محمود محيي الدين: البنوك المركزية الكبرى أصبحت تعتمد على الذهب    ترامب يعلن «إقالة» مدّعٍ فيدرالي لهذا السبب    محمد سعد مفاجأة ماراثون رمضان 2026    نيكول سابا تخطف الأضواء خلال تكريمها بجائزة التميز والإبداع في حفل "دير جيست"    الزراعة: تجديد الاعتماد الدولي للمعمل المرجعي للرقابة البيطرية على الإنتاج الداجني بالشرقية    رئيس جامعة بنها يهنئ الطلاب بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد    غدا.. 150 معهدا أزهريا تستقبل الطلاب في الوادي الجديد    فنزويلا تطالب الأمم المتحدة بالتحقيق في تدمير الولايات المتحدة لقوارب في البحر الكاريبي    وكيل "عربية النواب": فيتو واشنطن دعم علني للجرائم الإسرائيلية    مكتب الإعلام الحكومي: أكثر من 900 ألف شخص صامدون بمدينة غزة وشمالها ويرفضون النزوح    بيكهام يخضع لفحوصات طبية بعد الإصابة في مباراة سيراميكا    الدوري الإنجليزي.. موعد مباراة مانشستر يونايتد ضد تشيلسي والقناة الناقلة    التشكيل المتوقع لمانشستر يونايتد وتشيلسي في قمة البريميرليج    اليوم.. منتخب شباب الطائرة يواجه الكاميرون في نهائي البطولة الأفريقية بالقاهرة    الدمرداش: عمومية الزهور شهدت أول تجربة للتصويت الإلكتروني في مصر    اليوم.. بعثة بيراميدز تغادر إلى جدة لمواجهة الأهلي في كأس الإنتركونتيننتال    المؤبد لعامل قتل مسنة وسرق مشغولاتها الذهبية بالقاهرة    "مذبحة نبروه".. أب يقتل أطفاله الثلاثة وزوجته ثم ينتحر على قضبان القطار    إصابة 10 أشخاص إثر حادث انقلاب ميكروباص في الشرقية    نجار يقتل زوجته في كرداسة ويترك أبناءه في مواجهة المجهول    «الصحة» : تخريج الدفعة الأولى من الدبلومات المهنية في البحوث الإكلينيكية    رئيس جامعة مطروح: الطلاب هم قادة الغد وبناة المستقبل    مي كمال: أنا وأحمد مكي منفصلين منذ فترة ومش هحب بعده    فى يومهم العالمي.. «الصحة العالمية» تشيد بجهود مصر في سلامة المرضى    تعرف على مواعيد أقساط سداد قيمة المصروفات الدراسية لعام 2026    القنوات الناقلة مباشر لمباراة ريال مدريد ضد إسبانيول في الدوري الإسباني.. والمعلق    موعد مباراة بيراميدز ضد الأهلي السعودي في كأس إنتركونتيننتال 2025    بدعوى العطلة الأسبوعية.. الاحتلال يوقف إدخال المساعدات إلى قطاع غزة    زيلينسكي: روسيا أطلقت 40 صاروخا و580 مسيرة على أوكرانيا موقعة 3 قتلى    الرئيس السوري: اتفاق مع إسرائيل بوساطة أمريكية قد يوقع خلال أيام    انطلاق المرحلة الثانية من مبادرة "سائق واعٍ .. لطريق آمن"    «الداخلية»: ضبط 14 طن دقيق «مدعم وحر» في حملات تموينية على الأسواق بالمحافظات    كسوف الشمس 2025 في السماء.. تفاصيل موعد البداية والنهاية ووقت الذروة (الساعة)    تجارية بورسعيد: التعاون بين القاهرة والرياض يبحث سبل التكامل الصناعي    9 محظورات للطلاب بالعام الدراسى الجديد.. تعرف عليها    جامعة القاهرة تعلن تفاصيل الأنشطة الطلابية خلال الأسبوع الأول من الدراسة    «مفرقش معايا كلام الناس»| كارول سماحة ترد على انتقادات عملها بعد أيام من وفاة زوجها    مهرجان الغردقة لسينما الشباب يحتفي بالسينما الروسية.. والأميرة الضفدع يفتتح أفلام دورته الثالثة    مهرجان الغردقة ينظم يوما للسينما الروسية.. و«الأميرة الضفدع» فيلم الافتتاح    فقدت كل شيء وكان لازم أكمل المشوار.. أحمد السقا بعد تكريمه في دير جيست    عودة التلامذة.. مدارس قنا تستقبل الطلاب مع بداية العام الدراسي الجديد    جولة تفقدية موسعة لرئيس «الرعاية الصحية» للوقوف على جاهزية مستشفيات ووحدات المنيا    للكشف وإجراء جراحات مجانية.. دفعة جديدة من أطباء الجامعات تصل مستشفى العريش العام    وزيرة التضامن تبحث مع سفير إيطاليا تعزيز التعاون بمجالات التمكين الاقتصادي    ضبط 108.1 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    «الصحة» تطلق خطة التأمين الطبي الشاملة للعام الدراسي 2025-2026    الخارجية الفلسطينية ترحب بانضمام البرازيل لدعوى محكمة العدل الدولية    موعد صلاة الظهر.. ودعاء عند ختم الصلاة    طب الإسكندرية يتصدر نتيجة تنسيق الشهادة اليونانية 2025    آسر ياسين على بعد يوم واحد من إنهاء تصوير "إن غاب القط"    سعر الألومنيوم في الأسواق اليوم السبت    «الصحة» تطلق خطة التأمين الطبي الشاملة لتعزيز جودة حياة الطلاب في العام الدراسي 2025/2026    كيف يقضي المسلم ما فاته من الصلاة؟.. أمين الفتوى يوضح خطوات التوبة وأداء الصلوات الفائتة    ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية في المنيا لعام 2025 (تعرف علي الأسعار)    انطلاق العام الجامعي الجديد.. 3 ملايين طالب يعودون إلى مقاعد الدراسة في الجامعات المصرية    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب كامل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 20-9-2025 في محافظة قنا    استشارية اجتماعية: الرجل بفطرته الفسيولوجية يميل إلى التعدد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر تبحث عن نفسها

معركة مصر الكبري في التاريخ الحديث والمعاصر معركتان‏.‏ الأولي ضد الاستبداد والفساد والقهر الذي استوطن هذه البلاد طويلا‏.‏ والأخري هي معركة البحث عن هوية سياسية بديلة ورشيدة تحقق للمصريين شيئا من الاجماع ثم الاستقرار اللازم لصعود تلال التنمية‏.‏ وهو بكل المعايير صعود مروع. كل الدلائل تؤكد أنه إذا انتصرت مصر في هاتين المعركتين فلن يمنعها مانع من أن تنطلق لتلحق بركب الدول القويمة والانعتاق من الفقر وتوابعه من مظاهر التخلف. ورغم أن المعركتين تتكاملان في تحقيق النهضة المصرية, إلا أنهما مختلفتان في كل شيء تقريبا وهما معا لاتحتلان المكانة اللائقة في الوعي السياسي المصري.
المعركة الأولي يمكن أن تحسم في جيل واحد. قد تأتي نتائجها سريعا. وقد تنتهي إلي إعادة إنتاج نظام سلطوي في ثوب جديد ما لم تتحقق معها نتائج ملموسة في المعركة الثانية التي هي مجهدة ومؤلمة وممتدة عبر الزمن ونرجو ألا تكون باهظة التكلفة. فرسان المعركة الأولي ليسوا بالضرورة هم أفضل من يقود الجهود في الثانية. وأسلحة المعركة الأولي هي الأسوأ في المعركة الثانية. قد تكون المعركة الأولي ضد الاستبداد غير مسبوقة في التاريخ المصري أما الصراع علي الهوية السياسية فله نظائر وأشباه في حياة المصريين المحدثين. فقد سبق أن نشب في أعقاب رحيل الحملة الفرنسية علي مصر. حينها استفاق المصريون من وهمين شائعين. فهم ليسوا أفضل البشر لأنهم فقط مسلمون. فقد رأوا في الكفار الفرنسيس من يفوقهم علما ونظاما وحضارة وقوة. وأدركوا أيضا أنهم في حمي خليفة المسلمين سلطان العثمانيين ليسوا بمأمن من غزو الكافرين. استمر الصراع طويلا حتي أصبحت الغلبة لجماعات الإسلام السياسي في نهايات ثلاثينيات القرن الماضي قبل أن تحسمه جزئيا حركة الضباط الأحرار في يوليو1952 حين أخرجت الفريقين المتصارعين من حلبة الحياة السياسية.
ثمانية عشر يوما بالغضب والقهر والإحباط الذي تراكم اقتلعت نظام مبارك العتيد.ورغم مضي نحو عامين علي ذلك الانتصار فإن توزيع الغنائم حول شركاء الأمس إلي فرقاء اليوم. لم يدرك هؤلاء أن المعركة القادمة مختلفة ولن تحسم في جيل واحد وهي ليست بحاجة إلي سياسيين ثوريين وليست بحاجة إلي قهر وإحباط ومظاهرات واحتجاجات وخطب سياسية تعبوية بقدر ما هي بحاجة إلي رشاد وعقلانية تقتفي خطي مصلحين ومفكرين وسياسيين راشدين قادرين علي تجسير الفجوة بين الأطراف المتناحرة في الحياة السياسية المصرية. فالتناحر القائم في مصر هو في حقيقته تناحر بين تصورات ومرجعيات متناقضة ومتطرفة علي الجانبين. جانب يري الحياة كلها شأنا من شئون البشر يدبرونها في ظلال الواقع والمصلحة الراهنة دون أي مرجعيات دينية. وفريق آخر يري الحياة في كل جوانبها تحكمها المرجعيات المقدسة حسب فهمهم مع التوسع النسبي في تلك المرجعيات حتي وإن بدا بعضها مناقضا للواقع ومتنكرا لمفهوم الزمن.
هذا التطرف علي الجانبين سوف يطيل أمد المعركة التاريخية المصرية الراهنة. وليس صراع الدستور الراهن سوي إحدي تجليات المعركة الكبري حول تلك الهوية. لم يولد علي أرض مصر بعد من يستطيع أن يصرخ في المصريين فينتظموا في صفوف متراصة منتجة ومبدعة. تنهي صرخته خلافهم واختلافاتهم وصراعاتهم. ولو أن الرئيس مرسي ألغي الدستور والاستفتاء وأعاد النائب العام وفعل كل ما يطالبون به لما تغير في الأمر شيء. فقد بدأت معركة البحث عن الهوية السياسية. من حسن الحظ أن الطبقة الوسطي في مصر أعرض كثيرا مما كانت عليه تلك الطبقة في التجربة شبه الليبرالية في مصر قبل ثورة1952 التي لم تخرج أبدا لتدافع عن الحرية التي عصف بها الضباط الأحرار. فقد كانت الحرية ترفا نعمت به طبقة رقيقة جدا طفت علي سطح الحياة المصرية آنذاك. أما الطبقة الوسطي الراهنة في مصر بحجمها ومستويات الوعي لديها وتكنولوجيا الاتصال التي تستخدمها فهي تظل أكبر ضمان ألا نعود لعهود الاستبداد مرة أخري. ربما تفتقر هذه الطبقة الآن إلي من يأخذ بيدها ليعبر بها أزمة الهوية ولكنها لاتزال قادرة علي التفاعل النشط حتي تصل إلي تلك الهوية.
من المؤسف أن فرسان البحث عن هوية سياسية مصرية في الوقت الراهن سجناء. وكما يقول سارتر السجون تبرز أسوأ ما في الإنسان. هم سجناء آرائهم متعصبون وغير راغبين في تدبر فقه الواقع الاجتماعي والثقافي المصري ولك أن تتوقع منهم ما هو أسوأ. الواقع المصري يرفض أن يعاد إنتاج الليبرالية الغربية في أرضه ويرفض علي الجانب الآخر إنكار مفهوم الزمن ومقتضيات حياة تجري في القرن الحادي والعشرين. هؤلاء السجناء علي الجانبين سبق وأن رفضوا آراء الإمام محمد عبده قبل أكثر من مائة عام. وهي التي تمثل بقعة الضوء الباقية في معركة البحث عن هوية سياسية. فقد تجاوزه الليبراليون ورفضه المحافظون الدينيون وكان يمكن لآرائه أن تقدم الكثير من العون في معركة البحث عن الهوية السياسية المصرية. ربما كانت آراء الإمام محمد عبده صالحة في مساعينا الراهنة وربما كان نشرها عونا في هذا الطريق. حسنا فعل الصديق الدكتور صابر عرب وزير الثقافة حين دعا نخبة من المثقفين للنظر في أمر وضع استراتيجية وطنية للثقافة المصرية غير أن غياب وزارتي التعليم وأجهزة الدعوة والأزهر ووسائل الإعلام عن مثل هذا الجهد قد يعيدنا إلي المفهوم الضيق للثقافة المصرية وهو مفهوم أقل كثيرا من أن يساعد مصر في البحث عن نفسها.
المزيد من مقالات د‏.‏ حمدي حسن أبوالعينين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.