د. معتز سلامة يطرح طول أمد الثورة السورية, وفشلها في تحقيق أي هدف رئيسي حتي الآن بعد مضي عامين, السؤال حول مدي تباين وضعية سوريا- الدولة والنظام- عن باقي دول ونظم الثورات العربية التي سقطت أنظمتها تباعا عام2011, كما يطرح السؤال حول الحسابات والتوازنات الإقليمية التي دخلت فيها ثورة سوريا, وانتهت بها إلي أن تصبح بوتقة لصراعات المصالح الدولية والإقليمية, وساحة بديلة للمواجهة المحتملة في منطقة الخليج. فالآن وعلي الأراضي السورية تجري المواجهة بين إيرانوالولاياتالمتحدة وإسرائيل, وتجري مواجهة أخري بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي, ومواجهة ثالثة بين الفاعلين من غير الدول من القوي الشيعية والسنية علي السواء, والأمر أيضا كذلك بالنسبة لتركيا وروسيا والصين. فأصبحت سوريا موطنا لتصفية الحسابات بين قوي متعددة, التقت جميعها علي اعتبار المعركة الراهنة مقدمة أو بديلا لمعركة كبري حاسمة كانت متوقعة في الخليج. بداية, تقف المواقف والتحليلات الدولية من الأزمة السورية علي طرفي نقيض, بين تلك التي تعتبر سقوط الأسد مسألة أيام أو أسابيع, وتلك التي تتحدث عن أشهر وربما سنوات; بين تلك التي تعتبر سقوط النظام حتميا وتلك التي تعتبر استمراره أمرا مؤكدا; وبين تلك التي تؤكد أن الأسد لم يعد جزءا من المستقبل, وتلك التي تؤكد أنه سيكون أحد المتنافسين في الانتخابات التعددية المقبلة في.2014 ويؤكد كل ذلك ليس فقط عدم المعرفة الدقيقة بالأوضاع علي الأرض في سوريا, ولكن أيضا غموض المواقف الدولية, التي جاء جزء منها ضمن سياسات مقصودة ومستهدفة بعناية. وعلي خلاف ما عودتنا عليه الأنظمة والزعامات الاستبدادية في دول الثورات العربية التي سقطت علي نحو دراماتيكي مفاجئ بعيد تصلب خطابي مطلق, فإن نظام الأسد لا تبدو عليه ذات العلامات. وفي خطابه الأخير في دار الأوبرا بدمشق في السابع من يناير الجاري, ظهر بنفس قدراته الخطابية من حيث طريقة الإلقاء والتماسك الإيديولوجي لبنية الأفكار والخطاب, بل كانت لديه الحماسة لأن ينتقد دولا: بحثت عن موقع لها في تاريخ لا تمتلكه.. فكتبته بدماء الأبرياء من الشعب السوري, واعدا إياهم بأن سوريا وشعبها أقوي وأصلب.. ويعدهم بأنه لن ينسي. وإذا أخذنا زيادة حدة خطابة الزعماء العرب وعنادهم في اللحظات الأخيرة كمؤشر علي الاقتراب من حافة النهاية علي غرار صدام ومبارك والقذافي فإنه لايبدو أن خطاب الأسد الأخير يوحي بذلك. تبدو الأزمة الراهنة في سوريا وقد حلت بديلا عن الحرب في الخليج, فمن الصعب تصور شن إسرائيل أو الولاياتالمتحدة حربا علي إيران, في وقت تدور فيه حرب استنزاف كبري لحليفتها الرئيسية( سوريا). إن استنزاف الطاقات السورية في الحرب من شأنه إخراج سورية من معسكر طهران, ومن شأن حرب علي إيران الآن تحويل الأنظار عن الأزمة السورية تماما, وبعث التحالف الاستراتيجي السوري الإيراني مع الجماعات الراديكالية العربية اللبنانية والفلسطينية, علاوة علي القوي والمجموعات الشيعية في الخليج والعراق, وقلب موازين القوي في الثورة السورية لغير مصلحة الثوار, ووقف حالة الاستنزاف الطبيعي والتدريجي لقدرات سوريا والذي يجري دون أي تكلفة أمريكية أو إسرائيلية. ومن شأن خروج سورية من الحالة الراهنة وسقوط النظام إحلالها بحالة من الفوضي وعدم الاستقرار لسنوات, يكون لها تأثيرها الشديد علي الأمن الإسرائيلي, وذلك ما أشار إليه الأخضر الإبراهيمي مؤخرا, حين قال أنه لا يخشي علي سوريا من التقسيم, وإنما من أن تتحول إلي صومال جديدة, وسيناريو فيه أمراء حرب, وميليشيات لملء الفراغ الذي سيخلفه انهيار الدولة. وعلي الجانب الإيراني, ففضلا عن إدراكها لقيمة حليفها الاستراتيجي الرئيسي في العالم العربي, فإن لديها مخاوف من سورية سلفية جهادية ما بعد الأسد, لا توجه جام غضبها نحو إسرائيل, وإنما للصراع المذهبي مع الشيعة, والانتقام من إيران علي دعمها نظام بشار, والدخول في خضم صراع مذهبي واستراتيجي وسياسي إقليمي واسع, وفضلا عن أن ذلك يزيد أعداءها في العالم العربي, فإنه من شأن سورية الجديدة أن تكون رأس حربة لدول مجلس التعاون ضد إيران, وحليفا لتركيا التي تتعرض إيران لمخاطر أمنية من جراء سماحها بنصب شبكة الصواريخ الأطلسية, وتخشي إيران من احتمال التحالف بين سورية الجديدة وتركيا ضدها. كل ذلك في ظل سيناريو بقاء سوريا موحدة. أما إذا تعرضت للتقسيم أو الانهيار, فمن المؤكد أن تتجه جماعات سنية سلفية للاقتتال مع حزب الله, في مسعي لتصفية الحساب مع الحزب الذي اصطف بصلابة مع نظام الأسد, وأن تتجه لإحداث قلاقل لحكومة العراق ذات الطيف الشيعي. لكن أكثر ما تخشي منه طهران هو إدراكها بأن انتهاء أزمة سورية سواء سقط النظام أم لا يعني تفرغ طاقات القوي الدولية لجبهة الخليج, وتوجيه ضربة مؤكدة للجمهورية الإسلامية, ومن ثم فإن استمرار الموقف الحالي في سورية يوفر لإيران أشهرا وسنوات أخري من المناورة, تمكنها من زيادة قدرتها التفاوضية دوليا فيما لو اجتازت العتبة النووية بأمان. وعلي جانب دول مجلس التعاون الخليجي, تقدم الحالة الراهنة في سوريا وضعا مثاليا علي الصعيد الاستراتيجي طويل الأمد, وإذا كانت شعارات دول المجلس إنسانية وأخلاقية وعربية تماما, فإن ذلك لا يعني أن الوضع القائم لا يحقق مصالح رئيسية لها, فلقد اتجهت هذه الدول لدعم الثورة السورية بقرار جماعي في قمة التعاون, وروجت لذلك في الجامعة العربية والأمم المتحدة. وطالبت قطر مجلس الأمن بالتدخل العسكري في سورية بقرار أممي, واعتبرت السعودية أن تسليح الثورة السورية واجب, بل دعت قطر إلي إرسال قوات عربية وتبني خيار عسكري عربي في سورية. ولم تخف دول المجلس موقفها من النظام السوري وطالبته بالرحيل, وقدمت الدعم المالي والسياسي والعسكري للثوار, وتغاضت عن ذهاب جهاديين بها إلي سوريا. وإلي حد كبير تبدو سوريا ساحة لتفريغ الطاقات الجهادية المكبوتة في دول المجلس, التي تعوم علي خميرة جهادية لا زالت تنضح بالشباب. ويكفي الإشارة إلي أن سوريا الآن أصبحت القضية الأولي في كل بيت خليجي بامتياز, والقضية الأولي في وسائل الإعلام, وعلي منابر المساجد, وذلك يجعل الشعوب الخليجية في حرب بديلة مع طاغية خارجي يلهيها عن الاتجاه ذاته في الداخل. تبدو دول المجلس حاليا في أزمة منتصف الطريق; فهي تدرك أن عدائها ومواقفها مع الأسد لا يترك لها أي باب للتراجع, ولا يتورع الأسد عن تهديدها وتوجيه النقد لها, ويهدد بالانتقام منها حينما يتعافي. إن انهزام الثورة في سوريا يعني إقليميا عودة محور طهراندمشق أشد شراسة ليتجه مباشرة إلي أعدائه بالخليج,. إن الأمر نفسه ينطبق علي روسيا والصين, اللتين تخشيان القلاقل الداخلية مع وجود جمهوريات وأقاليم إسلامية بهما, وبعدما أصبح نظام الأسد الرهان الرئيسي لهما بعدما تورطتا ضد الثورة لمدة عامين راح ضحيتها عشرات الآلاف, بحد أصبحت معه الخسائر المتوقعة لطريق العودة لهما تفوق خسائر الاستمرار فيه. وتخشي الصين علي وارداتها النفطية في ظل أي عملية عسكرية في الخليج, في وقت تتحلل فيه الولاياتالمتحدة رويدا رويدا من التبعية لنفط المنطقة. هكذا تشير كل الدلائل إلي أن المعركة في سوريا قد تطول, ليس لعدم قدرة أطرافها علي الحسم, وإنما لعدم الرغبة في ذلك, ودوران الأزمة مع دورات مصالح ولوبيات في الداخل والخارج وبالإقليم, علي نحو من المرجح أن تصبح معه سوريا قاعدة متقدمة أو بديلة للمواجهة في الخليج.