كتب : أيمن السيسي: إسماعيل أبوزيد من أبرز خبراء العالم في السياسات الزراعية, يعمل منذ عام1980 في الأممالمتحدة وتدرج في الفاو حتي أصبح مسئول برنامج تليفود في مصر وشمال إفريقيا والشرق الأدني وآسيا. وقد وضع الخبير العالمي إسماعيل أبوزيد الخطط التنموية لمساعدة عدة دول في العالم علي تجاوز الفقر بمشروعات زراعية تعتمد بالدرجة الأولي علي التوسع في الاستثمار الزراعي, وله دور كبير كمسئول عن برنامج تليفود في تنبيه حكومات هذه الدول لأخطار الجوع والفقر في دولهم, وتنبيه دول العالم المتقدم لضرورة مساعدة الدول الفقيرة للخروج من مأزق الفجوة الغذائية والجوع الذي يقتل10 أشخاص, أغلبهم أطفال, كل دقيقة. حول رؤيته للسياسات الزراعية ودور البرنامج في مصر يدور هذا الحوار: * ما هي رؤيتك كخبير دولي في السياسات الزراعية؟ * أري ضرورة زيادة الاستثمار في القطاع الزراعي بجدية مقننا ودائما, بمعني أن تعطي الدولة أولوية شبه مطلقة للقطاع الزراعي في ميزانية الدولة, لكونه صمام الأمان للأمن الغذائي المصري. * وهل تري ضرورة لزيادة الرقعة الزراعية في مصر أم أنها تكفي؟ * رقعة الأرض الزراعية لا تكفي إطلاقا الآن, لذلك يجب أن يكون هناك توسع أفقي بزيادة رقعة المساحة الزراعية, وتحسين غلة الفدان, وزيادة إنتاجيته. * وهل يحدث في مصر الآن ما يؤدي إلي ذلك؟ * أري أن تستثمر الدولة استثمارا جديا في زيادة الرقعة الزراعية, وكذلك تهتم برفع الانتاجية بتوفير المدخلات الزراعية لتحسين غلة الفدان وزيادتها علي أن يكون ذلك سريعا, ومن خلال جدول زمني محدد, وأن تكون هناك مراقبة في الأداء لضمان تحقيق هذه الإنجازات وتنفيذ الخطط بشكل علمي سليم. * هل هناك دول معنية بصناعة الفقر في العالم؟ * يجيب قائلا: الدول الثماني, وهي الدول الغنية بشكل عام, وهي أكثر الدول إنتاجا للأغذية, وهي المسيطرة علي اقتصاد العالم, وللأسف الشديد فإنه عندما انعقد مؤتمر القمة العالمي للأمن الغذائي في نوفمبر2009, هذه الدول لم تحضر المؤتمر باستثناء الدولة المضيفة وهي إيطاليا, لأنها حسب اتفاقية المقر لابد أن ترأس المؤتمر. لكن للأسف لم تحضر هذا المؤتمر الأخير, وأنا أري أن هذه الدول هي الخاسرة لانكشافها أمام العالم والتأكيد علي أنها غير معنية ولا مهتمة بحل مشكلة الفقر في العالم الثالث, مع أن هذه الدول سبب رئيسي في هذا الفقر. * هل يؤكد ذلك أن للدول الكبري هدفا في زيادة معدلات الفقر في العالم؟ * لا أريد أن أقول ذلك, لكن تقييمي كمسئول معني بقضية مكافحة الفقر أستطيع استعارة مقولة: إن كنت لا تدري فتلك مصيبة, وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم. وبذلك فهم متهمون ومذنبون, فإذا كانوا يغفلون قضية بهذا المستوي من الخطورة فيجب أن يحاسبوا عليه, وإن كانوا يعلمون ولم يتخذوا قرارات لحل المشكلة برغم قدرتهم علي ذلك فتلك المصيبة الأعظم, وسأضرب لك مثالين, الأول أن الدول الغنية تنفق علي صناعة وبيع الأسلحة في العالم تريليونا ومائتي مليار دولار سنويا, بينما تطلب منظمة الفاو لكي تضع حدا لمشكلة الفقر في دول العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض من30 إلي42 مليار دولار في العام! * فقط ؟! * نعم فقط في العام, وهو ما يمكن به حل أزمة دول العجز الغذائي, وهي أكثر الدول احتياجا علي خريطة الجوع في العالم, المثال الثاني أننا عندما طالبنا بهذا المبلغ لتحسين البنية التحتية للإنتاج الغذائي والزراعي في دول العالم الثالث, وهي الأكثر احتياجا, تقاعست الدول الغنية وتباطأت وحتي الآن لم نحصل سوي علي10% من المبالغ التي تعهدوا بها في مؤتمر2008 برغم أن المبلغ الذي تعهدوا به وهو20 مليار دولار متفق علي دفعه علي ثلاث سنوات وليس مرة واحدة, هو نصف المبلغ الذي نطالب به تقريبا, ومن الناحية الأخري فإن هذه الدول خلال15 يوما فقط عندما حدثت الأزمة المالية العالمية استطاعت توفير مبلغ300 مليار دولار لإنقاذ البنوك المنهارة أو التي علي وشك الانهيار. * وهو ما يعني أن الأموال موجودة.. فلماذا إذن هذا التباطؤ؟ * هنا يثور السؤال: هل هذه الدول معنية بالفعل بوضع حد لأزمة الجوع والفقر في البلدان الأكثر احتياجا؟ وأجيب, وهذا رأيي الشخصي, أنها غير معنية.. دور الفاو * هذا ينقلنا إلي سؤال عن دور أو قدرة المنظمة الفاو علي نقل هذه الصورة للبلدان الفقيرة لوجوب إدراكها لذلك, ثم هل هذه الدول تتعاون معكم أم أنها لا تمتلك الرغبة لمساعدة نفسها؟ * دورنا نقوم به وهو تعريف هذه الدول بأبعاد مشكلتها الحقيقية, وأن تحسين القطاع الإنتاجي الزراعي لابد أن يحظي بأولوية في برامجها, لأنه بدون تحسين القطاع الزراعي وزيادة الاستثمار فيه فلن يمكن حل مشكلة الأمن الغذائي فيها, وهو عكس ما يحدث للأسف الشديد حيث ينخفض حجم الاستثمار الزراعي تدريجيا. * علي مستوي العالم؟! * نعم, خصوصا في الدول الأكثر احتياجا فقد أصبحت هذه الدول للأسف الشديد مهتمة أكثر بقطاعات أخري مثل العمران والتنمية الصناعية والعقارية كما يحدث في مصر, وزاد استهلاكها في السلع الاستهلاكية أكثر من قبل ضمن موجة عالمية بعد ما يسمي العولمة, إنما كل هذه الدول مجتمعة تغفل أهمية الاستثمار في القطاع الزراعي, وهو القطاع الأهم لتحقيق الأمن الغذائي, بالإضافة إلي أن نسبة المساعدات الرسمية للزراعة التي تعهدت بها الدول الصناعية الغنية انخفضت من18% إلي أقل من3.8% خلال العقد الأخير. أكثر من ذلك أن هناك نسبا لتحقيق الأمن الغذائي العالمي, خصوصا في أوقات الطوارئ الطبيعية بسبب الجفاف والسيول وغيرها, أو بسبب الحروب الأهلية والصراعات العرقية التي توثر علي إنتاج الغذاء, فهناك مخزون أو احتياطي عالمي يضمن ثبات الأسواق عند حد معين لا ترتفع فيه الأسعار فجأة كما حدث مثل عامي2008 و2009, وهذا المخزون انخفض من18% إلي11%, ومع ذلك نسبة ما ينتجه العالم إلي استهلاكه تكفي وتفيض. العالم ينتج3200 مليون طن سنويا, وهو ما يزيد علي استهلاك العالم بمعدل60 إلي75 مليون طن تمثل نسبة المخزونات, وبذلك إذا كان العالم ينتج ما يفيض علي حاجته, فلماذا توجد مشكلة الجوع؟ * هل التوزيع غير العادل هو السبب؟ * نعم, فهناك توزيع غير عادل وخلل في السوق العالمية, وسياسة دعم المزارعين في هذه الدول الغنية, وهي من أخطر ما يواجه الأمن الغذائي العالمي. * لكنك قلت إن دعم المزارعين مطلوب؟ * نعم, ولكني أتحدث هنا عن دعم المزارعين في الدول الغنية, فالفلاح فيها والذي يزرع100 هكتار وينتج منها20 طنا, يتم دعمه برفع تكلفة10 أطنان ويطالبونه بإنتاج10 فقط, وهي سياسة حماية ودعم المزارعين في هذه الدول للحفاظ علي ثبات الأسعار في السوق العالمية. * وماذا عن الدول الفقيرة؟ * هنا الوضع مختلف لاستمرار الأزمة لديها. * هل يعني ذلك أنك تطالب بسياسة المساندة الزراعية أن تقل في الدول الغنية مقابل زيادتها في الدول الفقيرة؟ * بالضبط لتشجيع المواطنين فيها بتوفير المدخلات الأساسية بأسعار معقولة, وفتح الأسواق, علي ألا يكون الإنتاج لمواد غير مطلوبة, فهناك سلع استراتيجية مثل القمح والأرز حسب نوع استهلاك السلع المختلفة في هذه الدول, وللأسف فإن سياسة دعم المزارعين فيها تمثل خطورة علي الإنتاج العالمي, يضاف إلي ذلك أن هناك جزءا من هذا الإنتاج يستقطع لتوفير الوقود الحيوي يصل من150 إلي200. * كم دولة علي خريطة الجوع في العالم؟ * خريطة الجوع تتوزع علي النحو التالي: عام1996 في مؤتمر القمة العالمي الأول للأغذية الذي عقدته منظمة الأغذية والزراعة في روما كان عدد الجوعي864 مليون شخص علي مستوي العالم يمثلون( سدس) سكان العالم, واتفق قادة العالم في هذا المؤتمر علي العمل لتخفيض هذا العدد إلي النصف بحلول2015, لكن الذي حدث كان عكس ذلك, فقد زاد عدد الجوعي في العالم منذ هذا التاريخ إلي مليار و20 مليونا حاليا, وأنا شخصيا لا أجد مبررا لذلك لتوافر المواد الغذائية والإمكانات لدي الدول الغنية والفقيرة لكن تنعدم الإرادة السياسية. * ما هو توزيع الجوعي في العالم؟ *650 مليونا في آسيا, و265 في إفريقيا جنوب الصحراء وهي دول العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض, و65 مليونا في أمريكا اللاتينية, و42 مليونا في منطقة الشرق الأدني. * وهل يوجد جوعي في الدول الغنية؟ * نعم.. هناك15 مليونا في الدول الغنية, وإذا دققنا وبحثنا في هويتهم سنجدهم من المهاجرين, لذك فإن قضية الفقر لا تعني الدول الغنية في شيء, إنما تعنيها مسألة إنفلونزا الخنازير لأنها ربما تكون حقيقية, وأنا لا أري ذلك, فتصيبهم, وبالتالي تمثل محورا أساسيا في صناعة الدواء لديهم, خصوصا أن هذه الدول بعد الأزمة المالية كانت في حاجة إلي إنعاش شركات الأدوية, وإن كنت لا أتهم منظمة دولية غير معنية بقضية الغذاء والصحة, ولا حتي شركات الأدوية, فكل جهة تستثمر من حقها أن تروج لاستثمارها بالطريقة التي تراها مناسبة لها, لكني أتهم الرأي العام العالمي لانطلاء مثل هذه الادعاءات عليه. * ألا تري أن عدم اتهامك مباشرة لهذه المنظمات التي أثارت هذا الذعر مجاملة منك لها؟ * هذه المنظمات من حقها عند ملاحظة وجود حالات مرضية تتجاوز سقفا معينا أن تنبه الرأي العام العالمي, لكن عندما تكون هناك تجربة عملية علي أرض الواقع أن تقف وتدلي بدلوها, لكن منذ أن بدأت أزمة إنفلونزا الخنازير منذ مارس2009 وحتي الآن كم عدد الموتي جراءها؟ سنجد أن الرقم لم يتعد20 ألف إنسان علي مستوي العالم, في حين أن عدد الموتي جوعا17 مليونا و300 ألف إنسان في الفترة نفسها, ومعظمهم من الأطفال الذين يموت منهم10 كل دقيقة, لكن لأن هؤلاء لا يهتم بهم ولا بقضيتهم أصحاب القرار في هذه الدول, ولا أصحاب الصوت العالي الأغنياء المسيطرون علي الإعلام. * وهنا ما هو دوركم كمنظمة؟ وهل مصر ضمن هذه المناطق؟ * أولا مصر ليست علي خريطة الجوع, ولكن علي خريطة الفقر, وإننا لا ننكر أنه في فرنسا وأمريكا مثلا هناك مناطق فقيرة. * وما هو تعريفكم للفقر؟ * تعريف الفقر لدينا هو دولار واحد للفرد يوميا وليس للأسرة, وربما يكون الفرد عائل أسرة, ولكن قضيتنا ألا يقضي الجوع علي الفرد, وهذا المبلغ ولو كان لا يسمح بموته جوعا إلا أنه لا يعيش حياة تعيسة. * ألا تري أن تحديد دولار واحد فقط كخط للفقر يحتاج إلي مراجعة منكم؟ * صحيح أن دولار واحد أصبح قليلا جدا في ظل الارتفاع الشديد في الأسعار, لذلك بدأنا في التفكير في تحديد رقم دولارين, وحاليا في إطار الدراسة لنعلنه, وتوزيع خريطة الجوع في العالم أصبح أكثر إلحاحا بالنسبة للمنظمات المعنية بالأمن الغذائي العالمي, وقد أقر تقرير التنمية العالمية مبلغ دولارين كحد أدني. * لكن إذا كانت هناك دول, حتي في إفريقيا, ترتفع فيها أسعار السلع بشكل مبالغ فيه.. أنجولا مثلا؟ * لا يمكن اعتبار أنجولا مثالا نطبق عليه, لأن الحد الأدني هناك لا يمكن بأي حال أن يقل عن5 دولارات مثلا, لأن ارتفاع الأسعار فيها غير مبرر, لأن كل ما تستهلكه أنجولا من الأغذية والسلع بالكامل مستورد.