قد تقوم الثورة وتنجح, ولكن الي حين, ما لم يحدث تغيير جذري في أخلاق وعادات الناس, ولهذا لابد من جهاد النفس لتنظيف الشعوب من أقذائها. هذا الرأي لفضيلة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله, يصف فيه باقتدار ما نحن فيه من وباء, كما يصف فيه الدواء.. لا ثورة بلا تغيير.. مبدأ بدهي في كل الثورات, فإذا كان التغيير, بمعناه تهذيب الأخلاق, وإصلاح النفوس لم يحدث, فقد حق لنا أن نسأل أين الثورة؟! بل اذا كان التغيير قد بدا في البغضاء والكراهية والتخوين والتضليل والاقصاء, والتكالب علي الكراسي والمناصب, وإثارة الهلع والرعب وتفشي البلطجة, وانتشار الفوضي, اذا كان هذا هو التغيير, فقد حق لنا أن نسأل أيضا, هل هذه ثورة أم فوضي؟!. عامان كاملان من الثورة لم نعش فيهما سوي ثمانية عشر يوما في ود وسلام وأخوة ووطنية ووئام, كانت النفوس نقية, والأهداف مشتركة ومحددة, ولا مكان للسياسة المريبة, ولا للساسة المغرضين, الجميع علي قلب رجل واحد, قلب المصري المخلص, الذي لم تلوثه المطامع ولم تشوهه الأهواء والمكائد, قلوب صافية خرجت بالملايين من كل حدب وصوب وقرية ومدينة وكفر ونجع من كل فئات المجتمع المصري وطوائفه, خرجت كلها ليست لها حسابات سوي مصر, في ذلك الوقت كانت الثورة, وقامت ونجحت, ولم يشأ العالم كله إلا أن يقر برقيها وسلامها وتحضرها, ومن ثم نجاحها, نجحت الثورة في أيامها الأولي الثمانية عشر, نجحت حين غاب عنها المتربصون من النخبة والساسة والمتآمرين والطامعين, الذين لا يأبهون بإرادة شعب ولا يقرون بواقع وأرقام صناديق الانتخابات, ولا يرتضون بأي وسيلة ارتضاها العالم كله وهي الديمقراطية, لا يرتضون إلا بإقصاء إرادة الشعب, وإملاء وفرض ما يرتضونه هم, وإلا فالويل كل الويل, والفوضي كل الفوضي, في كل أرجاء مصر, بلطجة, دماء, احتجاجات, معوقات, شائعات, تضليل, تشويه, تعتيم, تعطيل لمسيرة الإنتاج, تعويق لمسيرة الثورة, اجتثاث لأي نبت صالح لمصلحة البلد!!. نعم.. نجح الساسة والنخبة وفضائيات الفتنة في تعويق مسيرة الثورة, ساعدهم علي ذلك تراخي الآداء السياسي الرسمي, القيادة السياسية, لم تقابل ممارسات الفساد والبلطجة, بما يجب من قوة وردع وهيبة تليق بمقام الدولة وسلطان الثورة, وقدر الحكم, إن الفطرة الإنسانية لا تقابل التراخي إلا بالتمادي حتي في الطفل إن تتركه شب علي حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم, تلك هي النفوس البشرية, الأمارة بالسوء بطبيعتها, إن النفس لأمارة بالسوء إن لم ترعها وتولها اهتماما بالتهذيب والمنع والمنح والزجر والتأديب والتهذيب, فلن تكون النتيجة إلا استمراء الفساد وسوء الأخلاق وتفشي الفوضي, وهو ما نعيشه الآن, ولا أحسب أن أحدا ينكر ذلك, حالة من الغرغرينة في الأخلاق سباب وشتائم علنية بل في وسائل الإعلام, هدم لأي رمز ديني أو سياسي أو اجتماعي, وكأنه نهم ورغبة في تحطيم هذه الرموز, وهذا أمر خطير, لأن الرموز هي قواعد البناء النفسي والاجتماعي والأخلاقي وبغيرها تنهار المنظومة من أساسها.. فمن ليس له كبير فالشيطان كبيره!!. هذا الواقع يؤكد أن الثورة لم تنجح إلا الي حين, الثمانية عشر يوما فقط!! ولم يتوقف الأمر علي عدم إحداث تغيير, بل إن التغيير كان سلبيا طوال العامين الماضيين وخاصة علي مستوي الأخلاق والاستقرار والأمن. صحيح أن هناك انجازات سياسية كبري قد تحققت ونقر بها لكن الخسارة الكبري في انهيار الاخلاق والتفلت العام والفتنة. لا استطيع أن أعفي أحدا من المسئولية, فكلنا مسئولون لأننا كلنا شاركنا في الثورة, وكان يجب أن نحافظ عليها, كل بقدره, الحاكم الذي اخترناه وأوكلنا إليه القيادة والمسئولية في كل شئ مسئول بقدره.. ولا يجب أن ينسي الرئيس مقولة عمر بن عبدالعزيز, إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن, هذه طبيعة البشر وفطرة الله في خلقه, الثواب والعقاب والترغيب والترهيب, والزجر والاصلاح. يلي ذلك في المسئولية, كل غيور علي وطنه, وعلي الثورة, وكل وفي لدماء الشهداء, علي الجميع أن يتقوا الله في مصر وأن يتزودوا بالوعي اللازم لحماية سفينة الوطن, التي إن غرقت لا قدر الله لن ينجو منها أحد سوي هؤلاء المتآمرين الذين يملكون أطواق النجاة من أموال وطائرات ووسائل تمكنهم من الهرب ولا نملكها نحن عامة الشعب.. إن هذا الوعي اللازم الذي أدعو إليه إنما يتمثل في أبسط معانيه في الهدوء قليلا, والدفع بعجلة الإنتاج والاحتكام إلي معيار ما لا يدرك كله لا يترك كله, وأول الغيث قطرة, ولنبدأ في إطار احترام نتائج الصندوق, حتي ولو كان فيه شئ من الخطأ, فليس في العالم كله صواب مطلق في العمل الجماعي العام, مثل الديمقراطية, ولهذا فإن الأصل الأخذ بعموم النتيجة لا بخصوص التفاصيل والتربص, وإلا فلا يمكن علي الإطلاق إنجاز أي عمل. بل حينها ستسود الفتنة ويعم الفساد, ونظرا لاهمية الأمن والاستقرار وتحذيرا من الفتنة فقد قيل في الأثر حكم ظلوم خير من فتنة تدوم مع التأكيد بأن حاكمنا رجل صالح ولا ازكي علي الله احدا. يجب أن لاننسي عندما توفي الرسول صلي الله عليه وسلم لم ينشغل الصحابة بدفنه بل انشغلوا بالبيعة قبل دفنه لخطورة وفتنة ابقاء منصب الحاكم خاليا أو متنازع عليه. إن مبلغ الخطر في استمرار الفتنة وحالة الانفلات الأخلاقي والفوضي العارمة وحالة الكراهية السائدة الآن, لا يتوقف عند النيل من نظام الإخوان الحاكم الآن أو من الثورة بكاملها, بل يتعدي ذلك بكثير يتعدي الي النيل من مصر العروبة والإسلام, مصر رائدة المشروع الإسلامي, ذلك الحلم الكبير الذي طالما انتظرناه, والذي إن فشل الآن لا قدر الله لن تقوم للتيارات الإسلامية قائمة إلا بعد عشرات السنين, هذا الأمر يفرض علي الجميع وخاصة المسئولين في المقام الأول السعي بكل السبل نحو المصالحة العامة وتغليب مصلحة مصر الجميع, ومصر الإسلام علي مصلحة الحزب أو الجماعة, أو الفرد, لابد من تقديم مبررات القناعة والحب, لابد من بحث هذا التراجع وهذه الكراهية, وهذه القناعة لدي الكثيرين من أبناء مصر بضعف الأداء الرسمي والحكومي, لابد من محاسبة النفس قبل أن يحاسبنا غيرنا لابد من جهاد النفس لتنظيفها من أقذائها كما قال العلامة الشيخ الغزالي قبل قيام الثورة, حتي يحدث التغيير الحقيقي, وحتي تنجح الثورة بحق, فقد قال تعالي إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم. المزيد من مقالات إسماعيل الفخراني