انتهت أمس السبت المرحلة الأولي من الاستفتاء العام علي أول دستور مصري بعد ثورة يناير, ويوم السبت المقبل بمشيئة الله تنتهي المرحلة الثانية, وتشير تقديرات الخبراء إلي أن الإقبال والتصويت الإيجابي ب نعم, سوف يكون حاسما في إقرار الدستور الجديد. وفي تقديري أن هذا الإقبال الكبير, الذي شاهدنا بداياته في تصويت المصريين في الخارج, يعكس إلي حد كبير وعيا سياسيا عاما لدي المواطن المصري, الذي انشغل طوال الأشهر الأخيرة بالحوار والجدال حول الجانب السياسي عموما, وموضوع الدستور الجديد خصوصا, وأدرك كثير من المواطنين أن هذا الدستور يتمتع بمزايا وخصائص ومواد لم تكن موجودة من قبل, وأتاح الحوار والنقاش حوله في وسائل الإعلام وفي اللقاءات الاجتماعية بصورة ما رؤية إيجابية جيدة. إضافة إلي أن الشعب يعاني من سوء الأوضاع الأمنية والمعيشية, وهي أوضاع لا يكاد يشعر بها كثير من السياسيين والإعلاميين مع الأسف, وبالتالي يدرك المواطن البسيط بوعيه وفطنته أن أي تأخير في إقرار الدستور سوف ينعكس سلبا عليه هو أولا, وأن تسعة أشهر وربما عام كامل آخر بلا دستور هو كارثة حقيقية, سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, ولذلك يصوت الناس بإيجابية للدستور الجديد, حتي يمكن إنقاذ الوطن من حالة الانهيار والتردي التي تجرنا إليها الآن النخبة العلمانية. وبعد إقرار الدستور الجديد يصبح لدينا وثيقة ننطلق منها إلي الأمام, ويبقي أمامنا الوقت المناسب للاستعداد, كمجتمع وكأحزاب سياسية, للانتخابات البرلمانية المقبلة, والتي من المقرر أن تبدأ خلال ستين يوما من الموافقة علي الدستور, وهي انتخابات تجمع بين نظامي الفردي والقوائم النسبية, كما حدث تماما في الانتخابات الأخيرة للمجلس المغدور, بعد إصلاح مشكلة عدم الدستورية! وهذه فرصة للوصول إلي الناس, واختيار نواب يعبرون بصدق عن الشعب المصري. وأتمني ألا تأخذ اللجنة العليا للانتخابات وقتا طويلا في إجراء انتخابات مجلس النواب الجديد, وليس مقبولا من وجهة نظري أن يتم إجراؤها مثلا في شهرين, كما حدث في السابق, بل المطلوب أن نجمع بين الحرص علي تأمينها وسلامتها من الناحية القانونية وبين سرعة تنفيذها وإعلانها, ويكفي أن تتم علي مرحلتين فقط وأعتقد أن لدي اللجنة العليا خبرة عملية جيدة في هذا المجال, لأن إطالة الانتخابات فيه هذا إهدار للوقت والطاقة والوضع الاقتصادي لم يعد يحتمل المزيد. وعندما يكتمل البرلمان الجديد بعون الله, ربما في أوائل شهر إبريل المقبل إذا سارت الأمور بشكل طبيعي بعد إقرار الدستور, ويبدأ في ممارسة دوره التشريعي والرقابي الذي تم تعطيله بفعل فاعل منذ ما يقرب من عام, ويتم بناء علي النتائج النهائية تشكيل حكومة جديدة, باعتبار أن الدستور الجديد يلزم السيد رئيس الدولة باختيار رئيس الوزراء الجديد من الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية أو من تحالف أكثر من حزب يشكلون الأغلبية, عندها سوف نشعر جميعا بمزيد من الاستقرار. ومع انتهاء انتخابات البرلمان الجديد, سوف يأتي استحقاق انتخابات المجالس الشعبية المحلية, وهي المجالس الأكثر التصاقا ومسئولية عن مصالح المواطنين, وعندما تتولي هذه المجالس المنتخبة القيام بدورها الحقيقي, سوف يشعر المواطن البسيط حينها, خصوصا مع الاستقرار الذي يوفره بناء المؤسسات الدستورية, وبدء تدفق الاستثمارات من الداخل والخارج, وبناء المشروعات الاقتصادية العملاقة, أن الأمور بدأت تتغير بالفعل إلي الأفضل والأحسن علي أرض الواقع. مصر أيها السادة في حاجة إلي البناء والعطاء والتجرد, وهذا لا يتحقق إلا بتراص صفوف الوطنيين المخلصين, وآن لنا أن نبدأ في البناء لنصنع بإذن الله المستقبل المشرق. المزيد من مقالات بدر محمد بدر