لا أجد وصمة عار علي جبين مصر مثل تلك الجملة الممقوتة التي ترددها النخب السياسية واللاعبون بمقدرات البسطاء بالادعاء بأن ثورة الجياع قادمة وكأننا شعب من الجياع أو يضم أغلبية جائعة!. ويقينا فإن أغلبية هذه النخب لاتعلم ما هو الجوع وما هو الفقر وما الفرق بينهما ولا تعلم باليقين بأن مصر لا تصنف عالميا بأنها من الدول التي تعاني من الجوع بأي نسب ومن هنا كان مصطلح ثورة الجياع مبالغة واستغلالا سياسيا مقيتا. فالفقر في مصر حقيقة ونسبته تصل في المدن إلي40% وتصل في قري الريف إلي78% ومقومات ألفيةالأمم المتحدة تتحدث عن القضاء علي الجوع والحد من الفقر لأن الفقر لا يمكن القضاء عليه وسيظل موجودا إلي الأبد أما الجوع فعار علي الإنسانية أن يكون هناك جوعي ولذلك لا بد من القضاء عليه وليس الحد منه. فالفقر- مخالفا لتصور الكثير- ليس مرتبطا بالحد الأدني من الدخل أو معدل الإنفاق والذي يعتقد الكثيرون أنه دولاران يوميا وإنما ارتباطه الأساسي بالحصول علي الحد الأدني من الطاقة اللازمة للحفاظ علي حياة الإنسان وصحته لكي يكون قادرا علي أداء عمله بالشكل الأمثل دون معاناة أو شكوي أو اعتلال بما لا يقل عن1800 كيلو كالوري يوميا. من هذا الحد الأدني يكون مفهوما أن الحدود المالية في مستويات الدخل للحصول علي هذا المعدل من الطاقة تكون نسبية وترتبط بمستويات الأسعار بل وبأماكن الإقامة داخل الدولة الواحدة في المدن أو الريف بمعني أنه في الدول شديدة الفقر قد يكفي دولار واحد لشراء الطعام الذي يوفر حدود الطاقة اللازمة لحياة وصحة الفرد بينما في الدول متوسطة الدخل قد لا يقل عن دولارين يوميا وفي الدول الغنية قد يتجاوز هذا الحد خمسة دولارات في اليوم الواحد!. هذا الحد الأدني من السعرات الحرارية عادة ما يتوافر للفقراء من المصادر الغذائية الرخيصة وعادة ما تكون من مصادر نباتية فقط وتعتمد بشكل أساسي علي الحاصلات الزراعية خاصة الحبوب والبقول والخضراوات التي توفر حتي80% من الطاقة اليومية لفقراء العالم, ولكن في جميع الأحوال فإن الفقراء يحصلون علي الحد الأدني من السعرات الحرارية اللازمة لنشاطهم اليومي بعيدا عن المصادر الحيوانية للبروتين. أماالجوعي فهم البشر غير القادرين علي الحصول علي1800 كيلو كالوري من السعرات الحرارية يوميا حتي من المصادر الرخيصة للإبقاء علي حياتهم أصحاء, وقادرين علي آداء العمل لذلك فهم يعانون من أمراض الفقر المدقع وسوء التغذية والأنيميا والتقزم ويحتاجون إلي معونات عاجلة لمساعدتهم علي العلاج وإعادة القدرة علي العمل إلي أجسادهم لكي يتقوتوا لأنفسهم وأسرهم. وقد يكون الجوع نتيجة لكوارث طبيعية مثل تكرار حدوث نوبات الجفاف والقحط وهلاك الإنتاج الزراعي وعدم إنتاج الغذاء محليا مع نقص القدرة المالية للدولة والأفراد علي استيراده أو بسبب تسونامي اقتحام البحار والمحيطات المالحة لليابسة أو حدوث الزلازل والبراكين والأعاصير المدمرة وبالتالي تكون الحاجة ملحة إلي مساعدات دولية عاجلة. وقد يحدث الجوع بسبب عوامل اقتصادية وندرة تكنولوجية للدول منخفضة الدخل وغير القادرة علي النهوض باقتصادياتها أو رفع مستوي معيشتهم أو حتي إنتاج الغذاء من داخل أراضيهم, وبالتالي فهناك العديد من الدول التي هي في حاجة دائمة إلي مساعدات غذائية عاجلة لشعوبهم. وقد يحدث الجوع في عدد كبير من الشعوب ذوي النسب المرتفعة من الفقراء بسبب انخفاض معدلات الدخول للأفراد وارتفاع أسعار الغذاء خاصة خلال أزمات ارتفاع أسعاره والتي باتت تتكرر كثيرا حيث توافر السلع في الأسواق ولكن بأسعار تفوق قدرة الأغلبية في الحصول عليه وبالتالي فإن توافر الغذاء بمثل هذه الأسعار المرتفعة يتساوي مع عدم وجوده وهو ما يدفع جموع المستهلكين من الفقراء إلي تقليص احتياجاتهم وتقليل استهلاكهم من الغذاء بسبب ارتفاع أسعاره. عار علي النخب في مصر الادعاء علي خلاف الحقيقة بوجود جياع في مصر فلدينا دول تحيط بنا وتتربص بمصر والمصريين وبأولادنا العاملين لديهم فنرجوكم التوقف عن هذه الكلمة المقيتة التي لا تليق بمصر أبدا فلدينا فقراء نعم ولكن لن يكون لدينا جوعي أبدا. المزيد من مقالات د.نادر نور الدين محمد