنا الجميلة, ولهذا آثرنا أن نقدمهما علي إختلافهما في إطار واحد هو اهتمامنا بكل ما يخص اللغة العربية. نقطة حبر أسود فوق الورقة البيضاء... قلم في اليد يجري فوق الورقة ليحقق عالما كاملا من الجمال الراقي. فالكلمات تتجمع فيما بينها لتصنع معني جديدا. وإن كان المهم هو تلك الحروف التي وجدت من الورقة رحابة صدر حتي أنها تحركت هنا وهناك تحت قيادة قلم الحبر الأسود. هذه هي قصة الخط العربي وهو في أبسط وصف فن الحضارة الإسلامية التي وجدت في قوة اللفظ وأهمية الكلمة والرغبة في التعبير عن رصانة وفخامة اللغة العربية مساحة لا يستهان بها. كتابات الزادي سبيل ام عباس نور على نور للفنانة نهى المنصوري ربما نتذكر هذا الفن الجميل ونحن نتحدث عن المهرجان الأول للخط العربي تحت رعاية مكتبة الاسكندرية والجمعية المصرية العامة للخط العربي الذي أجتمع من أجله القاصي والداني في بيت السناري بيت الثقافة والعلوم والفنون في أول مؤتمر لهذا الفن وبمشاركة الكثير من الخطاطين الذين جاءوا ليقولوا كلمتهم في الدفاع عن فن صادفه الكثير من الإهمال في السنوات الأخيرة. هذا المؤتمر كما يقول خضير البورسعيدي نقيب الخطاطين يعد وقفة خاصة للتحدث عن إبداعات هذا الفن بشكل يليق بمصر المحروسة. أما الرؤية الاساسية التي ستحكم فن الخط الآن فهي القدرة علي التجديد والإبتكار التي تضمن له الاستمرار. الله لطيف بعباده للفنانة امل حافظ رأي يتفق معه محمد المغربي خطاط الأهرام وعضو مجلس ادارة النقافة العامة للخط العربي فهناك ضرورة لهذا التجديد وهذا الإبتكار حتي تصبح لكل خطاط بصمته. والجديد هو وجود الفتيات بأعمالهن الفنية في المهرجان وتفوقهن في الخط الكوفي والزخرفة ومعظمهن من دمياط وأذكر منهن رشا قاسم وسمر قطارية وحبيبة احمد ونهي المنصوري التي كرمت في الجزائر وكرم زوجها أحمد الهواري في السعودية. والسبب في رأيي هو أن دمياط هي مركز صناعة الموبليا والأويما التي تعتمد في صناعتها علي الأشكال الزخرفية.أما الخطاطات القاهريات فمنهن أمل حافظ وإيمان جلشاني ونبيهة الرفاعي من المنصورة. والمهرجان بشكل عام رغم قصر فترة التحضير ضم الكثير من الوجوه المصرية والإسلامية بالإضافة إلي أجيال متعاقبة من الخطاطين. أما الخطاط الكويتي علي المداح فالقصة لديه أيضا تبدأ من مصر التي شهدت أعمال الخطاطين ومنحتهم الفرصة الكاملة في الظهور والتقدم, وهو ما أتفق مع منهج الصحفي الاماراتي خالد الجلاف الذي رأي أن الخط العربي يمكن أن يستعيد مكانته إذا توفر له بعض الدعم والجهد وعدم الإعتماد المطلق علي الدعم الرسمي. التاريخ رؤية وإبداع والحقائق كثيرة حول كيان الخط العربي فهو صاحب تاريخ كبير ولهذا يشير د. حسام إسماعيل أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الآثار بجامعة القاهرة إلي حقيقة مهمة قد لا يعرفها الكثيرون وهي اكتشاف نقوش في صعيد مصر ترجع إلي عام31 هجريا تحمل خطوطا واضحة, وهو ما يؤكد وجود مدرسة مصرية متواصلة الأجيال منذ ذلك الزمن. فهناك نماذج للخط الكوفي في جامع ابن طولون والأزهر الشريف و الحاكم بأمر الله وأسوار القاهرة الفاطمية تعكس تطور هذا الخط الذي بدأ بالبسيط إلي المورق حيث دمج الخطاطون ما بين الحروف العربية والزخارف النباتية. ويحسب للعصر الفاطمي تألق أسلوب جديد ربط بين مصر والمشرق والمغرب من خلال الخط الكوفي المزهر, كما أن الخط الكوفي علي أرضية نباتية ظهر لأول مرة في عهد المستنصر بالله الفاطمي. بعدها أبدع الخطاط المصري في خط الثلث علي واجهات الآثار والمصاحف كما هي الحال في مجموعة قلاون في شارع المعز وأعمال الناصر محمد بن قلاون علي النحاس والخزف. وفي العصر المملوكي أيضا نجد مدرسة الخطاط الطيبي الذي كتب كل الخطوط الموجودة في آثار مجموعة السلطان قايتباي الموجودة في صحراء المماليك والمطبوعة علي الجنيه المصري. و يقال أنه قد أنتشر خط الثلث المملوكي حتي في العصر العثماني عندما تبادل المصري والشامي والتركي الخطوط المختلفة وأبدع الفنانون في إختيار ألوان الخط فوجدنا اللون الأزرق لون السماء والخطوط كلها باللون الذهبي. وفي القرن العشرين كان مجئ بعض العثمانيين إلي مصر مناسبة لتأسيس منهج خلط بين كل الأساليب الموجودة بعد تبادل الخبرات مع الخطاطين المصريين. شيخ الخطاطين أما التجربة الشخصية للمبدع فقد تحدث عنها محمود إبراهيم الصحفي وشيخ الخطاطين المصريين وبدأ بالحديث عن أفضل ما يمكن أن يرد الإعتبار الخط العربي وهو الآية الكريمة نون والقلم وما يسطرون فهذا النبي محمد صلي الله عليه وسلم يأمر بإطلاق الأسير مقابل أن يعلم القراءة والكتابة لعشرة من أبناء المسلمين. وكما أنزل الله تعالي الذكر و حفظه, نري أن الخط العربي إذا أهمل في مكان أنتعش في مكان أخر حيث يسخر الفنان المسلم كل طاقته ليكتب الآيات القرآنية في المصاحف أو قباب المساجد أو منابرها كما يتضح في آثار القاهرة والأندلس وأسطنبول. وقد تطور الخط مع ابن مقلة وأبو الاسود الدؤلي اللذين أهتديا إلي كتابة الحروف بطريقة يستطيع قراءتها العربي والعجمي علي حد سواء. وأن كان من المفيد أن نعرف أنه في زمن الدولة الاموية والعصر العباسي تطورت الخطوط اللينة بالنسخ والثلث جيلا بعد جيل. و هو الأمر الذي تحقق مع الخطاط محمود إبراهيم و أمتدت إليه تجربته الشخصية مع هذه الخطوط عندما كتبت- والكلمة له- المصحف الشريف أربع مرات بخط النسخ وختمتها بخط الثلث في المصحف الخامس بعد أن تجاوزت التسعين. ولهذا مرت تجربتي بخمس مراحل أولها المرحلة الاولي في عام1968 عندما قدم الصحفي إسماعيل شوقي بحثا عن إنقاذ الخط العربي عندئذ وجدت لديه مصاحف صغيرة كانت مكتوبة بطريقة يمكن من خلالها فصل كل جزء بشكل مستقل بدلا من أن يحمل القارئ المصحف كاملا. وأما المرحلة الثانية فكانت في ليبيا عندما طلبت مني أمانة العدل كتابة المصحف ووجدت طريقة الضبط مختلفة عن الطريقة المصرية. ولم يعترض الشيخ المراجع علي طريقتي ولكني علمت بعدها أن الجهات الدينية وجدت صعوبة في قراءة طريقة الضبط المصرية. وبعدها طلبت مني أحدي دور النشر كتابة المصحف عن رواية حفص بن عاصم عام1955, ثم أحدي الدور بالجزائر التي طالبتني بكتابة المصحف حسب رواية ورش عام2003, ولم يكن هذا الأمر أخر علاقتي بكتابة المصحف عندما طلب مني الليبيون كتابة المصحف بنفس طريقتهم وأنتهيت منه عام2006, وأخيرا جاءت لحظة التفكير في استخدام خط الثلث في المصحف الذي بدأته في يوليو2010 وأنتهيت من كتابته في مايو2012 في يوم عيد ميلادي الثالث والتسعين. فالخط العربي في التاريخ نصب تذكاري وفي الفن لوحة ناطقة. لم يخطئ شيخ الخطاطين بهذا التعبير.. فكل هذا الفن الجميل له رواد عاشوا علي أرض مصر منهم زاهدي والبابا وكاظم أصفهاني, والشيخ الرفاعي ومحمد إيراهيم أسماء واسماء قد لا تستوعبها الذاكرة الا أنها تثبت أن القصة كلها كانت في الأصل مصرية وأن خط العرب لابد وأن ينصلح حاله من نفس حال المبتدئ من مصر المحروسة عندما تعود مادة الخط العربي أساسية في التعليم المصري وعندما يعود الخط الحسن يجلب الحظ الحسن كما كان يعتقد أهل المحروسة. فالخط العربي كان أداة للتميز المصري, وأهل مصر لم ينسوا في مهرجانهم الأول أن يتحدثوا عن العمائر حتي في آسيا الوسطي التي تناولها د. شبل عيد أستاذ الآثار بجامعة القاهرة الذي تحدث عن سمرقند بجمهورية أوزبكستان التي تحوي مساجدها وقصورها كتابات دينية وأراء فلسفية واشعارا متراصة بخطوط رائعة ربما كتبها المصريون بأيديهم وربما كانت قبسا من فن مصر. الخط الكوفي الفاطمي على شكل هرم للفنانة رشا قاسم